نعم، يمكن لبلد عربي ولقطر تنظيم تظاهرة كأس العالم وإنجاحها

باريس: يوسف لهلالي

مع اقتراب بداية فعاليات كأس العالم بقطر، بدأت نسبة التحامل في الإعلام الغربي ترتفع بشكل كبير على هذا البلد العربي الصغير جغرافيا، الكبير في ركوب التحديات وتنظيم تظاهرة عالمية، وتحقيق طموحه الهادف إلى بناء اقتصاد عصري يتجاوز الاعتماد على الغاز والبترول.
طبعا، قرار تنظيم كأس العالم منح لقطر منذ 12 سنة خلت، لكن ما الذي يفسر هذا الهجوم الشرس وهذه الكراهية المتفشية في الإعلام الغربي تجاه هذا البلد العربي المنظم لكأس العالم ؟ وما سر عنف هذه الحملة التي تدعو إلى مقاطعة هذه التظاهرة التي تقام لأول مرة بالشرق الأوسط وببلد عربي، وهي حملة تشكيك لا يمكنها أن تمر دون رد فعل، ودون طرح السؤال حول هذه الكراهية وهذا التحامل الذي لا حدود له وكذلك هذه الازدواجية في المعايير.
الانتقادات الواهية لهذه التظاهرة الدولية التي ستعقد من 20 نونبر إلى 18 دجنبر بقطر لا تقتصر على الإعلاميين والمعارضين من المجتمع المدني بل أحيانا يساهم فيها مسؤولون سياسيون أيضا، كما فعلت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر، التي أطلقت تصريحات غير مسؤولة حول هذا البلد العربي، وقالت بنبرة عنصرية “من الأفضل عدم منح حق استضافة البطولات لمثل هذه الدول”، وهو موقف يعكس نبرة من التعالي والحقد في نفس الوقت.
كيف تجاهلت هذه المسؤولة ووسائل الإعلام الغربية بمختلف اتجاهاتها الإصلاحات والمجهودات الجبارة التي قام بها هذا البلد في وقت قياسي، والتي أشادت بها منظمات دولية مثل المنظمة الدولية للعمل ومؤسسات تابعة للمجلس الأوروبي، وهي إصلاحات تعتبر سابقة بالمنطقة خاصة في ما يتعلق بقانون الشغل.
في البداية ظننت، أمام هذا الوابل من التحامل، أن الأمر يتعلق، ربما، بثقافة النقد التي تطغى على الصحافة الغربية، لكن ازدواجية المعايير سرعان ما نشعر بها ونتساءل كيف أن عنفا مثل هذا لم يمس تظاهرات سابقة مثل كأس العالم 2018.
توالي الهجومات على هذه التظاهرة والكثافة التي يتم بها ذلك، حيث لا يمر أي برنامج تلفزي أو إذاعي تقريبا بفرنسا دون أن يتطرق لهذه التظاهرة، وبشكل سلبي، لا يترك مجالا للشك أن الأمر ليس مجرد نقد موضوعي بل هو تحامل جلي على هذا البلد العربي، ويتسلل إليك إحساس بسلوك عنصري تجاه بلد عربي منظم لهذه التظاهرة التاريخية، والذي وفر، بالمناسبة، كل الشروط المادية والتنظيمية لهذا العرس الرياضي في وقت قياسي، من ملاعب وتجهيزات تتضمن أحدث ما يتوفر عليه عالم اليوم في هذا المجال. إذن هل هناك مشكلة أن يحظى هذا البلد باحتضان تظاهرة نال شرف تنظيمها منذ 12 سنة خلت، وذلك بتصويت من أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم، طبعا لن ندخل في ما رافق ذلك من تدخلات السياسة واللوبيات خاصة بفرنسا التي وصلت بها بعض القضايا إلى المحاكم، فهذا ليس موضوع هذا المقال، لأن هذه العمليات التي ترافق تنظيم كبريات التظاهرات الرياضية الدولية مثل الألعاب الأولمبية أو كأس العالم هي عادية حيث تسعى كل الدول إلى الفوز وتسخر كل إمكانياتها الديبلوماسية الرسمية وغير الرسمية في سبيل ذلك، ألم يقم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهديد البلدان الإفريقية التي تتوصل بمساعدات أمريكية بقطعها إذا لم تصوت لصالح تنظيم الولايات المتحدة الأمريكية رفقة جيرانها لهذه التظاهرة؟ ألا يعتبر سلوك الرئيس الأمريكي ابتزازا ونوعا من الرشوة؟
الجميع يعرف المؤامرات التي تعرض لها المغرب بدوره عندما أراد التقدم لتنظيم هذه التظاهرة عدة مرات، وكيف نظمت لوبيات سياسية ضده شاركت فيها أحيانا حتى بلدان شقيقة ولها روابط كبيرة مع المغرب، فقط من أجل معاكسة إرادة الرباط في الفوز بتنظيم هذه التظاهرة رغم قدرته وتوفره على الإمكانيات.
