كيف يُستغل سعي أفريقيا نحو الطاقة الخضراء؟

جوزيف دانا

يعترض تحول إفريقيا إلى الطاقة المتجددة الكثير من العراقيل حتى تتمكن من إبراز أنها قادرة على استغلال مواردها للتركيز على هذا المجال وكذلك إبراز مدى التزامها بمساندة الجهود العالمية لإزالة الكربون.
وفي حين أن القارة تعد موطنا للرياح والطاقة الشمسية الوفيرة، ناهيك عن المواد الخام مثل الكوبالت اللازم لتشغيل الطاقة الخضراء، فإن مسيرة دولها نحو مستقبل الطاقة النظيفة يمكن وصفه في أحسن الأحوال بـ”المتباين”.
وتملك جنوب إفريقيا أقوى قطاع صناعي في القارة، وهي مثال واضح على الحالة المزرية التي وصلت إليها الطاقة الخضراء.
ويحتل البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 60 مليون نسمة المرتبة الثالثة عشرة عالميا كمصدر لغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، ويحصل على أكثر من 80 في المئة من الكهرباء من الفحم.
وفي جميع أنحاء القارة هناك اعتماد أقل على الفحم وأكثر على الغاز الطبيعي والطاقة الكهرومائية، ولكن بشكل عام، لا يزال استخدام مصادر الطاقة المتجددة أقل بكثير من المتوسط العالمي.
ونظرا لأن الجولة الأخيرة من محادثات المناخ الدولية في قمة كوب 27 قد تمت في مصر، فقد حان الوقت لإلقاء نظرة فاحصة على كيفية تأثير تغير المناخ بشكل غير منصف على إفريقيا وما يمكن لأي شخص فعله حيال ذلك.
وتنبع مشاكل الطاقة في جنوب إفريقيا من محطات الطاقة القديمة التي تعمل بالفحم، والتي تديرها شركة الكهرباء (إسكوم) المملوكة للدولة وبعد ما يقرب من عقد من سوء الإدارة والفساد في عهد الرئيس السابق جاكوب زوما، لا تستطيع إبقاء الأضواء مضاءة.
وتتعطل محطات توليد الطاقة بانتظام مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي بصورة مستمرة والمعروف محليا باسم “لودشدنغ” (الإطفاء المتكرر) ويتسبب نقص الطاقة في خسائر فادحة في اقتصاد جنوب إفريقيا.
وجعل الرئيس سيريل رامافوسا أزمة الطاقة على رأس أولويات حكومته لكنها أزمة صعبة المراس، حيث يملك بلده العديد من القوانين المصممة لضمان احتكار « إسكوم» لإنتاج الطاقة رغم أن البلد ينعم بموارد الرياح والطاقة الشمسية الوفيرة المثالية لمشاريع الطاقة المتجددة.
وأعاد رامافوسا النظر في بعض تلك التشريعات لتمكين المنتجين من القطاع الخاص من إنتاج المزيد من الطاقة، وأخذت مدينة كيب تاون الأمر على عاتقها بمفردها وبنت حلولا للطاقة الكهرومائية للتعامل مع «لودشدنغ»، ولكن تلك الجهود ليست سوى ضمادات على جرح كبير.
ويأمل رئيس جنوب إفريقيا أن يمول المستثمرون الأجانب والحكومات المشاريع للحصول على رأس المال اللازم لتمويل تحول جنوب إفريقيا نحو الطاقة المتجددة.
ووجدت دراسة أجرتها فرقة العمل المعنية بالتمويل المختلط ومركز تحولات الاستدامة في جامعة ستيلينبوش أن جنوب إفريقيا ستحتاج إلى إنفاق 250 مليار دولار على مدى العقود الثلاثة المقبلة لإغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والانتقال إلى الطاقة الخضراء.
