في انتظار اعتماد إطار محاسبي موحد للجامعات الرياضية : ضرورة تفعيل الضوابط التي توفرها القوانين لحماية المال العام

كل المراجع القانونية المتعلقة بالرياضة تنص فيما يخص الجامعات الرياضية على ضمان تسييرها الديمقراطي وتنظيم مسك محاسبتها.
ففي سنة 2013 أصدر وزير الشباب والرياضة آنذاك قرارا بمثابة نظام أساسي نموذجي للجامعات الرياضية. هذا الإطار القانوني المرجعي وضع حدا لحالة التشتت، التي كانت تعيشها الجامعات الرياضية، كما سهل على الوزارة الوصية عملية المصادقة على الأنظمة الأساسية لهذه الجامعات بحكم مطابقتها للقرار الوزاري. هذه العملية لم تواكبها عملية مماثلة على مستوى تنظيم مسك المحاسبة. فأصبح اليوم من الضروري وضع إطار موحد لمحاسبة الجامعات الرياضية لتسهيل عملية مسك هذه المحاسبة ولتسهيل عملية المراقبة، سواء كانت داخلية أو خارجية، قبلية أو بعدية.
إن غياب هذا الإطار المرجعي لا يعني تمكين رؤساء الجامعات من حرية اختيار أدوات مسك المحاسبة بطريقة اعتباطية قد يغلب عليها الارتجال والهواية. ففي غياب الإطار المرجعي الموحد للمحاسبة هناك مجموعة من النصوص القانونية والمخططات المحاسبية التي تهم مجال مسك محاسبة الجامعات وتسييرها المالي: قانون الحريات العامة لا سيما الفصل 32 منه، قانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09، النظام الأساسي النموذجي للجامعات الرياضية والنظام الأساسي للجامعة المنبثق عنه، المخطط المحاسبي للجمعيات، القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية، القانون المتعلق بمسؤولية الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين، القانون العام للتوحيد المحاسبي لا سيما في شقه الثاني «المعيار المحاسبي»، قانون المحاسبة العمومية.
وعلى ضوء مقتضيات هذه الترسانة من النصوص يمكن للجامعات مسك محاسبتها وضبط ماليتها بطريقة تجعلها في منأى عن كل التجاوزات والخروقات التي أصبحت اليوم مادة خصبة للصحافة الوطنية.
إن جل الجامعات الرياضية تستمد جزءا كبيرا من ميزانياتها من المنحة التي تمنحها لها الوزارة الوصية والمحولة من الميزانية العامة للدولة. وبهذه الصفة فرئيس الجامعة الرياضية يقوم بتدبير للمال العام، ويعتبر آمرا بالصرف بحكم القانون، حسب المادة 24 من النظام الأساسي النموذجي للجامعات الرياضية: « يأمر بصرف النفقات، وذلك في حدود الميزانية المصادق عليها من طرف الجمع العام».
وعلى مستوى تنفيذ الميزانية فصرف المال العام يخضع لعدة تدابير وإجراءات ترمي إلى حمايته وعدم الالتزام بهذه الضوابط يعرض الآمر بالصرف لعدة عقوبات قد تكتسي في بعض الأحيان الصفة الجنائية، لاسيما حين يتعلق الأمر بتحويل المال العام إلى أغراض شخصية أو ممتلكات خاصة.
ويخضع صرف المال العام كما هو معلوم لثلاثة مراحل: الالتزام، التصفية والأداء. وفي هذه العملية حرص المشرع على تكليف أمين المال بعملية التصفية، ليقوم بالمراقبة المواكبة لصرف المال العام (المادة 26 من النظام الأساسي النموذجي والنظام الأساسي للجامعات الرياضية).
والتصفية ليست مجرد عملية حسابية كما يعتقد البعض، بل هي محطة أساسية يشرف فيها أمين المال على التأكد من صحة عملية الأداء التي سيقوم بها الرئيس من بعد: الوجود المسبق للاعتمادات المفتوحة، تسجيل عملية الأداء في الباب المخصص لها من الميزانية، التأكد من الصفة القانونية للعملية، مثلا أن لا يتجاوز الأداء نقدا المبلغ المسموح به قانونيا. بعد التأشير على وثيقة تثبت صحة العملية وتحديد المبلغ يمكن للرئيس أن يوقع على الأمر بالأداء.
الأمر بالصرف والتصفية عمليتان تخصان صرف المال العام وأول شرط لانطلاقهما هو حصول الآمر بالصرف على إبراء الذمة بالنسبة لصرف الميزانية السابقة، وكل عملية لصرف الميزانية في انعدام هذا الإبراء تصبح باطلة قانونيا.
وفي نفس السياق تعتبر الميزانية المصادق عليها من طرف الجمع العام أو عقدة الأهداف، التي تربط بين الجامعة الرياضية بالوزارة الوصية، عند وجودها، قاعدة قانونية لأي عملية لصرف المال العام.
كما أن قيام أمين المال بمهامه يقتضي اطلاعه وتوفره على نسخة من الميزانية أي عقدة الأهداف، حتى يكون على علم بالاعتمادات المرصودة في كل باب أو المبالغ المتبقية في هذا الشأن، إن تم صرف جزء منها سابقا، وهل المبلغ المتبقي كاف لتغطية المصاريف المزمع أداؤها. وإذا كان من اللازم تحويل جزء من باب آخر للميزانية لتغطية العجز، وجب التأكد من وجود مصادقة مسبقة للوزارة الوصية على التحويل.
