قمة المناخ (COP 27): بعد 7 سنوات من قمة باريس، هل على القارة السمراء انتظار «تحقيق» بعض من وعود قادة العالم؟

 

في الوقت الذي يجتمع العالم في إفريقيا (شرم الشيخ، مصر) لحضور «مؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين للأطراف في تغير المناخ « (COP27)، نرى أن الوقت قد حان لل»اعتراف» بدور إفريقيا في تجنب كارثة مناخية عالمية دون المساس بنمو القارة ومن أجل الحد من الفقر المرتبط بالتغيرات المناخية. تعقد الدورة ال27 لقمة مؤتمر الأطراف هذه المرة في «شرم الشيخ» (منتجع على البحر الأحمر، في رمزية مهمة حول المناخ)، حيث يجتمع في المؤتمر السنوي خلفاء قادة الدول الذين وقعوا (قبل 30 عاما) على «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» (UNFCCC)، وهي معاهدة بيئية تتعامل مع تغير المناخ، عقد مؤتمرها الأول (COP1) في برلين عام 1995، وإلى الآن مرت 7 سنوات منذ توقيع «اتفاقية باريس» في (COP21).
وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فإن «اتفاقية باريس» تعتبر معاهدة دولية ملزمة قانونا بشأن تغير المناخ، اعتمدها 196 طرفا في نسخة باريس (12 دجنبر 2015)، ودخلت حيز التنفيذ في (4 نونبر 2016) ليكون هدفها «الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 2 أو 1.5 درجة مئوية»، في ما يعتبر بـ»الاتفاق التاريخي»، الذي يتعين بموجبه على كل بلد أن يقدم تعهداته الخاصة بشأن خفض الانبعاثات الملوثة وتطبيق تدابير التكيف. والآن، مع اقتراب موعد بداية النسخة 27، سيجتمع ما يقرب من 200 بلد كما عهدوا كل عام لـ»مناقشة كيفية التصدي المشترك لأزمة المناخ وآثارها على الكوكب»، باعتبار أن هذه القمة الأممية تعد منصة مهمة لقادة العالم والخبراء والمفاوضين والشركات والمراقبين والمنظمات الدولية والمجتمعات المدنية ووسائل الإعلام لحضور مناقشات أساسية حول أزمة المناخ وتسريع الجهود العالمية للتصدي لها.
كان آخر مؤتمر للأطراف استضافته إفريقيا، النسخة «22 « في المغرب عام 2016، وعلى غرار النسخة المغربية توصف «COP27» بـ»مؤتمر الأطراف الإفريقي» بسبب مكان احتضانه والتوقعات أن يكون تعرض البلدان الإفريقية لبعض أشد آثار تغير المناخ بارزا في المناقشات، لما تواجهه إفريقيا من أضرار جانبية هائلة، مما يشكل مخاطر على اقتصاداتها و واستثماراتها في البنيات الأساسية من قبيل نظم : المياه، الغذاء، الصحة العامة، الزراعة، سبل العيش، مما يهدد بتراجع مكاسبها الإنمائية المتواضعة و»الانزلاق صوب مستويات أعلى من الفقر المدقع».
تعقد النسخة 27 من القمة على مدار أسبوعين (من 6 إلى 18 نونبر)، إذ سيبدأ المؤتمر بقمة تستمر ليومين لقادة العالم تليها مفاوضات حول عدد من القضايا المهمة بما في ذلك «التمويل المالي»، «خفض انبعاثات الكربون»، «التكيف المناخي»، «الزراعة».. كما سيتم تسليط الضوء على «التنوع الاجتماعي»، «المياه» و»التنوع البيولوجي».
إن درجة حرارة إفريقيا ترتفع (x2) أسرع من بقية العالم، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لحل مشكلة تصاعدت على مدى العقد الماضي، وتنعكس على مجالات حيوية على غرار «الزراعة» والتحدي الهائل المتمثل في «إطعام الملايين من الناس» و»التصدي للأحداث المناخية المتطرفة» مثل : موجات الحر، الأعاصير، الحرائق، الجفاف، الفيضانات، غزوات الجراد الصحراوي (تحدث بشكل أكثر تواترا وبدرجة أكبر) وتدفع الملايين نحو الجوع والفقر بيد أن معظم ساكنة إفريقيا تعتمد اعتمادا مباشرا على البيئة الطبيعية للبقاء على قيد الحياة وضمان سبل عيش تحترمهم وليس لديهم ما يمكنهم من التكيف مع تغيرات المناخ المتعاقبة التي تحرك الجوع في العالم.

