من قال إن الناقد الأدبي قد مات ؟

(ضد بارت وماكدونالد ومانغينو)

 

بهذا السؤال الإشكالي العميق الموغل في الفكر ونظرياته النقدية ، ومايتناسل منه من أسئلة حارقة شتى تخلخل اليقينيات والأجوبة السائدة التي تفضل الركون إلى مظلة الثبات والاجترار؛وبتعاون مع مختبر السرد والأشكال الثقافية:الأدب واللغة والمجتمع ،وبتنسيق مع ماستر دراسات التراث المادي واللامادي،نظم ماستر السرد والثقافة بكلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة مولاي سليمان ببني ملال، يوم 10/نونبر/2022 أشغال الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي2022/2023، ألقاه فضيلة الدكتور حسن المودن.
في الافتتاح، رحبت الأستاذة الدكتورة فاطمة الزهراء صالح رئيسة الجلسة بالأستاذ الناقد المغربي حسن المودن.
بعد ذلك تتابع على الكلمة كل من السادة الأساتذة الأجلاء الدكتور محمد أودروا نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، والدكتور عبد العزيز فارس، والدكتور محمد بالأشهب، والدكتورعبد الرحمان غانمي مدير المختبر ومنسق ماستر السرد والثقافة، الذين عبروا جميعا عن ترحيبهم بالناقد المغربي حسن المودن، كما أشادوا بمكانته العلمية وريادة مشروعه النقدي الذي يمتح مقارباته من منظور التحليل النفسي؛ وفي سياق هذا الاحتفاء أشار الأستاذ الدكتور عبد الرحمان غانمي مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية :الأدب اللغة المجتمع ، ومنسق ماستر السرد والثقافة بالمغرب بكلية الآداب والعلوم الانسانية ببني ملال في كلمته بالأهمية التي يحظى بها هذا الدرس من حيث طرحه الاستشكالي الذي يثير انتباه الطلبة والباحثين إلى إعادة النظر والتفكير في كثير من المسلمات والقضايا النقدية والمعرفية والمفاهيمية للمقاربات والمناهج، مضيفا أن اختيارات الطاقات الفكرية والنقدية والإبداعية بالمغرب وخارجه، نابعة من رهان المساهمة في إغناء الثقافة المغربية وإخصاب روافد النقد المغربي، وتقوية قدرات البحث في الكلية، وليس مجرد تقليد بل هو نابع من رهان فلسفة صلبة التصور والبناء ،تمنح التكوين الأكاديمي لماستر السرد والثقافة، وماستر التراث المادي واللامادي بكلية الآداب والعلوم الانسانية بني ملال، تنوعا وتعددا وتكاملا وعمقا وتأصيلا، على مستوى اللغات والمناهج والمعارف الأدبية والجمالية والفكرية والتراث والثقافية المغربية والانسانية .
ويضيف الأستاذ عبد الرحمان غانمي أن اختيار الدكتور حسن المودن ليس وليد الصدفة بقدر مايعود لجهود حسن المودن العلمية والفكرية والمنهجية وخدماته في مجال النقد العربي، حيث استطاع أن يخلّص منهج النقد النفسي العربي للأدب، من يقينيات سكونيته وركوده واجتراره للسائد .