نحن في المغرب نعرف حق المعرفة هذه العمليات وتضارب المصالح التي تصاحب تنظيم كل التظاهرات الرياضية الدولية الكبرى، والصراع الكبير الذي يتم حول ذلك، بسبب ما تدره هذه التظاهرات من مليارات بين الاستثمار والتنظيم ونقل المباريات بالإضافة إلى تحسين الصورة،
لكن قطر كدولة ذات سيادة هي الأخرى تمكنت من الفوز والظفر بهذه التظاهرة الرياضية، ووفرت لها كل الشروط المادية، ولها الحق في ذلك مثل باقي الأمم، فلماذا هذا الحقد الغربي وهده العنصرية الأوروبية على الخصوص؟ جاك لونغ وزير سابق ورئيس المعهد العالم العربي لم يتردد في التطرق إلى العنصرية وازدواجية المعايير في حديثه عن هذه الانتقادات وهذا التحامل على هذا البلد العربي.
تم أيضا استغلال وتضخيم عدد الضحايا، كما فعلت إحدى الصحف البريطانية، نتيجة الورشات الكبرى التي رافقت هذا المشروع، وكأن الأوراش التي تقوم بها بلدان أخرى في الغرب، والتي تستعمل اليد المهاجرة، لا تعرف ضحايا هي الأخرى؟ طبعا لا يمكن إلا الإشادة بالمجهود الذي تم بقطر التي وضعت قانونا للشغل وطورته بشكل سريع، وذلك حسب منظمة العمل الدولية، الاتحاد الدولي لنقابات العمال التي وضعت تقريرا في الموضوع، بالإضافة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي تابع الأشغال وعملية التنظيم، دون الحديث عن تقرير الاتحاد الأوربي حول التطورات الإيجابية بقطر.
هذه التحولات الاجتماعية الإيجابية بقطر هي بفضل تنظيم كأس العالم، وهي تحولات أشاد بها حتى بعض نواب المجلس الأوروبي، حيث قامت دولة قطر بإلغاء نظام الكفالة، ووضعت حدا أدنى للأجور كما عززت إجراء الحماية المرتبطة بظروف العمل. وعلى سبيل المثال دولة صناعية مثل ألمانيا لم تضع نظام الحد الأدنى للأجور إلا في السنوات الأخيرة، وكانت تستغل عمال أوروبا الشرقية لعقود طويلة، بأجور بخسة لتحقيق فائض تجاري كان هو الأهم بأوروبا لسنوات.
لكن لا أحد طرح السؤال حول من يسهر على عمليات البناء التي رافقت هذه التظاهرة والشركات الدولية الكبيرة في البناء سواء من فرنسا أو بريطانيا، التي استفادت من هذه الأوراش، وهي التي كانت توظف هؤلاء العمال ولها هي الأخرى مسؤوليات حول السلامة باعتبار أنها هي من أنجز هذه الأوراش، وهي من سهر عليها وبعضها متابع أمام القضاء الفرنسي نفسه، لكن رغم ذلك بادرت دولة قطر لاتخاذ مجموعة من الإصلاحات المهمة لحفظ حقوق العمال سواء في ما يخص سلامة العمل، الحد الأدنى للأجور أو إنشاء صندوق اجتماعي، وذلك حسب عدة تقارير دولية.