ما الذي تعنيه قمة (COP27) بالنسبة لإفريقيا؟

سيكون أول اختبار «حقيقي» وكبير لمؤتمر المناخ القادم، التأكد من قدرة دول العالم على التعهد بالتزاماتها وكلامها المعسول بخفض الانبعاثات الدفيئة، كما يظهر أحدث تقرير لل»فريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ» (IPCC)أن : «العالم يسير بشكل متسارع أكثر من أي وقت مضى نحو عتبة «1.5 درجة مئوية» من الاحترار العالمي، ومن لدن أكبر الجهات المسببة لانبعاثات الكربون، وهي : «الصين»، «الولايات المتحدة»، «الهند»، «روسيا» و»اليابان» مقارنة بدول إفريقيا (مجتمعة) بنسبة 3٪ فقط من انبعاثات الغازات الدفيئة، حتى مع توفرها على منطقة «غابات حوض الكونغو» (في المرتبة الثانية بعد الأمازون) الحيوية لامتصاص انبعاثات الكربون العالمية من قارات أخرى، وفقا لتقارير «بروكينز أفريكا إن فوكوس» (Brookings Africa in Focus).
ونتيجة لتوالي الكوارث المناخية في عام 2022، لم يكن لدى المجتمع الدولي سوى مساحة صغيرة للاستجابة، حيث تسلط الأضواء مرة أخرى على التحديات الهائلة التي تواجهها إفريقيا في التصدي لتغيرات المناخ، وكذلك على الفرص التي قد تخلقها… يقول «أكينوومي أ. أديسينا»، رئيس بنك التنمية الإفريقي، لموقع «دويتشه فيله» (DW) إن: «إفريقيا لم تتأثر فقط بتغير المناخ، بل باتت «منزعجة» منه، بيد أن الدول الإفريقية تولد أقل من 3٪ من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، لكنها تعاني من «طوفان من المشاكل»… إن إفريقيا تخسر في معركتها ضد تغيرات المناخ ما بين 7 و15 مليار دولار أمريكي سنويا نتيجة لتغير المناخ».
«كانت إحدى خيبات الأمل الرئيسية للبلدان النامية في نسخة COP 26، عدم «إحراز تقدم في التمويل الذي من شأنه تسريع المساعدات المالية من البلدان المتقدمة لمكافحة الأضرار الدائمة التي لا رجعة فيها الناجمة عن تغير المناخ»، في حين أن «ميثاق غلاسكو للمناخ»، اعترف بالحاجة إلى معالجة هذه الخسارة والضرر. قال «أديسينا»، إن: «9 من أصل 10 دول الأكثر عرضة لتغير المناخ تقع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وإن هذه الدول تحتاج إلى حوالي 600 مليار دولار حتى عام 2030 (أي حوالي 60 مليار دولار/سنويا). ومع ذلك، فإنها تتلقى فقط ما يقرب من 18 مليار دولار/سنويا».
لا تزال القارة السمراء مهددة بخطر «انعدام الأمن الغذائي». في الآونة الأخيرة، تعرضت «نيجيريا» لفيضانات كارثية شردت الملايين ودمرت قرابة 200 ألف منزل وأدت إلى نزوح أكثر من 1.3 مليون شخص وأثرت في 33 من أصل 36 ولاية في «نيجيريا»، حيث أدى «العنف» خاصة في المنطقة الشمالية المضطربة إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص وفقا لـ»مركز رصد النزوح الداخلي»، وذكر «برنامج الأغذية العالمي» و»منظمة الأغذية والزراعة» التابعين لـ»لأمم المتحدة» الشهر الماضي أن: «نيجيريا من بين 6 دول تواجه خطر الجوع». في أبريل 2022، أدت الفيضانات الهائلة إلى نزوح وتدمير سبل عيش مئات الآلاف من الأشخاص في «كوازولو ناتال» في «جنوب إفريقيا» ومقتل 489 شخصا، أما في عام 2018، أثرت الأعاصير المدمرة على 2.2 مليون شخص في «ملاوي» و»موزمبيق» و»زيمبابوي».
كانت جائحة كوفيد-19 بمثابة «جرس إنذار» لتأثير الوباء على حياة الملايين من الناس، وكذلك على البيئة. ووفقا للـ»مفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، فإن «تغير المناخ يجعل فرصة وقوع كوارث خلال جائحة كوفيد-19 أكثر احتمالا، وتأثيرها أكثر حدة على النازحين»، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية أنه بين عامي 2030 – 2050، سيتسبب تغير المناخ في حوالي 250 ألف حالة وفاة إضافية/سنويا بسبب «سوء التغذية» و»الملاريا»… كما أن «تغير المناخ» و«فقدان التنوع البيولوجي» يزيدان من خطر «الأوبئة» في المستقبل، من خلال تعريض النظم الإيكولوجية في العالم للخطر، كما كشفت الجائحة عن أوجه عدم المساواة المنهجية بين البلدان الغنية والبلدان النامية.

