ناقشوا العلاقة بين الثقافة والإعلام ووقفوا على عناصر الأزمة: ياسين عدنان: نحن في مجتمع يفرغ من المعنى يوما بعد يوم

حياة الدرعي: المثقف المغربي لم يستطع بناء خط ثالث بعيد عن الأحزاب وعن الظل
عبد الوهاب العلالي: هل هناك وعي في وسائل الإعلام بالثقافة كقوة ناعمة للتغيير
محمد جليد: المضامين الثقافية في الإعلام شكلت محركا للنقاش العمومي في المغرب

 

دكتاتورية نسبة المشاهدة

في واقع تراجع فيه الإعلام الثقافي لصالح الصوت والصورة، وفي ظل ركود صناعة الكتاب عربيا ومغربيا، يرى الإعلامي والروائي ياسين عدنان ومعد ومقدم برامج «مشارف» على القناة الأولى و»بيت ياسين» على قناة الغد، أن المراهنة على التلفزيون للترويج للكتاب، تبقى ضعيفة في الواقع وغير مضمونة، لافتا الى أنه رغم كل هذه الإكراهات والإحباطات، فإن التماس الوحيد لدى البعض، مع الكتاب يتم عبر هذه الحوامل الإعلامية التي قد تختزل المعرفة بالثقافة في مجرد الإخبار كما قد تنفذ، وإن في حالات قليلة، الى جوهر القضايا والإشكالات الثقافية التي تطرحها التحولات المجتمعية ، إذا كان الإعلامي يقظا وذكيا واستطاع الإفلات من النمطية التي تحنط المنتوج الثقافي من خلال ترشيق اللغة والإعداد الجيد والتجديد مادامت الفضاءات التي تقدم فيها الثقافة، إعلاميا، تخاصم الثقافة على مستوى الإنتاج، وتخضع برمجتها لدفاتر تحملات مجحف يركز على نسب المشاهدة لإعطائها الأولوية. وتساءل عدنان ياسين عن مآل التنمية التي يُروَّج لها من باب الثقافة في ظل هذه الشروط وفي مجتمع يُفرَغ من المعنى يوما بعد يوم.
سؤال المآل هذا ليس سؤالا مغربيا بحتا، وإنما تشترك في الانشغال به كل الفعاليات الإعلامية التي تشتغل على المادة الثقافية بالوطن العربي والمغاربي، وهو ما وقف عليه الإعلامي التونسي مالك التريكي الذي أعد برامج ثقافية ناجحة بكل من قناة الجزيرة «مسارات»وبقناة «العربي»: «فسحة فكر» والذي اعتبر أن أفق الحضور الثقافي إعلاميا، كان واسعا في تونس بورقيبة لكن هذا الهامش اليوم أصبح ضيقا وتقلص، متسائلا بنوع من المرارة : هل من الممكن اليوم الحديث عن إمكانية تطوير الحضور الثقافي في الإعلام وكل البوادر تؤكد أن هذا الهامش الضئيل والضيق اليوم أصبح يؤول الى الزوال، وهو مصير كما يرى التريكي بدأت ملامحه في الظهور في بداية التسعينات مع ظهور الفضائيات والتي طورت الأداء التلفزيوني في مجال واحد هو الأخبار التي استحوذت على كامل البرمجة. ونفى التريكي في هذا الصدد، أية علاقة تلازم بين الظاهرة التلفزيونية (الفضائيات) وبين الإنتاج الثقافي سواء في البلدان العربية أو الغربية، ليخلص الى خلاصة هامة مفادها أن البلدان التي يتوفر المثقف فيعه على وضع اعتباري هي التي تزدهر فيها البرامج الثقافية ،وهي البلدان التي لا يزال المثقف فيها فاعلا كدور اجتماعي مقدما أمثلة بفرنسا وإيطاليا وألمانيا.

