لقد جاء دستورا 2011 بخاصية جد متميزة، دفعت الكثير من المهتمين بالشأن الحقوقي لتسميته بدستور الحقوق، بالنظر للمواد ذات الأثر الحقوقي التي تضمّنها، وهو ما يتبين من خلال قراءة بسيطة بحيث تظهر كل الملامح الحقوقية لدستور المملكة انطلاقا من تصديره، حين يؤكد على إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
إن الحديث عن احترام حقوق الموتى، لا يمكن فصله عن حقوق الإنسان بشكل عام، في الحياة وبعد الممات، بما أن مطلب حماية كرامة الإنسان بكافة تجلياتها ومختلف تفاصيلها هو مطلب كوني تلتقي بشأنه كل الإرادات. وإذا كان الفصل 20 يكرّس الحق في الحياة باعتباره أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق، فإن الفصل 22 الذي يشدد على أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، فإنه يمكن أن نستحضره حين التطرق لهذا الموضوع، وندرجه في ما ذهب إليه دستور 2011 حين أشار هذا الفصل للشق المعنوي، الذي ينطبق على الشخص حيا وكذلك ميتا، من خلال ضمان تشييع جثمانه تشييعا يليق بكرامة الإنسان، انطلاقا من فضاءات التغسيل، مرورا بالنقل، فتوفير القبر، والقيام بمختلف الطقوس والشعائر التي تفرضها لحظة التشييع، من صلاة الجنازة في إطار يليق، وبعيدا عن كل ما يمكن أن يسيء إلى كل هذه الخطوات التي ترافق الميت تحو قبره بأي بشكل من الأشكال.
حفظ للحقوق وللكرامة يمتد إلى حماية القبور من المتلاعبين بها والمستهترين، إما بشكل عمدي أو تحت وقع مؤثرات مختلفة، ولصونها من التمثيل بالجثث أو العبث بها ومن كل أشكال السعي لممارسة طقوس الشعوذة، وكذا للحيلولة دون احتضان جنبات هذه المقابر لممارسات شائنة، التي بكل أسف قد تحضر بسبب شساعة بعض المقابر وضعف الحراسة فيها وغياب تدابير من الجهات المختصة لحفظ أمن وسلامة المقابر بشكل عام، التي هي من صميم اختصاص الجماعات الترابية، عبر إصلاح الأسوار والتسييج والقيام بأشغال الترميم وكل ما تتطلبه وضعية هذه الفضاءات التي يجب أن تحظى بكل الاحترام والتوقير، وهنا نجد أن القانون يخصص حيزا مهما لكل السلوكات المتطاولة على حرمة المقابر.
إن المقابر ووضعيتها تعتبر مؤشرا يمكن من خلاله الوقوف على منسوب الوعي الحقوقي والمواطناتي والإنساني لمختلف المتدخلين، أفرادا ومؤسسات، إلا أن الكثير من حالات الإهمال التي تعيشها تعطي صورة غير سليمة مما يتطلب معها التدخل بشكل جدي ومسؤول، لتحصين وتحسين هذه الفضاءات، وتوفير أخرى بطاقات استيعابية أكبر لاستقبال أموات المغاربة، بشكل لا يزيد لحظة الفراق ألما إلى ألم.
(*) فاعل حقوقي ومدني