ســــــر الظّــُلـــّة والفـــتــون

مطر مستهاف، كنكْباء تجري بين جَنُوب الروح وصمت بارد حرون .. كلما هبت، بان خصرها من عطش واستحالة .. السراب المهيب، الذي يسرح في غوال الصيف، لا يعقب الصِّعابَ المضروبة بفيوض الماء .. غضب الوادي المجنون، والدمع المسكوب على ناصية الشهيق .. فرسي نثيرة مهسهسة الظل، ترمي خلخال صبرها، على أخفاف البوح، ولا تلين، إلا باشتياق سجين درع، أو وسوسة من شيطان الشعر وآلائه ..

2 ـ
سماء تسترق وحيها من علق القطا
ممشى الحروف المدهنة ..
نُقْرَة الماء الجبلي،
كعتَمَةٌ تَغْشَى مكانًا ،
حجبَ عنه الوتر المدقوق بشعر الأنخاب ..
سر الظُّلّة والفتون

3 ـ
جمرة القول، فرحانة، تسنح مرة، وتمضي ..
لكننا، نذكر أن شمسا مطفأة،
وعصفورة مشرعة على التحليق،
لا تقدر، لمجرد الهبوب الانسيابي..
على تضميد عراء الصدمة ..
كجسد واحد،
لكن روحها الشفيفة ،
تدنو من شَقْوَة الغياب ..
قبضة من ماء السحاب..
سكبة كاسٍ في هوى آسر..
4 ـ
يا لجمال السماء،
رَبٌّ يكبح استسلامي
يلقاني في عزلة حزينة..
في وطن لا يوجد ..
إلا كطيف خاطف،
أو فرح خَفِيت..
أو ساعة محاصرة..

4 ـ
الألغام التعيسة لا تنفجر في المراقي المحاطة بتظليل الجمال ..
قد تواعد لغوا كَذُوبًا
أو تسفل من دناءة اليأس
سوادا من دأبها المحتقن ..
لكنها، أبدا لا تنكشف
من ماء الغرق ..

5 ـ
شيء ما .. لا يلين
إذا وَصَّدَ خيطه
احتذى بالثوب يلبسه
ثم أُغْلِقَ عَلَيْهِ الأمْر ..
شَتَّانَ مَا بَيْنَ
وهم مَرْجُوح بطَرَفَيِ أسى مُتَرَدَّد
ووهم من خَطَراتِ الروح
يشفى ببرد الكبرياء ..

6 ـ
أليس من لوي من جذع اللفظ
كمن برق نجمه،
ثم هوى من دهشة البصر؟
كذلك، تكون صفتي
عندما أراك من مُبْدٍ بصر الصمت
لراء يجل أناه
ويهوى أملا سادرا،
لا يأتي..
يا صديقي:
خذ – جدلا- رَأْيَ العين
ثم استعر وجه بلاغتها
من فارق الْمَوْقِف الفَصْل
والفَوْز الذي لا يأتي ..
أنا فترة من عمر قصير ..
قَابَلَهُ فَرَآهُ ..
7 ـ
يشبهني ظلي
ولا أشبه أحدا غير ما يدرك بصري ..
ثم أمحو شيئا ليس لي ..
غير أن عهدي اقتداء ونور ..
وَلَكِنْ، رَأْيٌ رَأَيْتُهُ ..
وسماء لهداية جديرة بالمحبة ..
8 ـ
ما يتبقى من العمر، في لجج اليقين،
سماء مزجاة وكمائن من قطاف الروح السابحة..
القصائد كلها،
لا تكفي للمرافعة أمام محكمة الله..
كل شيء سأطويه، وأبادله بالاعتذار ..
يا إلهي: إن المشيئة عزلة في ذاتك..
وإن طمر استسلامي إلى وثَبة أسفل الجدار ..
سأكون سرا في غيبة الصمت ،
وأبوح بكل خيط هو لك..
كي تعتقني من حَفِيرَة الماء،
وطعن الهوان ..
ونسغ العدالة.
9 ـ
في الضوء المنبعث الجديد، ينقَع رقراقُ السَّرابِ، أوج الروح، وهي تدور في فلك مضطرب، يبست مفاصلُه، حتى صار لها الوقت، مثل فنار يَتَلَجْلَجُ في سكناته، ويرعوى عن آثام الذكريات وصروفها المطويات ..
هل يقتصر العمر الآن على طمس الهوامش، ووصم الفكر المكابدة بما يرفع النظر ويعمق الاثار البعيدة، في جلال الوجود وجماله..


الكاتب : مُصْـطَـــفَى غَـــلْمَــان

  

بتاريخ : 18/11/2022