تعرف مجموعة من «مناطق» الدارالبيضاء ، منذ أيام، تفشّيا لرائحة كريهة بعد أن يرخي الليل بسدوله، والتي باتت تقض مضجع الكثيرين وترفع من منسوب صعوبة التنفس عند البعض، خاصة من يعانون من أمراض تنفسية كالربو، مما جعل هذه العينة من المواطنين تلتجئ إلى بخاخات الدواء المختلفة وإلى إغلاق نوافذ منازلها أملا في الحيلولة دون تسرب الرائحة المصحوبة بالمواد التي تؤدي إلى عسر التنفس إلى داخل مساكنهم؟
وضعية تعيشها عدد من الأحياء، خاصة على مستوى عين الشق واسباتة وبن امسيك والفداء مرس السلطان والصخور السوداء وغيرها، وفقا لشهادات العديد من البيضاويين، استمرت لأيام عديدة تاركة الجميع في حيرة من أمرهم ودفعت الكلّ للتساؤل عن مصدر هذا «الضرر الصحي»، في غياب أي جواب رسمي واضح من الجهات المختصة، سواء تعلق الأمر بجماعة الدارالبيضاء أو المديرية الجهوية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية أو غيرهما من المصالح الخارجية الأخرى.
وفي الوقت الذي رجّحت ساكنة درب السلطان، خاصة بلاجيروند ودرب الكبير والنواحي نموذجا، أن يكون السبب هو ما تنفثه مداخن أحد المصانع في المنطقة، المحاذي لطريق أولاد زيان، والتي ينبعث منها دخان أسود كل ليلة، شكله لوحده يبعث على القلق ويطرح علامات استفهام متعددة بشأن التلوث وجودة الهواء وسبل مواجهة كل ما يضر بالصحة العامة، خاصة وأن المعنيين بالأمر يجدون مخلّفاته كل صباح على أسطح البنايات والشرفات وغيرها، رجح عدد من سكان الصخور السوداء والحي المحمدي فرضية مخلّفات سوق الدواجن أو كون تلك الرائحة قادمة من ميناء الدارالبيضاء، بينما رمت غالبية ساكنة المدينة باللائمة على مطرح النفايات بمديونة مؤكدة بأنه الوحيد الذي يسبب أزمة بيئية للمدينة؟
واقع دفع عددا مهما من البيضاويين والبيضاويات إلى اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن معاناتهم وتقاسم تجربتهم في استنشاق الرائحة النتنة قسرا، ولمطالبة المصالح المختصة بتحمل مسؤوليتها وتقديم جواب عن هذه المعضلة، التي لم يكشف مسؤولو جماعة الدارالبيضاء لحدّ الساعة عن حقيقة مصدرها، بالرغم من تشكيل لجنة للبحث والتقصي التي انتقلت إلى مطرح مديونة صباح أول أمس الاثنين. وأكدت اللجنة، وفقا لتصريح مسؤول جماعي، بأن المعطيات الأولية توضح «أنه وخلافا للمتداول، فإن المطرح ليس السبب فيما يقع»، مضيفا بأنه «سيتم تنظيم زيارة أخرى مع تعميق الأبحاث للوصول إلى أصل المشكل». بالمقابل أكدت مصادر «الاتحاد الاشتراكي» أن» سبب تلك الروائح الكريهة التي تغزو سماء الدارالبيضاء، يتمثل في إقدام جهة ما على إحراق أطنان من البطاريات كل ليلة برقعة ترابية مجاورة لمطرح مديونة، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام ويتطلب أجوبة فعلية عن حقيقة الوضع البيئي المتردي في «مدينة المال والأعمال»؟
وفي انتظار الكشف عن أسباب هذه «الأزمة التنفسية» التي تعيشها الدارالبيضاء، وفي ظل استمرار هذا الوضع، يتساءل البيضاويون عن الكيفية التي يتم بها تدبير نفايات مدينتهم، وأسباب استمرار إشكالية مطرح مديونة، ومآلات الأموال التي تم تخصيصها للمطرح الجديد والوعود التي تم الإعلان عنها بشأنه، وعن سرّ حرص مختلف المسؤولين على التعامل مع إشكالات مماثلة بالصمت، سواء على مستوى الجماعة أو الولاية أو غيرهما؟ وفي نفس السياق دعا عدد من المواطنين إلى الانتباه كذلك إلى إشكالية الأراضي العارية التي تحول عدد منها إلى مطارح عشوائية تحتضن كل ما يتم التخلص منه من نفايات وبقايا مختلفة، التي تتواجد في مختلف تراب «المدينة الذكية»، من مولاي رشيد إلى الحي الحسني، مما جعل منسوب الأذى المنتشر في الجو الذي يقتحم الأجسام والمنازل وكل الفضاءات، تتسع رقعته بشكل أكبر. واقع تتسع دائرة الانتقادات بشأنه، وتتواصل تفاصيله المتسببة في العديد من العلل المتطايرة في «سماء الدارالبيضاء»، لتظل بذلك «الشكايات» داخل مواقع التواصل الاجتماعية الآلية الوحيدة للتعبير عن الضرر ونقل صوره وتفاصيله من الواقع إلى الافتراضي؟
الجماعة تبرئ مطرح مديونة مؤقتا و«أصابع الاتهام» تشير لحرق بطاريات بالقرب منه ليلا؟ في وقت تواصل روائح نتنة خنق أنفاس سكان «أحياء بيضاوية» عديدة
الكاتب : وحيد مبارك
بتاريخ : 02/11/2022