خطاب المسيرة:من الحكم الذاتي إلى المسار التنموي

نوفل البعمري

يُخلد المغرب الذكرى 47 للمسيرة الخضراء في أجواء من الحماس الوطني الذي أعاد استلهام روح الحدث في مختلف أبعاده التاريخية، الوطنية والسياسية، وهي الأبعاد التي تجسد قدرة المغرب على إدارة ملف الصحراء بحرفية عالية مكنته من ترسيخ سيادته على هذه الأقاليم والحفاظ على روح المسيرة، وهي الروح التي تجسدت في مضمون الخطاب الملكي المُخلد للذكرى.
بالعودة للخطاب فإنه لا يمكن التطرق إليه بدون استطلاع مختلف الجوانب المحيطة بالظرفية التي أُلقي فيها، وهو ما يستدعي تحليل الحدث والخطاب من خلال ما يلي:

سياق خطاب المسيرة ارتباطا
بالمسار السياسي

الخطاب الملكي للمسيرة الخضراء لهذه السنة يأتي في سياق عدة أحداث إقليمية وأممية مرتبطة بملف الصحراء، وهي الأحداث التي تؤسس للقول بأن العملية السياسية قد رسمت مسيرتها نحو تبني مبادرة الحكم الذاتي والانتصار للسيادة المغربية على كامل التراب الوطني، والتي أصبحت محط إجماع عربي ودولي.
فخطاب المسيرة جاء بعد أسبوع من القرار الأممي 2654 الصادر عن مجلس الأمن، وهو القرار الذي شكل نقلة نوعية في مسار الملف بالأمم المتحدة من حيث تأكيده على الثوابت، التي سينطلق منها ستافان دي ميستورا كمبعوث أممي للمنطقة، وهي ثوابت رسخت روح النقاء المغربية وجعلتها هي المقترح الوحيد الجدير بالاعتبار، وبمقاربته من الأمم المتحدة كمقترح جدي، ذي مصداقية ومستجيب لميثاق الأمم المتحدة وللمعايير التي وضعتها لطي الملف، وهي المعايير التي تبنت المقترح المغربي خاصة وأن هذا القرار قد عمد إلى طي صفحة «استفتاء تقرير المصير» إلى غير رجعة وجعل من الحكم الذاتي الأساس السياسي لطي الملف.
لذلك فالخطاب اليوم يأتي وهو مستند إلى قرار أممي واضح، يعزز من مكانة المغرب وحضوره ليس فقط في الأقاليم الصحراوية الجنوبية بل في إفريقيا، ويجعل من كل الطروحات الانفصالية طروحات بائدة، هذا التوجه الأممي تعزز في القمة العربية التي انتهت إلى الانتصار لمبدأ وحدة الدول واحترام سيادتها الكاملة على كامل ترابها، وإدانة التدخلات الأجنبية في الدول ليكون بذلك المغرب قد خرج منتصرا ومستصدرا لمواقف داعمة لوحدته الترابية من قمة انعقدت في قلب الجزائر، الدولة الحاضنة للبوليساريو.
لذلك فسياق خطاب هذه السنة، سياق دولي وإقليمي يقوي وينتصر للمغرب، لوحدته الترابية، لسيادته الكاملة على ترابه، وينتصر للمبادرة المغربية، مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في ظل تقديم بيتر فإن والسوم سنة 2007 لاستقالته من مهمته كمبعوث أممي بسبب استحالة تنظيم الاستفتاء ليفسح المجال للمغرب لتقديم مقترحه للأمم المتحدة ويتحول من مقترح ثالث إلى بديل عن كل المقترحات التي كانت الأمم المتحدة تتناولها.

خطاب المسيرة والمسار التنموي
في المنطقة

خطاب المسيرة الخضراء كان لافتا في مقدمته أنه أشار إلى ارتباط الملف بمختلف مساراته من السياسي إلى التنموي، وهو ما فرض على المغرب أن يعالجه من مختلف أبعاده بما فيها البعد الاقتصادي والتنموي ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لساكنة الأقاليم الجنوبية، التي تستفيد من استثمارات الدولة المغربية المهمة التي رصدتها للمنطقة لتنميتها ودعم بنيتها التحتية، بحيث أشار الخطاب الملكي إلى رصد المغرب» 77 مليار درهم بهدف إطلاق دينامية اقتصادية واجتماعية حقيقية، وخلق فرص الشغل والاستثمار، وتمكينها من البنية التحتية والمرافق الضرورية»، وهي المشاريع التي مكنت المنطقة من الخروج من حالتها التي تركها عليها الاستعمار الإسباني كصحراء قاحلة إلى صحراء تشهد تدشين مشاريع كبرى ومهمة، وهي المشاريع التي أشار إليها الخطاب الملكي» الطريق السريع تيزنيت-الداخلة الذي بلغ مراحله الأخيرة، وربط المنطقة بشبكة الكهرباء الوطنية، إضافة إلى توسيع شبكة الاتصال»، أضف لها مشاريع «محطات الطاقة الشمسية والريحية».
إن المشاريع التي تم إطلاقها لا ترتبط فقط بتنمية المنطقة والنهوض بها، بل بجعلها قطب الرحى في إفريقيا، تكون الصحراء هي قلبها النابض الذي يربط الشمال بالجنوب بمشاريع تنموية تُحدث نقلة نوعية في المنطقة ككل خاصة مع الإعلان الرسمي عن مشروع الغاز نيجيريا – المغرب، الذي يعد من أكبر المشاريع الطموحة بالمنطقة التي ستحقق قفزة اقتصادية كبيرة تعزز من الحضور الإفريقي ضمن الدول المصدرة للغاز لتعوض الخصاص الموجود حالياً، وهو المشروع الذي يريده جلالة الملك أن يكون استراتيجيا ليس فقط للمغرب ونيجيريا بل « استراتيجيا لغرب إفريقيا كلها» باعتباره مشروعاً « من أجل السلام والاندماج الاقتصادي الإفريقي، والتنمية المشتركة، مشروع من أجل الحاضر والأجيال القادمة»، ليكون الخطاب الملكي قد أطر هذا المشروع ومختلف المشاريع التنموية التي ستشهدها المنطقة ببعد إفريقي تستفيد منه كل شعوب المنطقة.
خاتمة: خطاب المسيرة الخضراء لهذه السنة يؤشر إلى انتقال الملف من مستوى الصراع السياسي، الذي تم حسمه لصالح مبادرة الحكم الذاتي، إلى مستوى آخر من مستويات هذا الملف تكون التنمية في قلبها، ويكون الإنسان ليس فقط في الصحراء بل في إفريقيا هو المبتغى والهدف لتحقيق الإقلاع الذي ظل يطمح إليه ملك البلاد.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 08/11/2022