وتعكف حكومة البلد حاليا على التفاوض على منح مناخية بقيمة 8.5 مليار دولار وقروض ميسرة مع الدول الغنية، وكان هذا الانتقال وتمويله موضوعا رئيسيا للمناقشة في قمة المناخ 26 في غلاسكو وسيكون على جدول الأعمال هذا الأسبوع في شرم الشيخ.
وفي محاولة للضغط على الحكومات للوفاء بالتزاماتها، تخطط جنوب إفريقيا لاستخدام قمة المناخ 27 كمنصة للدعوة إلى دعم أكبر لـ”التحولات العادلة” في إفريقيا بدءا من تحولات الطاقة.
ووفقا لوزيرة البيئة باربرا كريسي، ستدعو جنوب إفريقيا إلى إنشاء إطار تمويل للانتقال العادل للطاقة يركز على البشر.
وفي تعليقات للصحافة المحلية، أكدت أنه يجب أن يُنظر إلى قمة المناخ 27 على أنها “مؤتمر الأطراف للتنفيذ” من خلال ضمان سد الفجوة بين تعهدات تمويل المناخ والتدفق الفعلي للأموال.
وقالت كريسي “نحن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين البلدان المتقدمة والنامية من خلال الوفاء بالالتزامات ونحتاج إلى التزامات واضحة لدعم التحولات العادلة في البلدان النامية”.
ويبدو أن المزيد من التمويل من بقية دول العالم وحده لن يحل مشاكل الطاقة في جنوب إفريقيا، حيث أن الفساد الداخلي وسوء الإدارة للموارد هما أحد الأسباب التي تجعل البلاد تواجه أزمة طاقة وجودية.
ومع ذلك، فإن الفكرة الأكبر حول البلدان الأكثر ثراء التي تدعم تحولات الطاقة العادلة في العالم الناشئ هي الموضوع الصحيح لقمة المناخ 27، فهناك قلق متزايد وغضب من أن البلدان الغنية تواصل ميراث الاستغلال في إفريقيا عندما يتعلق الأمر بتحولات الطاقة.
وباعتبارها موطنا للمواد الخام الحيوية اللازمة لمشاريع الطاقة الخضراء، فلا تزال الدول الإفريقية ترى مواردها تشحن إلى أماكن مثل الصين وأوروبا مع القليل من الاهتمام باحتياجات المجتمعات المحلية.
وعلاوة على ذلك، فإن عدد سكان إفريقيا ينمو بسرعة والمدن تتوسع، مما يجعل الظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ مصدر قلق كبير للسلطات في جميع أنحاء القارة.
وإفريقيا هي واحدة من أقل قارات العالم تطورا وتنتج ما يقرب من 4 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ومع ذلك فإنها ستعاني من تغير المناخ بشكل غير منصف مقارنة ببقية دول العالم.
ومن المتوقع أنه سيتم التعامل مع تلك التحديات خلال قمة المناخ 27، ومما لا شك فيه أنه ستكون هناك وعود وتعهدات كبيرة للدول الإفريقية للمساعدة في تمويل الطاقة الخضراء.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتحقق تلك الوعود بالكامل على المدى الطويل. وفي أحسن الأحوال، ستتعهد الدول الغنية بتقديم قروض لدعم بلدان مثل جنوب إفريقيا في تحولاتها في مجال الطاقة الخضراء.
ولكن مثل تلك المبادرات لن تخاطب الأسباب الجذرية للمشكلة، كما أنها لن تحمي الأجيال القادمة. ولا يزال التاريخ المظلم للاستغلال من جانب القوى الخارجية مستمرا في إفريقيا تحت ذريعة تغير المناخ والتحولات العالمية في مجال الطاقة الخضراء.
وفي ضوء ذلك، فإن تحديد المسار لمستقبل أكثر اخضرارا سيحتاج إلى تضمين ذلك الواقع في الخطط المستقبلية.

الكاتب : جوزيف دانا - بتاريخ : 30/11/2022

التعليقات مغلقة.