في ندوة «أسعار المحروقات وتكرير البترول بالمغرب» .. ضرورة فتح نقاش وطني حول « سامير» واستئناف تشغيلها سيساهم في تخفيض الأسعار

حمل محمد بنموسى الحكومة مسؤولياتها السياسية، داعيا إياها إلى الكف عن التفرج وعن محاولات تضليل الرأي العام في الملف والمضي قدما وبالشجاعة السياسية المطلوبة لاتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لمواجهة التضخم وارتفاع أسعار المحروقات والتصدي للأرباح الفاحشة على غرار ما تقوم به كل دول العالم، والشروع، بدون تردد ولا تماطل، في اقتناء أصول شركة «سامير» المطروحة للتفويت لدى المحكمة التجارية عبر مقاصة الديون التي يمثل فيها المال العام 81% ، أو بتحويل ديون الدولة مع باقي الدائنين إلى مساهمات في رأسمال الشركة.
وسجل محمد بنموسى، الخبير الاقتصادي والعضو السابق في لجنة النموذج التنموي، في ندوة بعنوان «أسعار المحروقات وتكرير البترول بالمغرب» نظمتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، يوم السبت 22 أكتوبر 2022، أن التقرير الأخير لمجلس المنافسة حول أسعار المحروقات تفادى الحديث عن الأسعار الفاحشة والمقارنة بين الأسعار قبل وبعد التحرير، وتناول التراجعات الخطيرة المطروحة في مراجعة قانون مجلس المنافسة وقانون حرية الأسعار والمنافسة ولاسيما توسيع صلاحيات الرئيس الذي يحول دون توسيع النقاش الديمقراطي والمستقل داخل المجلس، وتفادي تعديل المادة المتعلقة بتعيين الأعضاء حيث أن رئيس الحكومة يسيطر على تعيين أكثر من 80% من أعضاء المجلس على خلاف المؤسسات الدستورية الأخرى كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها والهيئة الوطنية لضبط الكهرباء وغيرها.
ودعا بنموسى إلى فتح نقاش وطني وبدون طابوهات في موضوع «سامير» والمحروقات واعتبار المصلحة العليا للمغرب فوق كل المصالح وفوق كل الاعتبارات والمصالح الخاصة والضيقة المرتبطة بالملف داخل المغرب وخارجه.
من جهته سجل الحسين اليماني، منسق الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، استغفال المغاربة من لدن حكومة بنكيران حينما حذفت الدعم وحررت أسعار المحروقات في مطلع 2016، مما فتح الباب أمام الموزعين البتروليين للاغتناء على حساب القوت اليومي للمغاربة ومراكمة أرباح فاحشة (ما فوق المحددة قبل التحرير) ستصل في نهاية 2022 إلى حوالي 50 مليار درهم، مع استمرار الفاعلين في المحروقات في تغيير الأسعار في نفس الوقت وبتفاوتات بسيطة، مع الاستعجال لرفعها حينما ترتفع في السوق الدولية والتماطل في تنزيلها حينما تنخفض في السوق الدولية وتحقيق مردودية مالية تفوق 60٪ حسب الرأي الأخير لمجلس المنافسة .
وأكد على أهمية العودة لتكرير البترول من أجل المساهمة من جهة في تخفيض الأسعار في ظل الارتفاع الكبير لهوامش التكرير وانفصال سوق النفط العام عن سوق المواد الصافية (انفصال ثمن ليتر الغازوال في السوق الدولية بحوالي 4 عن سعر البترول الخام)، ومن جهة في الرفع من المخزون الوطني إلى 60 يوما تحسبا لكل الاحتمالات في ظل الاضطراب العالمي في سوق النفط والغاز.
كما أكد على جاهزية مصفاة المحمدية للعودة للإنتاج بعد الاستصلاح في أجل 8 أشهر وبميزانية تناهز 2 مليار درهم مغربية، مع الإشارة للتصنيف الدولي للمصفاة وقدرتها على تحقيق ربح صافي يقدر ب8 مليار درهم لو كانت المصفاة مستغلة خلال السنة الجارية وبتراكم الأرباح منذ 2016 بقدر 16.5 مليار درهم، أي أكثر من القيمة التي تباع بها المصفاة اليوم من طرف المحكمة التجارية (14.5 مليار درهم للمصفاة دون الشركات الفرعية).
