سردية «الأم»: من الوعي الأخلاقي إلى الوعي بالقيمة

إن وطن الفرد الأم هو حيث يجب أن يعيش ويموت المرء.
جول فيرن
الأم روض إن تعهده الحيا … بالري أورق أيما إيراق
حافظ إبراهيم

الوعي باعتباره
قيمة متحصلة:

كم من الوعي سيحتاج العالم، كي يستنتج مدى قدرة قيم الأسرة وتفكير الجماعة، على خلق البدائل، في منظومة مادية تكرس اختلالات في بنية الوجود الإنساني. فاجتياح الأنماط المجتمعية التقليدية الآن، خلال اجتياز امتحان تمثلات المجتمع المدني، لأخلاق تدبير مجريات مونديال قطر، والتي استتبعتها نقاشات وتصادمات هوياتية وثقافية متعددة، كادت تشكل «الأخلاقية» المعيارية، الأكثر حضورا في البدهيات المتداولة، على أكثر من صعيد، لدرجة أن التغييب المفرط لها، أخذ كل مذهب في وعي العالم الجديد، واستنارته عبرها، من مرجعية مختلفة تماما، كانت إلى حين مثار رفض وانتقاص من أطراف تنظر بمنظار جدل الشرق والغرب، وليس جدل الفكر ونقيضه.

الوعي الأخلاقي:

لم تتأثر النظريات الأخلاقية، طيلة أزمنة الفكر الفلسفي، بتأويلات التحليل الأخلاقي لأنماط السلوك السياسي والاجتماعي، من خلال القضايا التي تضعها العلاقات المحدودة، حتى إن تلكم النظريات ظلت مرهونة بمدى قدرة الفكر على استيعابها، انطلاقا من صدمة الواقع وميكانيزماته.
وهو ما يبرهن فعليا، على ستاتيكية وجود هذه «الأخلاقية»، مؤشرا على سيرورة هرميتها، المؤسسة على المنفعة والواجب والفضيلة؛ مجيبة على قدرة حاسمة في التقاطع مع إرث نسقي يواكب الأشكال الجديدة المفترضة، التي يمكن أن تستوعب الطفرات الأقرب إلى «الدوغما»، منها إلى «محدودية الرسالة».
فهل نحن بإزاء إعادة تنظيم لوعينا الأخلاقي؟ أولوياته؟ قيمه ووثوقيته؟ إعادة تشكيله على قواعد فكرية وأسس جديدة أكثر تماسكا وأبدع معرفة؟.

استعارة الذات جمعا:

مفهوم الذات من جهة مكوّنه المعرفي، يبرز كإطار مفهومي لا يتناقض وتوصيف الذات كفاعل مركزي في بنية الجماعة أو الفريق، ومن تمة فهوية الذات الشخصية تتناسق ومظهرها الاجتماعي، من حيث كونها تعلي من إيجابية ومردودية الـ»نحن»، وقيمها في التراتبية المجتمعية.
وكغيرها من الذوات «المؤطرة» وبفعل القوة التي تتشكل منها، تقوم الذات كوحدة دافعة، لتنظيم مستويات عملها، خصوصا في مفاهيم «تصرفات الناس» وسلوكياتهم تجاه النواتج المعرفية والشعورية، ومدى علاقتها بقيم «السعادة» و»القلق»، و»الإدماج الاجتماعي»، و»تقدير الذات» و»الرضا عن الحياة» وأشياء أخرى ترتبط بتحولات النفس وانتقلاتها.

الوجود والقيمة:

بالرغم من أن علماء الفلسفة الاجتماعية، حددوا مفهوم قيمة الوجود، باعتبارها مكسبا يؤطر بشكل مباشر «القيمة الاقتصادية»، وعلاقتها بالفوائد المتلقاة من جهة معرفة مورد بيئي معين، فإن تأصيلا حقيقا بالتفكير، يتعلق ب»القيمة العاطفية»، برهن بما لا يدع مجالا للشك، على أن تطوير النموذج الموضوعي لحكم القيمة، سيفرز لا محالة عنوانا لفك سؤال علاقة قيمة القيمة بالوجود والحقيقة، وهو ما يمكن تقديره في استقصاء القيمة الجوهرية «روح الجماعة والفريق»، إذ إن القيم العرضية والوسيلية، لا تتناقض والقيمة الجوهرية في الأخير.
ونشعر بوجود هذا الشكل، في مثال «روح الجماعة» الذي أعلنت عنه تجربة المنتخب المغربي لكرة القدم، مع ما يثير ذلك طبعا، من استفهامات ثقافية وتاريخية، تحتاج لأجوبة سوسيولوجية حاسمة؟.

سردية «الأم»:

«الأم» الغبطة الوحيدة التي تنشد القيمة الإنسانية، أو جوهرها. وهي واحدة من أشمل المدلولات على ترجمة أصل الوجود عينه، بل إنها الوجود عينه.
ولا تكاد هذه «الأم» تغيب عن كل أشكال الوجود بأسره، من أصغر فكرة في رياح الخلق، إلى أعظم مجسدات العيش فيه، فهي بوصلة لكل المحاور التي تشكل الوعي الإنساني، وأبلغ معرفة لرؤية المعرفة بذاتها.
قدرة «الأم» على احتواء العالم، والانتصار له، والذود عن مشتركاته، هي سر الأسرار ومعبر للوجود، قيمة وأخلاقا ومعرفة.
كل هذه المنظومة الكونية، تسير على منهاج هذه الرؤية، وتسترفد حدودها وتقاطعاتها، من خلال الوصول العاطفي والذاتي لمدارة «الأم»، حيث ينبثق الوجود في «البنوة» و»الرحم» و»الغيب المتعالي»، وقيم «الرحمة» و»الإحسان» و»إلجمال».. وكلها قيم تخلص لمصير هذه السردية المقدسة، سردية «الأم» العظيمة، الروح الرسولية الجديرة بالصلاة والسلام الأبدي.


الكاتب : مُصْـطَـفَى غَــلْمَــان

  

بتاريخ : 16/12/2022