الرائدات في السرد النسائي المغربي

«السرد النسائي المغربي: السياق والدلالة» لنورة بوقفطان

 

«قلم المرأة في مجتمعاتنا الراهنة يمكن أن يسعف في كشف اللثام عن ظروف عيش ملايين النساء المغمورات اللائي يعانين شتى صنوف المعاناة المباشرة وغير المباشرة يتعلق أغلبها بالعنف بشتى ألوانه. إنهن شهادات ووثائق، تستطيع المرأة فهمها والتعبير عنها وعما ظل لعقود مسكوتا عنه.»
حققت الكتابة النسائية المغربية، في العقود الأخيرة، تراكما إبداعيا ارتبط أساسا بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الراهنة في محاولة لتمثيل معاناة المرأة في مجتمع ذكوري لا سبيل فيه لتحقيق ذاتها إلا بتجاوز قيود التقاليد والأعراف؛ كتابة أسس لها جيل من الرائدات عبّرن بجرأة عن تصوراتهن ومواقفهن تجاه المجتمع المحافظ .
في هذا السياق، تندرج آخر دراسات الأستاذة والناقدة نورة بوقفطان، المعنونة بـ»السرد النسائي المغربي السياق والدلالة الرائدات بين 1965_ 1985»، الصادرة عن منشورات أبي رقراق للطباعة والنشر سنة 2021، في نسخة مزدوجة بالعربية والفرنسية .
سعت نورة بوقفطان في هذا الكتاب إلى مقاربة الكتابة النسائية المغربية في علاقتها بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لسببين؛ أولهما: راجع لرغبتها في مقاربة مجال ظل إلى حدود 1985 في الهامش مسكوتا عنه، وثانيهما: راجع لدافع موضوعي يكمن في عدم اهتمام النقاد بهذا النمط من الكتابة الذي اتسم بالندرة وعدم الانتظام. أما عن غايات الدراسة فتتحدّد في التعريف بهذا الفصل من الأدب النسائي؛ فصل مهد الطريق لما تلاه، وانحصر في أسماء معدودة، مما حال دون خلق حركة وازنة لكتابة نسائية تفرض نفسها في الساحة الأدبية المغربية.
واعتبارا لذلك، عملت نورة بوقفطان على دراسة دلالات السرد النسائي على ضوء السياقات المؤطرة لها في متن سردي رائد يتألف من سبع مجموعات قصصية لكل من خناثة بنونة ورفيقة الطبيعية، في محاولة للإجابة عن سؤال خصوصية الكتابة النسائية الرائدة. وأشير في دوافع اختيار المتن لتواتر المحاور الدلالية المرتبطة بالمرأة والطفل والقضية الفلسطينية؛ محاور تساهم في إبراز رؤية محددة ومواقف معلنة إزاء قضايا وطنية وقومية.
وقد استند الكتاب في مقاربة إلى رؤية متعددة الأبعاد؛ استندت تقوم على منهجين، أولهما: منهج اجتماعي لتحليل دلالات المتن المدروس في علاقتها بسياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبالتحولات المهمة التي مارست تأثيرها على المجتمع المغربي، وثانيهما: منهج سيميائي، يرجع بالأساس إلى دراسة فيليب هامون «من أجل تحليل سيميائي للشخصية»في مواكبة الشخوص وتحديد السمات التي تدخل في بنائها كدلالة تساهم في تحديد المحاور الدلالية.
وينقسم كتاب «السرد النسائي المغربي السياق والدلالة الرائدات بين 1965_ 1985» إلى أربعة فصول بعد التقديم، جاءت كالآتي:
الفصل الأول: مغرب الستينات؛
الفصل الثاني:القصة القصيرة بالمغرب؛
الفصل الثالث: المرأة والكتابة؛
الفصل الرابع: الدلالة والسياق في المتن السردي النسائي خ. بنونة ور. الطبيعة نموذجا.
تطرقت الناقدة في الفصل الأول «مغرب الستينات» للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرفها المجتمع المغربي بفعل الظروف الجديدة التي خلقها الاقتصاد المعاصر، راصدة تحولات الأسرة المغربية من النموذج التقليدي إلى النموذج الحديث، مما أسهم في التحاق الفتيات بمقاعد الدراسة، وبالتالي خروجهن إلى العمل الذي أفسح المجال، نسبيا، لتحرير المرأة قانونيا واقتصاديا وسياسيا في إطار الرفض والمقاومة وما واكب ذلك من تحولات على المستوى الثقافي.
وتعرضت في الفصل الثاني «القصة القصيرة بالمغرب» لمسوغات الظهور المتأخر للقصة القصيرة المغربية؛ قصة التبس شكلها مع المقالة الصحفية التي كانت جنسا جديدا على الثقافة المغربية آنذاك، اهتمت بالقضية الوطنية دون اهتمام بتقنيات الكتابة القصصية إلى أن خضعت بدورها للتغيير، مع الجيل الجديد، شكلا ومضمونا، فأضحى هذا الأخير انعكاسا لمختلف القضايا التي يعيشها مجتمع شاب في طور التغيير، مما أبان عن فكر نقدي ومعرفة بشروط الكتابة القصصية، بوصفها قطعة من الحياة.