افتراضات هذا الدرس الافتتاحي تتمثل في كون الناقد الأدبي لا يموت ولن يموت أبدا، وإن كان لابد من موته ، فهو يموت من أجل أن يحيا من جديد ، من أجل أن يبتكر ويبدع ويتجدد.وبذلك فهذا الدرس فهو درس ضد ما أعلنه رونان ماكدونالد سنة 2007،في كتابه : موت الناقد.إن هذا الدرس هو ضد خطابات النهاية بكل أصنافها ،ومن هذا العنوان الفرعي :فهو ضد رولان بارث الذي أعلن سنة 1968 عن موت المؤلف ، لكن هذا لا يعني أن نحتفظ بتلك الفكرة التقليدية عن المؤلف، وأن نمارس النقد البيوغرافي على الطريقة الكلاسيكية :وأن نكون اليوم ضد موت المؤلف يعني أن نعيد المؤلف من خلال فكرة جديدة، من خلال نقد بيوغرافي بصورة مختلفة. وأن نكون اليوم ضد رونان ماكدولاند ،الذي أصدر سنة 2007كتابه:موت الناقد ،معناه أن نقدم مايكفي من الحجج التي تكشف أن الناقد الأدبي لايموت ولن يموت ،لكنه يتجدد ويبتكر لنفسه في كل مرة أسباب الحياة.وبالمثل أن نكون اليوم ضد دومنيك مانغينو الذي أصدر سنة 2006 كتابه :ضد سان بروست أو نهاية الأدب (وكتابه هذا يستحضر كتاب مارسيل بروست : ضد سانت بوف معلنا أنه ضدهما معا ) معناه أننا نفترض لانهاية للأدب، وإذا ما انتهى معنى الأدب كما تأسس مع سانت بوف أو مارسيل بروست أو دومنيك مانغينو، فإن الأدب لايكف عن تجديد معناه، وليكشف هذا الدرس اليوم عن جوانب من هذا المعنى الجديد للأدب:للنقد، وللناقد الأدبي وللمؤلف الأديب .هكذا هي افتراضات إشكالية الدرس الافتتاحي التي باشر المحاضر فيها تفكيك سيمياء موت الأدب، والمؤلف، والنقد، موضحا السياق الفكري والمرجعي لدعوات نهاية الأدب والنقد، ومؤكدا أن الأدب والمؤلف والنقد تموت رمزيا لتتجدد فتحيا، تبعا لسيرورة الفكر والأدب وصيرورتهما في الزمان والمكان، تلك هي مشيئة التطور. وللتدليل على بعض من ذلك يقول المحاضر: ماذا لو نمنح النقد البيوغرافي شساعة وعمقا ورحابة من خلال الجمع بين أديبين شاعرين أو ساردين في دراسة الإبداع مثلا بين تولستوي ودوتوفسكي لتكتمل صورة الأدب الحقيقي السلافي ،أو نجمع بين أبو العلاء المعري وبشار بن برد ،أو بين المتنبي (عاشق الحياة والسياسة والجاه) وأبي العلاء المعري الزاهد فيها، ألا يمنحنا ذلك صورة حقيقية أكثر واقعية عن المؤلف وعن الأدب وعن المجتمع، أليس في ذلك تجديد وحياة؟ فالحياة صراع بين الظلمة والنور، الخير والشر، إنها المفارقة الساحرة والساخرة، ويرى الناقد أن الانشغال و الاشتغال بهذا الطرح يمنح التخييل الذاتي حياة وتجديدا. ولم يكتف الناقد حسن المودن بهذا بل استفاض في التفسير والتحليل والاستدلال بدورالناقدين الفرنسيين المعاصرين جون بيلمان نويل Jean Belleman Noel ، وبيير بيارPiere Baillard و غيرهما، وبترجماته ودراساته وكتبه. وبعد فتح باب النقاش انتهى الدرس الافتتاحي بخلاصة تخلخل يقينيات سائدة عن المنهج النفسي ،ترمي إلى أن المنهج النفسي للأدب في الثقافة المغربية، قد عرف نقلة نوعية وطفرة مغايرة في مقاربات الناقد حسن المودن، حيث انتقل الاشتغال من لاوعي المؤلف في الفرويدية الكلاسيكية ،إلى لاوعي النص مع ظهور الشكلانيين الروس والبنيوية، وبعد ذلك إلى لاوعي المتلقي مع انتشار التداولية ونظرية التلقي، كما أن كل إشارات المحاضر وحواره التواصلي مع الباحثين تقدم به الفكر إلى أنه: إذا كان اللاشعور أساس الكتابة السردية عبر تاريخها في المجتمعات العربية نتيجة تعدد الانكسارات والإحباط ، فإن تاريخ الكتابة الروائية المغربية والعربية الحديثة يتمثل في محطتين :1-الرواية العائلية ،و2-رواية محكي الانتساب.

*ماستر السرد
والثقافة بالمغرب


الكاتب : أحمد بهيشاوي*

  

بتاريخ : 24/11/2022