«الحلم ليس مستحيلا» يقول المغرب للعرب وإفريقيا

يوسف لهلالي

«الحلم ليس مستحيلا»، هذه العبارة رددها المدرب وليد الركراكي، لكنها لم تأخذ بجدية في البداية، لقد تعامل الجميع معها على أنها مجرد تصريح كباقي عشرات التصاريح التي يدلي بها مدربو الفرق المشاركة في كأس العالم بقطر، لكن الركراكي ومنتخبه يأخذنا إلى حلم حقيقي، يتمني كل المغاربة وكل العرب وكل الأفارقة أن لا نستيقظ منه حتى وصول النهاية والعودة بالكأس إلى البلد وإلى العرب وإلى الأفارقة، فهذه المنطقة، رغم قدم ممارسة كرة القدم الشعبية بها ظلت مظلومة وعلى الهامش، في لعبة كانت تحتكرها بعض بلدان أوروبا الغربية وأمريكا الجنوبية.
اليوم يحمل المنتخب المغربي طموح أجيال متعددة من المغرب، كانت تنتظر هذه اللحظة في تاريخ اللعبة المغربية التي أنتجت نجوما عالميين مثل اللؤلؤة السوداء العربي بن مبارك، الذي لا يعرفه الجيل الحالي، واللاعب أقصبي، والظلمي واللائحة طويلة…
طريق هذا الحلم المغربي كانت طويلة، وواكبها عمل كبير، وما قام به المغرب ومنتخبه من تألق استثنائي وتاريخي لم يأتي صدفة أو بضربة حظ، بل هو نتيجة عمل جاد وطويل، سواء في مجال تكوين الكفاءات البشرية أو في مجال تطوير هذه اللعبة الشعبية رغم التعثرات، هو طريق جبار من خلال البنية التحتية، التي تم تحديثها والملاعب التي تم إحداثها بالمدن الكبرى والأكاديميات، ومن خلال دوري احترافي، وتوفير إمكانيات كبيرة جعلت الفرق المحلية في السنوات الأخيرة تحصد العديد من الألقاب، وهي مجهودات بدأت تعطي ثمارها.
لقد كانت مسيرة العمل والكد طويلة، كما أن العمل التقني مهم ولن أدخل في تفاصيله فذلك ليس من اختصاصي، لهذا فحلم المغرب بالعودة بكأس العالم حلم مشروع، ومعه البلدان العربية والإفريقية التي استثمرت في هذا المجال رغم تواضع إمكانيات أغلبها، وهو نفس الوضع بالعالم العربي، الذي تعتبر به الكرة لعبة شعبية، وهو ما عكسته الاحتفالات التي انتشرت بكل بقاع العالم العربي، فقد تفجر الفرح الشعبي والتلقائي الذي يبين أن الشعوب العربية يجمعها أكثر مما يفرقها من خصومات السياسة. المغرب يجد نفسه مثل سنة 1986 يلعب دور الريادة في مجال الكرة كما كان في السابق، ويمثل طموح العرب والأفارقة، ويجعل الجميع يؤمن بإمكانية تحقق الحلم والاحتفاظ بالكأس عند العرب، أو لم تقل قطر « إن الكأس هي كأس العرب»، وأن المونديال هو مونديال العرب، فليكن، ولنربح هذه الكأس لتكون عربية وإفريقية، خاصة في وجه الذين تكالبوا على هذا البلد، واستعملوا كل إعلامهم لضرب هذا الاحتفال العالمي الذي يتم ببلد عربي، بلاد وفرت أحسن ما في العالم من تقنيات جديدة وصديقة للبيئة من أجل احتضان كأس عالم مثالي، والتي عرفت كيف تربح التحدي وتقارع الكبار، سوف يبقى في تاريخ الفيفا ككأس عربية ومونديال عربي، طبعا النجاح الذي حققه المنتخب المغربي لعبت فيه قطر دورا كبيرا، بتنظيمها وترحيبها وفتحها للأبواب لكل المغاربة والعرب والأفارقة، وسهلت وصولهم لدعم المنتخب المغربي الذي شعر أنه يلعب ويتنافس ببلده وليس في الخارج، بل إن المنتخبات التي كانت تواجه المغرب كلها في الدور الأول والأدوار اللاحقة وجدت نفسها تلعب مع منتخب يستضيف على أرضه بقطر، التي احتضنت المغرب بالدعم المعنوي. شكرا قطر على هذا