وأُفردت الفصل الثالث «المرأة والكتابة»للكتابة النسائية، انطلاقا من البداية المحتشمة في مطلع الستينات مع كاتبات معدودات. ذلك، لأنه كان لزاما على المرأة أن تحقق التحرير لنفسها قبل كل شيء، مثلما «كان ينبغي السعي إلى تجاوز كل عائق يمكن أن يحول دون هذا التحرير. والكتابة هي مرحلة تحقيق المرأة لوجودها المتميز والمختلف». وتطرقت، الباحثة كذلك، لما واكب هذه الكتابة من جدل واسع وآراء متضاربة بين القبول والتحفظ أو الرفض، مؤكدة أن هذا الأخير راجع بالأساس إلى «إيديولوجيا محافظة ذات مرجعيات كلاسيكية، كتلك التي تزعم أو تطالب بالسيادة الذكورية في المجالات الفنية والأدبية والعلمية…أو كتلك التي توحي بأن المرأة كائن سلبي وضعيف، وبأن نشاطها في هذا الكون محصور في إعادة إنتاج النوع البشري»، في حين، استطاعت هذه الكتابة أن تزيح اللثام عن مآسي المرأة ومعاناتها في الحياة اليومية، مستعرضة بعض التشريعات التي يُحدّد بموجبها الوضع القانوني للمرأة المغربية قبل مراجعة المدونة سنة 2004 وبعدها.
وخصص الفصل الأخير للشق التطبيقي»الدلالة والسياق في المتن السردي النسائي خناتة بنونة ورفيقة الطبيعة نموذجا» عالجت فيه الناقدة دلالات الكتابة النسائية في ارتباط بسياقاتها المختلفة، المتمثلة، أولا، في دلالة المرأة بين الأمية والمتعلمة، وبين اليسر والفقر وبين الجسد المكرم، والجسد المحرم وضمنتها دلالة الذكورة التي تختلف باختلاف الأدوار المسندة إليها بين الأب والزوج والعشيق؛ أدوار تصب جميعها في قالب السلطة الذكورية، ثم ثانيا: دلالة الطفل الفاقد للطفولة الهنيئة بفعل الفقر والسلطة الأبوية؛ صور مستمدة من واقع الطبقات المهمشة التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية الطارئة مع حصول المغرب على الاستقلال، وثالثا في القضية الفلسطينية التي تمثلت أساسا في «النار والاختيار» لخناثة بنونة، وقد عالجت من خلالها بعض جوانب القضية الفلسطينية إثر هزيمة 1967، مما عكس وعي المرأة المغربية المثقفة والتزامها بالقضايا السياسية ذات البعد الوطني القومي دون غيرها من كتاب العالم العربي الذين أعرضوا عن التطرق لهذه الموضوعة لأسباب مختلفة.
ثم اختتم الكتاب بخلاصة وتركيب للنتائج التي أسفرت عنها الدراسة، ويمكن إجمالها في الآتي:
هيمنت قضايا المرأة والطفولة والقضية الفلسطينية على السرد النسائي المغربي في فترة الستينات بوصفها عوالم دلالية يشخصها العمل السردي من خلال ثلاثة شخوص، المرأة والطفل والإنسان الفلسطيني، يؤلف بينها الإحساس المشترك بحدة التهميش والظلم والتمييز والرغبة في الانتفاض نحو التحرر والانعتاق؛
تقدَّم الشخصية النسائية، في الأعمال الرائدة، بوصفها منتقدة، رافضة، متمردة على المعتقدات والعادات المتوارثة؛ شخصية تعكس الشرخ الذي عاشته أغلب النساء المثقفات في الستينات بفعل اصطدام قناعتهن الفكرية الحداثية بجدار الفكر المحافظ في مجتمع متحول؛
تستند أعمال كل من خناثة بنونة ورفيقة الطبيعية إلى مبدأ الواقعية والالتزام بقضايا المعيش اليومي استجابة للتيارات التي كانت سائدة، في السيتينات، في الفلسفة والآداب الغربية، في محاولة لبناء مواقف واضحة يميزها التحدي والرفض لأمراض المجتمع وأسباب التخلف؛
تتمثل خصوصية الكتابة النسائية في عنصرين أساسيين؛أولهما: توفير قسط وافر لحياة النساء ومشاكلهن المتنوعة، منذ استقلال المغرب إلى اليوم، وثانيهما: حضور القضية الفلسطينية التي كانت غائبة، تقريبا، في الكتابات الأدبية العربية. مما أبان عن حس قومي والتزام صادق ودعم معلن من المرأة المغربية المثقفة؛
يبدو المتن السردي المدروس كأنه صادر عن نفس الحساسية ونفس الرؤية اتجاه الواقع بصفة عامة، باستثناء تنوع العوالم السردية واختلاف الحساسية الجمالية. وذلك، لكون الكاتبتين عاشتا وكتبتا في نفس المرحلة التاريخية، لما بعد الاستقلال بين 1968_1985، على حد تعبير الناقدة، تأثرا وانفعالا بما عرفته من تحولات وأحداث.

*(ماستر السرد الأدبي
الحديث والأشكال الثقافية- مختبر السرديات)


الكاتب : إعداد: إيمان بنيجة *

  

بتاريخ : 19/12/2022