تأثير تغير المناخ في إفريقيا على التزود بالطاقة (خصوصا الكهرباء)!

ستكون أزمة الطاقة في إفريقيا، على رأس جدول الأعمال في اجتماع قمة المناخ الـ27، حيث يطالب مفاوضو القارة الدول الغنية «الالتزام بتعهداتها بشأن تمويل المناخ»، لكون ما لا يقل عن 600 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى محرومين من «الكهرباء»، وما يقرب من 1 مليار شخص لا يحصلون على حاجتهم من «الطاقة النظيفة».
من أجل تقليل الفجوة في الحصول على الطاقة إلى الحد الأدنى، يجب على البلدان الإفريقية أن تعتمد مجموعة متنوعة من «مصادر الطاقة» مع التخلص التدريجي من النفط والفحم في الوقت نفسه. سيتطلب التحول المنشود تمويلا إنمائيا لمشاريع الطاقة الحرارية الأرضية والمتجددة، ولما تنعم به القارة من إمكانات هائلة لتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومع ذلك، يمثل تغير المناخ «تهديدا كبيرا» لتحقيق إفريقيا لأهداف التنمية المستدامة، إن «التحول العالمي إلى الطاقة المتجددة سيعني زيادة إنتاج البطاريات والمركبات الكهربائية وغيرها من أنظمة الطاقة المتجددة بشكل كبير، تتطلب موارد معدنية توجد في إفريقيا». على سبيل المثال، لدى جمهورية «الكونغو» الديمقراطية 70% من الكوبالت في العالم (المعدن الحيوي لإنتاج البطاريات) الذي سيتضاعف الطلب عليه بحلول عام 2030. وعلى النقيض من ذلك، فإن 84 مليون شخص (80 ٪ من إجمالي السكان) في «جمهورية الكونغو الديمقراطية» لا يزالون يفتقرون إلى الطاقة الكهربائية في عام 2030».
خيبات الأمل تتوالى أيضا، حيث تحتاج إفريقيا إلى استثمارات تزيد عن 3 تريليون دولار من أجل «التخفيف والتكيف» بحلول عام 2030 وتنفيذ المساهمات المحددة وطنيا، وعدم إحراز تقدم بشأن تسريع المساعدات المالية المقدمة من البلدان المتقدمة، ما نتج عنه اتهام الدول النامية للغنية بتجنب «المحادثات الموضوعية حول هدف تمويل جماعي جديد لمساعدتها على مواجهة تغير المناخ اعتبارا من عام 2025».
ذهبت الدول الإفريقية في النسخة 26، لتطلب حوالي 1.3 تريليون دولار أمريكي، وإن التصدي لتغير المناخ سيخلق فرصا كبيرة في السوق، لا سيما للقطاع الخاص والمؤسسات الاستثمارية، لذلك يجب على COP27 أن تقدم الدعم للبلدان النامية التي تتعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مع مطالبة الناشطين للدول الأكثر ثراء بتحمل المسؤولية عن تغير المناخ وبذل المزيد من الجهد لمساعدة البلدان النامية (الإفريقية).


الكاتب : إعداد وترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 09/11/2022