رهانات إعلام مغربي قوي

جمال المحافظ

إذا كان من الإيجابي أن يبادر مجلس النواب إلى تنظيم « لقاء دراسي»في 21 دجنبر الجاري بمناسبة مرور عشر سنوات على الحوار الوطني حول «الإعلام والمجتمع»، بمشاركة رؤساء الفرق النيابية والهيئات المهنية وعدد من الفاعلين في ميدان الصحافة والإعلام والاتصال، غير أن هذا الجمع، تحول إلى « مهرجان خطابي»، وإعادة إنتاج نفس الخطاب «الأزمة لوطوجي»، حسب تعبير رائد علم الاجتماع بالمغرب محمد جسوس (1938- 2014).
لكن وجب التوضيح أن الغاية ليست الوقوف عند ما يعنيه» لقاء دراسي» وما يتطلبه من شروط، ما أظن أنها كانت غائبة عن المنظمين والمشاركين، بل أولا تناول «أبرز الأفكار» التي أسفر عنها هذا التجمع استنادا إلى ما تضمنته مداخلات الفاعلين الأساسيين المؤسساتيين باعتبارهم أصحاب المبادرة.
لعل أهم ما طرح في هذا اللقاء، ما أعلنه وزير الشباب والثقافة والتواصل في افتتاح اللقاء عن عزم الحكومة القيام بمراجعة شاملة لمدونة الصحافة والنشر، بهدف «التوفر على إعلام مغربي قوي، داخل الوطن وخارجه»، وتأكيده على ضرورة تقييم المرحلة السابقة ومراجعة النموذج الاقتصادي للمقاولة الإعلامية، ورفع الدعم العمومي الموجه إلى الصحف من 65 مليون درهم إلى 200 مليون درهم سنويا، وإحداث مؤسسة وطنية للنهوض بأوضاع العاملين في المؤسسات الإعلامية.

الدور الاستراتيجي للإعلام

رئيس مجلس النواب دعا إلى تأهيل الإعلام الوطني والتعبئة لربح رهان الانتقال الرقمي واسترجاع الدور الاستراتيجي للإعلام في بناء الرأي العام الواعي، وكسب رهان المصداقية، لكنه أقر من جهة أخرى بوجود «سوء الفهم بين السياسي والصحفي»، فالأول – في نظره – مطالب بالانفتاح على وسائل الإعلام وتوفير المعلومات والأخبار القابلة للاستعمال والتحليل، في حين على الإعلامي الثقة في ما تصدره المؤسسات والفاعلين المؤسساتيين والسياسيين.
وإن كانت غالبية المداخلات التي ألقيت خلال هذه التظاهرة، لم تخرج عن المقترحات والتوصيات والمطالب، التي ما زالت حبيسة الرفوف منذ المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال سنة 1993 مرورا بملتقى بوزنيقة في مارس 2005 وصولا إلى « الحوار الوطني للإعلام والمجتمع» سنة 2011، فإنها طرحت أسئلة قديمة لواقع صحفي وإعلامي جديد متغير فاقمته الثورة الرقمية التي أحدثت خلخلة عميقة في المهن الإعلامية.

الإعلام والطابع التقني

ويبدو أن الإشكاليات التي يعاني منها المشهد الصحفي والإعلامي، لا تكتسي طابعا تقنيا، وإنما تتطلب حلولا جريئة، وفق منهجية متعددة الأبعاد في مقدمتها إعادة صياغة العلاقة ما بين الدولة والإعلام في ظل الاستقلالية، مع إصلاح عميق للمؤسسات الصحفية والإعلامية وتكريس الشفافية والحكامة والتعددية.
غير أن ذلك يتعين أن يبدأ بفتح ورش تنقية أجواء الصحافة والإعلام، الذي يمكن للقوى الحية أن تساهم فيها عبر القيام بعدد من المبادرات منها إطلاق سراح الصحفيين خاصة بعدما قال القضاء كلمته، والمساهمة الفعالة في خلق الشروط الكفيلة بضمان ممارسة حرية التعبير والرأي وصيانتهما، خاصة عندما تكون مؤسسات الوساطة ( الأحزاب السياسية -النقابات -منظمات المجتمع المدني)، قد فقدت مصداقيتها، فإن الإعلام يظل فاعلا وحاضرا بقوة، لأنه الأداة الرئيسية للتشكيل الإيجابي للرأي العام.

تراجع منسوب
التضامن المهني

وإذا كانت الديمقراطية ليست مجرد مؤسسات وفصل للسلطات وقضاء مستقل، فإنها أيضا تتمثل في مدى تمكن المواطنات والمواطنين من ممارسة الديمقراطية، بشكل يومي، حتى تتطور، وهو ما يساهم فيه وجود إعلام حر ومستقل وتعددي، من خلال ما يضطلع به في مجال تنشيط النقاش السياسي والثقافي والاجتماعي.
بيد أنه على الرغم من المقتضيات التي جاء بها دستور 2011، فإن العديد من هذه المقتضيات ما زالت تصطدم بإكراهات موضوعية وذاتية، كما ترتبط باكراهات عديدة منها ما يعانى منه الجسم الصحفي من تشرذم وانحسار في التضامن المهني والنقص الحاد في التكوين وأخلاقيات المهنة. ومما يزيد هذا الوضع قتامة، عدم استيعاب غالبية الفاعلين للأدوار الطلائعية التي تضطلع بها الصحافة والإعلام، وعدم إيلاء الحكومة في برامجها الأهمية اللازمة التي يستحقها الإعلام والاتصال الذي بدون الارتقاء به، يكون كل حديث عن أي « إصلاح اقتصادي وسياسي وديمقراطي وإنصاف» غير ذي معنى، وهو ما يتطلب العمل على ترسيخ دور الإعلام كجهاز إنذار مستقل وأداة لليقظة المجتمعية.

الفضاء العمومي تحول إلى فضاء إعلامي بامتياز

ويتعين الأخذ بعين الاعتبار كذلك، أنه نتيجة التحولات التي فرضتها الثورة الرقمية، فإن الفضاء العمومي تحول إلى فضاء إعلامي بامتياز، وأضحت وسائل الإعلام والاتصال موجها لطريقة تمثلنا للعالم، وهو ما جعل علاقتنا بهذا العالم، لا تتم وفق تجربتنا المباشرة، بل وفق ما يقدمه لنا الإعلام جاهزا .
فبغض النظر عن النوايا المعلنة في لقاء مجلس النواب، فإن الأمر يتطلب البحث عن السبل الكفيلة بالارتقاء بمستوى تعزيز برامج التوعية والتحسيس بأهمية حرية التعبير والصحافة والإعلام، وتوطين موقعهما ووظائفهما على المستوى الوطني والجهوي، مع العمل على إدماج قيم ومبادئ حقوق الإنسان في برامج تكوين مهنيي الإعلام والاتصال، والتسلح بقواعد المهنية والمصداقية، وهي أمور قد تساهم في «تحفيز الإعلام الوطني على الاشتغال على أساس منطق الأمة والانتماء الوطني»، كما توخى رئيس مجلس النواب في افتتاح اللقاء.

الكاتب : جمال المحافظ - بتاريخ : 27/12/2022

التعليقات مغلقة.