وختم اليماني بالقول إن تخفيض الأسعار الملتهبة للمحروقات وضمان التزويد المنتظم للمغرب، يمر عبر تسقيف أسعار البيع للعموم في حدود متوسط 10 دراهم للغازوال مع تثبيت أسعار الموزعين والدعم من خلال تنزيل الضرائب واسترجاع الأرباح الفاحشة، وعبر الرجوع الفوري لتكرير البترول بمصفاة المحمدية عن طريق كل الصيغ الممكنة ومنها أساسا التفويت للدولة المغربية عبر المقاصة في الديون.
ومن جهته طالب المحلل الاقتصادي محمد جدري، بضرورة مراجعة القوانين المهترئة المنظمة لقطاع البترول والغاز بالمغرب حتى تتماشى مع مقومات تحرير السوق وتحرير الأسعار، إثر انسحاب الدولة من الإنتاج بعد الخوصصة، والعمل على تكسير كل أشكال التركيز والتفاهمات والتشجيع على الاستثمار وتبسيط المساطر للمستثمرين الصغار والكبار، وتطرق لضرورة تخفيض الضرائب المطبقة على المحروقات سواء الضريبة على القيمة المضافة أو الضريبة على الاستهلاك، وتوجيه الدعم المباشر لذوي الدخل الضعيف والمنعدم من أجل مواجهة موجة الغلاء والتضخم، وكذا العمل على الاستئناف العاجل لتكرير البترول بمصفاة المحمدية وبناء مصفاة أخرى بهدف الاستفادة من الفوارق الكبيرة التي يشهدها العالم بين أسعار النفط الخام وأسعار المواد المكررة من الغازوال والبنزين والكيروزين والفيول وغيرها.
واختتم الخبير مداخلته بالتأكيد أن الحكومة مطالبة بالتصدي للمخلفات الاجتماعية الخطيرة لجائحة التضخم التي رمت بأزيد من 3 ملايين مغربي إلى دائرة الفقر والهشاشة، وهو ما يفرض إعطاء المفهوم الحقيقي للدولة الاجتماعية من خلال تكريس أسس العدالة الاجتماعية والعدالة الضريبية وتوطيد مقومات التضامن الوطني بين الفقراء والميسورين.
وفي علاقة بمصير المال العام في مديونية شركة «سامير» والعلاقة المزعومة بين مسطرة التصفية القضائية ومسطرة التحكيم الدولي، أوضح إدريس العمراني، المحامي بهيئة الدار البيضاء والمستشار القانوني للنقابة في الملف الاجتماعي، بأن الحكومة مطالبة بشكل أو بآخر بمساعدة المحكمة التجارية على توفير شروط النجاح لتفويت أصول شركة «سامير» وتشجيع المستثمرين المهتمين بذلك، لأنه السبيل الوحيد لاسترجاع الممكن من المال العام العالق في مديونية الشركة ولا سيما قرض الحيازة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وبدون استمرار شركة «سامير» في تكرير البترول فإن قيمة بيعها لن تكفي حتى لمصاريف تهديمها وتطهير وتأمين الموقع.
وحيث أنه لا علاقة بين مسطرة التصفية ومسطرة التحكيم الدولي، فلا يجوز التذرع بالنزاع المفتوح بين المالك السابق لشركة «سامير» والدولة المغربية، من أجل تحقير الأحكام القضائية الصادرة في المغرب وعرقلة استكمال التصفية القضائية وربطها بنتيجة التحكيم الدولي، الذي تحكمه الحسابات الخاصة لأعضاء مركز التحكيم الدولي، التي لا تعير اهتماما للخسائر الفادحة التي تكبدها المغرب في خوصصة شركة «سامير»، وفي الحرمان من المكاسب الهامة التي كانت توفرها هذه الشركة لفائدة الاقتصاد الوطني، وخصوصا في ظل الزلزال الذي يعرفه عالم البترول والغاز جراء المواجهة المفتوحة بين روسيا وأمريكا على الأراضي الأوربية، والتي لا يمكن التكهن بتطوراتها.
وافتتح الندوة، خالد لهوير العلمي، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بكلمة في الموضوع، وخليهن الكرش، منسق مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل داخل مجلس المستشارين بكلمة ترافعية في موضوع الأسعار الحارقة للمحروقات وملف شركة «سامير»، ومنير بنعزوز، الكاتب العام للنقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل وأشرف على تسييرها، رجاء كساب.


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 25/10/2022