«جزيرة البكاء الطويل» أسماء متعددة وحزن واحد

على هامش
جزيرة البكاء

يخبئ حزنه داخل قصيدة ككل مرة، لكن المختلف هذه المرة هو دخوله عالم الرواية الممتد. فالحياة قضت أن يكون للإنسان حاجة ملحة تجعله يحس بوجوده داخل هذا الفضاء المتسع. ولعل الحاجة إلى السرد ضرورة فرضها تكوين الإنسان .فمنذ القدم والعرب تفتخر بكل من يحمل القلم ويكتب حيث يعتبر الناطق الرسمي في السلم والحرب . فرغم الانشغالات الإنسانية التي فرضتها الحياة يظل الإنسان بداخله صوت سردي يعبر عن ما يخالج جوانيته.
إن جوهر التحدي الذي يرافق الإنسان منذ الأزل هو الكتابة والتأريخ عن طبيعة العلاقة بينه وبين الأشياء المحيطة به، منذ بزوغ فجر الإنسانية فالعلاقة القائمة بين أمور عدة هي علاقة اكتشاف للحقائق ودائما الإنسان يسعى لذلك بشتى الطرق ويحاول تفسير ذلك وسرده في أشكال مختلفة، ولعل الرواية من أهم الفنون الأدبية التي انتشرت في الآونة الأخيرة .
عن دار المتوسط للطباعة والنشر والتوزيع ، صدرت للمبدع عبد الرحيم الخصار رواية موسومة ب»جزيرة البكاء الطويل»تتألف من 142 صفحة من الحجم المتوسط ، ويتوسط الغلاف الأنيق صورة لشخص له ملامح سواء ويضع قبعة حمراء ويحمل سيفا بين إبطيه ، ويأتي العنوان بشكل مضغوط بلون أبيض فوق غلاف الكتاب، ونجد اسم الكاتب بين العنوان ونوعية الجنس الأدبي .
تتألف الرواية من فصول تختلف من حيث عنوان كل فصل، وما يلاحظ من خلال قراءتنا لجلها أنها تتخذ أسماء ومنها : استيفانيكو، أماريس ، دورانتيس، كابيزا دي فاكا، حدو ، مصطفى …

رواية عن الحزن والبكاء ..

جزيرة البكاء الطويل، حكاية بطلها مصطفى الزموري في كل مرة يتقمص دورا داخل الرواية ، عبد حرم من الحرية كان مصيره سوق النخاسة، حيث الفرح والحزن والألم ، نص روائي يحكي عن الخيبة والهزيمة التي يعيشها مصطفى الزموري في مغامرات مختلفة بدأت عند بيعه من طرف أبيه حدو ، بدأ مصطفى معطوبا في مغامراته وتذبذبت قيمه وأفكاره مند خروجه من قريته . يقتحم الكاتب حياة شخصية مصطفى ، ويصفها بشكل دقيق وباهتمام بالغ ، كأنه هو، فيشعر القارئ بذلك الأمر عند قراءة الرواية وهذا يبين حذق الكاتب وقدرته على السرد بكل التفاصيل .

جزيرة البكاء الطويل : صراع وقلق دائم

يقول سانتيشست الروائي المكسيكي متحدثا عن وظيفة الأدب:» ينتشي الأدب بمد الجسور بين البلدان التي يباعد بينها الزمن واللغة والبحار،وهذا ماقام به المبدع عبد الرحيم الخصار. فسيجد القارئ العربي عامة نفسه محاطا يمجموعة من الأسئلة التي يشترك فيها مع العرب عامة، ثم إن المكان هو بناء خيالي يشيده الروائي عن طريق كلمات وبناء لغوي، هدفه هو صوغ القلق والشك والرفض. فلم يعد المكان فضاء للاستقرار والهدنة، بل أصبح مكان للتوتر والصراعوالموت والغرابةـ أيضا ـ فهو يحاصر الذات ولا يترك لها مجالا للتحرك، و»جزيرة البكاء الطويل» تحتفل بالمكان باعتباره جزءا لا يتجزأ من تشكيل بنية الشخصيات وبث نوع من المصداقية في ما يروى للقارئ . ومن أهم السبل لتشييد المكان أو الفضاء القصصي، نجد الوصف، توظيف الرموز، استخدام الصور الفنية ثم التكثيف الذي طغى على مجريات العمل الروائي .
وصف الروائي طبوغرافيا قريته. فمنذ بداية الرواية تتضح معالم القرية، حيث انتقل الكاتب من ذلك السارد الذي يروي أحداثا معينة  إلى جغرافي متخصص  وإثنوغرافي حاذق في فك شفرات المكان لهذا تتضمن قرية الزموري كما هو معروف، ومما تم سرده، طبوغرافية تحتضن المكان وهو يقول:هذه المدينة بنيت قبل أن يولد المسيح …لقد ولدت هكذا قبل قرون ..خرجت ليلا من النهار .

هويات متعددة
وحزن واحد

في «جزيرة البكاء الطويل «، تحلق مع ذاتك ومع اللغة في محراب الحكمة..في تجل عميق تتقاطع فيه حيواتنا مع حيوات شخوص الرواية في انعكاس متواز ومتقاطع .
في الحكمة تكتشف جوهر الحياة والأشياء المحيطة بك.. و في الخطيئة تُسبَر أغوار الروح، ولكن إنسان هذا العصر يعيش الشتات بينهما، يعيش غربة مطلقة.. كان التشظي عنوان مرحلة نفسية عاشها العبد الذي يغير اسمه كل مرة .إنه يريد الانعتاق بكل الطرق ويخوض حربا صامته مع نفسه تارة ،وأخرى واضحة في الرواية .
وظف السارد تقنيات سردية جديدة ، حيث يبدأ هاجس المبدع في خلق توافق بين اللغة والمعنى. فالرواية تعج بأشكال وقيم إبداعية يربطها معنى واحد وهو الخلق والإيضاح من أجل بناء علاقة مع متخيل القارئ.
يعمل عبد الرحيم الخصار على خلق سراديب إبداعية منبثقة من تجربته الحياتية وحذقه الأدبي في هذا الفن الروائي، حيث تعمق في روحانيات من الطقوس المختلفة .
امتازت رواية الكاتب عبد الرحيم الخصار بأنساق لغوية واضحة، حيث استطاع أن يثير في نفس القارئ مجموعة من التساؤلات المهمة خاصة علاقة الإنسان باسمه الذي يحاول الإنسان تغييره إلى آخر في سبيل حياة جديدة. إنه نوع من الكاتارتيس الذي تحدث عنه أرسطو ، و في الرواية نوع من التطهير المختلف يحاول مصطفى الزنجي، العبد ، استيفان، الانسلاخ منه.
يكتب الخصار عن حياة توقظ فينا روحا خيالية، حيث يمتزج التأمل مع الحلم والزمان مع المكان في سمفونية سردية تنبني على إيحاءات متعددة ؛وداخل هذا الاحتفال الروائي نجد حياة السارد ورؤيتها للعالم، حيث كل شيء ممكن وحيث تفيض الرواية بتجارب موغلة في ما هو إنساني ؛فنجد حضورا مكثفا للمكان وعلاقته بالمجهول ؛ونجد أيضا شجن الفلسفة بكل ما تحمله من معنى، حيث الحفر داخل تجربة منفتحة على عوالم متعددة ؛حيث الإنصات إلى اللغة عبر مضايق تاريخية تعبر عن الجمال السردي للرواية.


الكاتب : احمد الناموسي

  

بتاريخ : 11/11/2022