الترحاب، وهذا الكرم العربي الذي ليس غريبا على أهل قطر، التي كانت قيادتها تبعث بعد كل مناسبة إشارات الدعم والترحيب، وكان أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بنفسه وأفراد عائلته يحملون علم المغرب بعد كل فوز، تعبيرا عن الدعم والحب والتقدير للمغرب وأهل المغرب. بهذا السلوك، تقول قطر للجميع:» ندعم المغرب وندعم الكأس لتكون مغربية عربية إفريقية»، شيء آخر تم إعادة اكتشافه في كأس العالم العربية هذه هو التضامن العربي، بعد أن اعتقدنا أن مفهوم التضامن العربي حتى على مستوى الخطاب انتهى مع الناصرية ومع البعث بالعراق، لكن التضامن العربي هذه المرة كان عفويا وشعبيا، فقد رأينا كيف أن شعوب العالم العربي من الخليج إلى المحيط اعتبرت المنتخب المغربي منتخبها وأن انتصاره هو انتصارها، وشعرت بالفخر بعد كل انتصار، كما اكتشف الجميع النشيد الوطني المغربي»منبت الأحرار، مشرق الأنوار»، وكيف أضاءت الأنوار المغربية دوحة العرب من الماء حتى الماء، وكيف كانت فلسطين حاضرة بقوة وفي أذهان كل المشاركين وكيف رفرفت الأعلام الفلسطينية بشكل جعل الإعلام الإسرائيلي ينسحب ويستنتج أن السلام الحقيقي يكون بحقوق الفلسطينيين، كل حقوقهم وأرضهم وعاصمتهم القدس. اكتشف الإعلام الإسرائيلي أن القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة في وجدان العرب، وكان تجاوب أهل غزة والضفة مع مباريات الفريق الوطني دليلا على أن هذه الكأس هي عربية بكل المقاييس.
هذه الكأس كانت، كرويا، لكل العرب، رغم الخروج المبكر لأغلب فرقهم، فهي حققت إنجازات وانتصارات على أكبر المنتخبات العالمية، السعودية انتصرت على الأرجنتين أحد المرشحين، وتونس على فرنسا حاملة اللقب، وهو فأل خير للمنتخب المغربي، الذي يلتقي فرنسا في نصف النهائي، بعد أن أخرج منتخبات مرشحة مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال رغم نجومهم الكبار.
قطر بتنظيمها أحسن كأس عالم لكرة القدم دفعت باقي الدول العربية أوالمنتخبات العربية المشاركة إلى رفع التحدي والمشاركة بجدية، ومقارعة أكبر المنتخبات.
سوف نحتفظ بكأس العالم لتكون عربية في هذه الدورة في دوحة العرب وستحفر في ذاكرتنا، بصورة إيجابية، كأس عالم عربي ناجح ومبهر من حيث التنظيم، ومن حيث الفرجة، كأس العالم تألقت فيه المنتخبات العربية وبخاصة المنتخب المغربي رغم تعثر المنتخب المضيف.
المنتخب المغربي جسد الوحدة العربية والتضامن العربي، ورأينا المصالحة تعم بلدان الخليج العربي في انتظار دور المغرب العربي.
مونديال قطر ساهم في بروز مدرسة مغربية لكرة القدم ترتكز على القتالية أمام كل المنتخبات كيفما كانت قوتها، واستعمال القيم المحلية لتحميس اللاعبين والقتال من أجل العائلة والوطن، برضى الوالدين ستكون كأس العالم عربية وإفريقية .
هذا التميز والتخلص من عقدة النقص واعتماد الأطر الوطنية في مجال الكرة ، يجب أن ينتقل إلى مجالنا الاقتصادي وفي مختلف المجالات، هو حافز للدفع بكل القطاعات من أجل التميز، الذي أصبح مغرييا، وهي ثقة تنقص أبناء المنطقة.
شكرا للمنتخب المغربي على هذا المسار الاستثنائي والتاريخي، وشكرا لقطر، التي نفتخر بتنظيمها أحسن كأس عالم في تاريخ هذه اللعبة الشعبية .

الكاتب : يوسف لهلالي - بتاريخ : 13/12/2022