إن المخطط المحاسبي للجمعيات ينص على الإلزامية القانونية بإرجاع المبالغ التي تم صرفها بدون مصادقة قبلية إلى الوزارة. وفي هذا الصدد تمت الإشارة إلى ذلك ضمن الخروقات التي رصدها مكتب الافتحاص المعتمد من طرف الوزارة سنة 2018 بالنسبة لبعض الجامعات الرياضية. كما أن نفس المخطط الخاص بالجمعيات يعتمد طريقة محاسبة الالتزام، والتي تقتضي ضرورة تسجيل كل القيود المحاسبية عند تاريخ حدوث العملية المتعلقة بها وعند تاريخ نهاية هذه العملية. نفس الشيء ينص عليه مبدأ الوضوح من بين المبادئ السبعة للمعيار المحاسبي بالنسبة لكل الهيئات الملزمة بمسك المحاسبة، سواء كانت عمومية أو خاصة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.92.38 بتاريخ 25 دجنبر 1992. وعدم احترام هذا الالتزام القانوني ينتج عنه في كثير من الأحيان عدم تسجيل الديون عند حدوثها وانتظار تاريخ تسديدها للقيام بذلك، وقد يتم اللجوء في بعض الحالات إلى تسجيلها في خانة الملاحظات للتقرير المالي بطريقة غامضة، وهو ما يتناقض مع المبدأ القانوني للوضوح.
ولمزيد من الاحتياط قصد تحقيق مبدأ الوضوح فإن النظام الأساسي النموذجي للجامعات الرياضية بدوره ينص في مادته 24، المتعلقة باختصاصات الرئيس، على ضرورة الاقتراض عند الحاجة باللجوء فقط إلى المؤسسات البنكية نظرا لأن هذا يمكن من الوقوف على متابعة تسلسل عملية الاقتراض ومعرفة مصدرها.
وفي كثير من الحالات نجد أن أمين مال بعض الجامعات الرياضية لا علم له بعقدة الأهداف، وهذا من بين أسباب صرف مبالغ مهمة للميزانية خارج كل الضوابط القانونية والمحاسبية، والتي قد تؤدى إلى اعتماد صرف الميزانية بطرق خارج ما يسمح به القانون ويعرض رؤساء الجامعات الرياضية إلى احتمال المساءلة القضائية.
علاوة على ما سبق فتحصين مالية الجامعات الرياضية لن يتأتى إلا بإرساء وتقوية كل الآليات التي تمكن من توفير أدوات و مساطر الافتحاص الذاتي أو الافتحاص الداخلي: تخصيص اجتماعين للمكتب المديري لمناقشة الميزانية التقديرية ثم التقرير المالي قبل طرحهما على الجمع العام للمناقشة والمصادقة، تمكين المكتب المديري من الاطلاع على نسخة من عقدة الأهداف، اجتماع اللجنة المالية بهاتين المناسبتين، تمكين الجمع العام من عقدة الأهداف عند مناقشة التقرير المالي من أجل الوقوف على نسبة إنجاز الأهداف المحددة.
كل هذه الآليات مغيبة في بعض الجامعات، حيث لا يمارس الجمع العام العادي أحد أهم اختصاصاته المتعلقة بمناقشة الميزانية التقديرية، ما يعتبر في حد ذاته خرقا قانونيا للمادة 16 من النظام الأساسي النموذجي للجامعات الرياضية المتعلقة باختصاصات الجمع العام. كما أن إخفاء عقدة الأهداف يفضي إلى جهل رؤساء الجمعيات الأعضاء بمآل صرف كثير من المبالغ المرصودة في الميزانية. الاطلاع على هذه العقدة ومقارنتها بالتقرير المالي بمناسبة انعقاد الجمع العام العادي يقود غالبا في مثل هذه الحالات إلى الوقوف على حقائق صادمة، وذلك ما تأتى لمكتب الافتحاص المعتمد من طرف الوزارة الوصية سنة 2018، بعد أن قام بهذه المقارنة.
إن تحصين المال العام يرتكز من جهة أخرى على اعتماد مبدأ المنافسة لاقتناء المواد أو الاستفادة من بعض الخدمات. وضدا على هذا المبدأ المفروض في عمليات صرف المال العام، يتم اللجوء في كثير من الجامعات إلى الاتفاق المباشر والتعامل الدائم مع نفس الممونين. عند صعوبة اللجوء إلى طلبات العروض أو المناقصة، لسبب من الأسباب يمكن استعمال آلية بسيطة وغير مكلفة: عروض الأسعار المتناقضة، ثلاثة على الأقل، للحفاظ على مبدأ المنافسة. هذا لا يتم حين يتغلب منطق الزبونية والبحث عن الاستفادة من عمولات غير مشروعة.
وفي الأخير فلا يمكن ضبط وتنظيم المحاسبة دون توفير الأدوات والوسائل والمساطر المتعلقة بذلك: الدفتر اليومي، الدفتر العام، وموازين المراجعة، وهي من الأدوات المحاسباتية البسيطة، اعتماد دليل للإجراءات المحاسبية وهو عبارة عن كراسة مرجعية تخص العمليات المحاسبية: كيفية تسجيلها، نوعية الوثائق المصاحبة، كيفية مسك الدفاتر المحاسبية، إعداد القوائم التركيبية المحاسبية. بعض الجامعات الرياضية لا تتوفر حتى على كراسة للصندوق لضبط المداخيل والمصاريف بطريقة مبسطة.
وفي انتظار اعتماد إطار محاسبي موحد للجامعات فتفعيل كل الآليات والضوابط التي توفرها القوانين المنظمة هو وحده الكفيل بحماية المال العام من كل تدبير منحرف ويبقى القضاء، في جميع الأحوال، الملاذ الأخير لتقويم الوضع عند الاقتضاء ووضع حد لأي ممارسة منافية للقوانين.

* أستاذ باحث متقاعد


الكاتب : محمد لامطي *

  

بتاريخ : 03/11/2022