روايةُ «الزّمن الموحش» روايةُ زمنِنا

طوال ما ينوفُ على مئة ألف كلمة، تُخاتل هذه الرواية كتابةَ التّاريخ الفنيّ للمخاض السياسيّ والنفسيّ والاجتماعيّ للمواطن العربي عقب نكسة 1967، وفي هذا التاريخ الروائيّ يقذف حيدر حيدر بسائرِ المُحرّمات الجنسية والسّياسية عُرض الحائط، ويتحرّرُ منْ سائر الرّقباء الذين يعيشون في تلافيف دِماغ الكاتب العربي التقدميّ المُعارض، جرّاء التكوين الأسريّ والنشأة الاجتماعية والمناخ الاجتماعي العام .
لهذا قد يكون أقرب إلى التوصيف الفني الدقيق، وأصدق في تشخيص انشطاراته الجمالية بعد قراءة “الزمن الموحش”1، أنْ نقول إنّه نصّ” متاهةٌ”، نصّ قَلِق، يجدر أسئلةَ الهوية، ويلتقط آثار التّحول بين التخييل والتاريخ، بين السّرد والشعر، وبين الواقع والحلم. هو نصّ قلقٌ “مأخوذٌ بشهوة الكلام، ينفلتُ من إِسار الحكي عن حياةٍ، ليقول حياةَ حكاية تنتعشُ في أعماق النفس، وبواطنِ الكلمات، واستحضار الزّمن الضائع، كما لوْ أنّ الكتابة هنا، ذاكرة للنسيان، جرحٌ ينطبع في الحنايا ” .
على أنّ حيدر حيدر بما كتب، قدِ اجترح لِجام الإبداع، إلى حدّ بعيد، مما فتح لهُ آفاقا فنية رحبةً وثرية. وقد تقصرُ هذه الآفاق، وترتبكُ أمام منْ يكتفي بملامسة هذا التابو أو ذاك من التابوهات التي تملأُ الحياة اليومية العربية وموروثَها المديد، أمّا عند حيدر حيدر فإنّ الأمر غيرُ الملامسة، بلْ هو “الابداعُ يهتكُ القدسية الزائفة، التي تتغلّل بها تجربة في الحبّ أو الجنس، تجربةٌ حزبية، أو نظام سياسي …”
تطمحُ رواية “الزمن الموحش” إلى كتابة التاريخ الفني، وهو طموح روائيّ لتقديم تاريخ فني، تاريخ غير شخصيّ، لمرحلةٍ أو حزب أو حرب، متوسّلا إلى ذلك بما يُتيحُه الفنّ الروائي من وسائل “ولعلّ بعضَهم لمْ يذهبْ بعيدا حين رأى في الروائيّ المؤرخَ الجديد، أو حين رأى في الرواية، التاريخ غير الرسمي للجنين، أو الأجنة الاجتماعية، لِبَشرِ القاع الاجتماعي المهمّشين، والطامحين، في آنٍ إلى مغادرة الهامش والقاع” .
إنّ روايتنا تأريخٌ حكائيّ لا يخرجُ عنِ العلامات الثلاث التي تستقطبُ المشهد الروائيّ والنقدي العربي، وهي: الواقع والأدلجة، والتخييل.
فالواقع الموضوعيّ في هذه الرواية هي دمشق المدينة التي تختزلُ كلّ الُمدن العربيّة، حيثما وُجدَ المواطنُ العربيّ. ففضاءُ الرّواية شاسعٌ إذن، ومِنَ السّهل تعميمُه لِيمتدّ منْ أقصى الوطن العربي إلى أقصاه.
لا يكتفي البناءُ الفنيّ في الرّواية بأيسرِ الحلولِ الفنيّة وأقصرِها سبلا، بلْ إنّ البناء الفنيّ الحاملَ لمثل هذا الطموح، ينشُد ما هو أبدعَ وأمتعَ، ويردّ ما هو أكتعَ وأبتع. فالحلول المألوفة والمستنفدَة، والتي توثِر التّأريخ على حساب التّخييل، أوْ تؤخّر التّخييل لصالح التأريخ، لم تعدْ تفي بحاجات الكتابة الروائية المغامرة، والكتابة المجدّدة، المفتوحة على تاريخ بهيّ للبشر. وكتابات حيدر حيدر قوية النّسب بذلك كلّه.
فماذا نفعل في هذا الزمن الموحش؟
تشخّصُ رواية “الزمن الموحش” شقاءَ الضّمير العربيّ، وبؤسَه النّازف تحت مُدية التاريخ، مُشكّلة عنفَها الاستعاريّ “عبرَ مجموعةٍ منَ العلاقات المُستوعِبة للقصّة، منْ حيث شغلُها للمادة الحكائية وللخطاب، باعتباره طريقةً للحكي، وكذا للنص في حيازته للِبنية الدلالية، ومنْ ثمّ تتكاثفُ هذه المكوّنات بشكلٍ يُمكّنُها منَ النّهوض بمسؤولية حساسةٍ ومُعقّدةٍ حُيال واقعٍ تاريخيّ، مُثقلٍ بالإحباط والهزيمة” .

مراجع

1 – نبيل سليمان، فتنة السرد والنقد، دار الحوار للنشر والتوزيع ط، 1994، ص 219 .
2 – احمد فرشوخ، حياة النص، دراسات في السرد، دار الثقافة، الدار البيضاء ط 1، 2004 ، ص60.
3 – نبيل سليمان، فتنة السرد، ص 219


الكاتب : عبد الحكيم برنوص

  

بتاريخ : 20/10/2022