النقطة الأخرى التي أثارت حفيظة المتحاملين هي توفر الملاعب القطرية على مكيفات هواء، وذلك تحسبا لارتفاع درجات الحرارة، ففي هذه المنطقة وخلال شهر نونبر يكون الجو معتدلا والحرارة مقبولة لإجراء مقابلة في كرة القدم، وربما لن تستعمل هذه المكيفات لكن لا أحد أشاد بهذه البنيات التي حرص المنظمون على أن تكون صديقة للبيئة وبجودة استثنائية، خاصة الملاعب التي سوف تتم إعادة استعمالها ببلدان أخرى بعد تظاهرة كأس العالم.
لقد أثير الجدل طبعا حول استغلال الجانب البيئي واستعمال الطاقة والحفاظ على البيئة ومن هذه الزاوية يتم الهجوم اليوم على هذه التظاهرة، وكذلك انتقاد استعمال الطائرة كوسيلة نقل أساسية من أجل الحضور الى الملاعب ومتابعة مختلف الفعاليات. بطبيعة الحال يمكن توجيه قليل من النقد لبعض الاختيارات على مستوى البيئة، لكن بأي شرعية تنتقد بلدان غربية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي لوثت الكرة الأرضية لقرون واستعملت الطاقة الأحفورية والمواد الكيماوية ومازالت مستمرة في ذلك، وهي من يقوم بعض إعلامييها وصناع الرأي بها بتوجيه أسهم الانتقاد لقطر لأنها ستستعمل مكيفا هوائيا لساعات معدودة خلال تظاهرة رياضية عمرها حوالي شهر؟ وبملاعب سوف يتم تفكيكها واستفادة بلدان أخرى منها، بأي حق تقدم الدروس في مجال المحافظة على البيئة خاصة أن أغلبها يضم محطات للتزحلق يتم فيها إنتاج الثلج طوال السنة أحيانا بسبب ارتفاع درجات الحرارة بأغلب البلدان الأوروبية، بكل تأكيد هناك مسافة كبيرة بين النقد الموضوعي وبين الكراهية المسبقة للعرب وكل ما يأتي من العالم العربي. إذا أخذنا موضوع التلوث البيئي والاحتباس الحراري، كمثال، فإن سجل البلدان الغربية طويل وربما يتطلب محاكمة دولية.
بعيدا عن الجانب التقني، الذي يتعلق بالأوراش وبالتنظيم واحترام البيئة، الذي استعمل كمبرر للهجوم على قطر والتحامل عليها، هناك بلد عربي آخر سيكون في مرمى الانتقادات الغربية هو الآخر بعد أن حظي بشرف استضافة الألعاب الشتوية بآسيا، ويتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، والتي ستتعرض لنفس الهجومات مع اقتراب هذه الألعاب.
إن العنصرية التي تعبر عنها وسائل الإعلام ببلدان غربية كفرنسا، ألمانيا وبريطانيا وغيرها، تعكس ثقافة الكراهية والحقد التي تحتفظ بها منذ الحروب الصليبية والاستعمارية التي عرفتها القرون الأخيرة، وحربها على كل ما يمثل الحضارة العربية الإسلامية ومهاجمة كل نجاح أو تقدم يمكن أن تحققه ولو في تنظيم مباريات لكرة القدم، وهي رياضة هدفها التقارب بين الشعوب والتعارف بدل حرب الكراهية هذه التي لا تنتهي، هو ما يقتضي تضامنا عربيا وكذلك إسلاميا مع هذا البلد الذي يستضيف هذه التظاهرة الكروية العالمية بشكل يشرفها ويشرف البلدان العربية.

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 15/11/2022