مضامين الثقافة
في الإعلام

ماهي المضامين الثقافية التي تسعى الحوامل الإعلامية المغربية الى تبليغها للقارئ والمشاهد والمستمع؟ وهل تعبر فعلا عن التحولات الثقافية والاجتماعية التي تعتمل في الواقع الفعلي؟
يميز الإعلامي والمترجم والأستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بأزيلال، وهو يقارب العلاقة بين الثقافة والإعلام من زاوية المضمون، بين المواكبة اليومية للحدث الثقافي في شقها الخبري وبين المضامين ذات الحمولة الفكرية والسجالية عن طريق طرح الأفكار والتصورات والآراء التي أثارت نقاشات ساخنة كقضايا اللغة والدين والحريات الفردية والمرأة والهوية، أي ما تمليه اللحظة التاريخية من انتقالات وتحولات اجتماعية وثقافية وقيمية، رغم إقراره بأن هذه المضامين بشقيها الإخباري والفكري شكلت محركا للنقاش العمومي في السنوات العشرين الأخيرة خاصة بعد دستور 2011 .
ان الوقوف على مضامين المادة الثقافية في الإعلام المغربي يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت الثقافة اليوم لاتزال تعبر عن أبعادها النخبوبة القديمة وتؤدي وظائفها التنويرية وتشكل الوعي، أم أنها أصبحت ثقافة سائلة، لا تتجاوز أدوراها حدود الإغراء الحريص على خلق الحاجة الى الاستهلاك كباقي السلع، وهذا السؤال يجد مشروعيته في غزو العوالم الافتراضية الكاسح والحوامل الرقمية الجديدة التي حجَّمت مساحة وأدوار الإعلام التقليدي لصالح ما يسمى اليوم بالإعلام الجماهيري.
تحجيم دور الإعلام التقليدي هذا كانت له تداعيات سليبة على حضور المثقف داخل المشهد الإعلامي، كما ترى مديرة مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية والباحثة في التواصل السياسي، حياة الدرعي، إذ أن دخول المثقف المغربي الى المجال الإعلامي العمومي كان متأخرا بالمقارنة مع حضور الفقيه وهو ما جعل المقدس حاضرا ومتجذرا ومهيمنا. هذا التأخر تعزوه الدرعي إلى ارتهان المثقف لمدة ليست باليسيرة للسياسي، وارتباطه بالكتابة أساسا وعدم انفتاحه على التلفزيون الذي كان يرى فيه تماهيا مع مؤسسة «المخزن» ودخولا في عباءة السلطة، وهو ما عمق التباعد بينه وبين وسائل الإعلام العمومية. تباعد لم يستطع المثقف تجسيره بعد فك ارتباطاته بالسياسي، ولم يستطع بناء خط ثالث بعيد عن الأحزاب والظل، وهو ما خلق فراغا على الساحة الثقافية اليوم نعيش تبعاته، وهو الفراغ الذي يجب ملؤه عبر إيجاد ممرات للفعل تستغل كل الإمكانات المتاحة وتبسط المعرفة.
باقي المداخلات ركزت في مجملها على دور الإعلام الجديد في إحداث نقلة نوعية تنقلنا من الحديث عن الثقافة الى الحديث عن الصناعات الثقافية وصولا الى التشبيك الثقافي، كما شددت على ملحاحية التوفر على استراتيجيات للتفكير في قضايا الثقافة، وهي استراتيجيات، كما يرى منسق ماستر التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال محمد عبد الوهاب العلالي، تضع الثقافة في صلب العملية التنموية وتستجيب لمخرجات النموذج التنموي الجديد على قلتها في هذا الباب، متسائلا في ما يشبه الاستنكار: هل هناك وعي بأدوار الثقافة تربويا وتوعويا في وسائل الإعلام، وهل هناك إيمان فعلي بأنها يمكن أن تتحول إلى قوى ناعمة وآليات تغيير لمعالجة القضايا الكبرى للمجتمعات؟
اليوم الدراسي شكل مناسبة لعرض مضامين كتاب» المثقف والتلفزيون: عن الهوامش الثقافية والفكرية في الفضائيات العربية» والذي ساهم فيه عدد من الإعلاميين المغاربة والعرب، وشهد لحظة اعتراف وتكريم لروح المرحوم الاستاذ حسن السوسي الذي ساهم في الكتاب قبل أن يخطفه فيروس كورونا.


بتاريخ : 07/11/2022