الفنان التشكيلي الراحل الفاطيمي محمد الفاطمي

عندما ينسج الخيال الحسي مثالية العالم بمدلولات رمزية

 

يعتبر التشكيلي الراحل الفاطيمي محمد الفاطمي من رواد الفن التشكيلي المعاصر بإقليم الجديدة وعلى الصعيد العالمي، وأحد مؤسسي أول جمعية للتشكيليين المغاربة بمراكش ولج عالم الفن التشكيلي نهاية الخمسينيات من القرن الماضي كفنان عصامي بعيد كل البعد عما هو أكاديمي، ظل يعمل في صمت وهدوء بعيدا عن الأضواء، نتيجة العمل المهني الذي كان يزاوله كإطار ديبلوماسي بوزارة الخارجية، مع أننا نلمس من خلال أعماله الجرأة والمغامرة في التعامل مع الألوان والأشكال على غرار من زامنوه آنذاك من قبيل الغرباوي والشرقاوي وبلكاهية والمليحي وهبولي وآخرين، مخلفا أثرا مرجعيا غنيا من اللوحات الفنية أو الكتابات التي تعنى بالشأن الفني والثقافي.
إنه الفنان التشكيلي العصامي الراحل الفاطيمي الفاطمي ابن مدينة الجديدة، المزداد سنة 1937 والمتوفي سنة 2012 بالجديدة. درس في الجديدة لينتقل للرباط حيث استكمل تعليمه الثانوي ومنه سافر إلى فرنسا ليتابع دراسته الجامعية بجامعة السوربون بباريس، حيث حصل على الإجازة في الأدب الفرنسي وشهادة التبريز في الأدب العربي ثم دبلوم العلوم السياسية، ليتبوأ بعدها مناصب مهمة في أسلاك الدولة، كملحق بديوان وزير البريد، ثم رئيسا لمصلحة الشؤون الثقافية بفرنسا، فمديرا لديوان بوزارة التنمية ومستشارا في الصحافة و الأنباء بسفارة المغرب بباريس، وأخيرا مديرا لقسم أوربا وأمريكا بوزارة الشؤون الخارجية، مما خول له ربط علاقات مع نخبة من المثقفين والفنانين المغاربة والأجانب ساهمت بقدر كبير في تنمية وتقوية مداركه وانفتاحه على عالم الثقافة و الفن خاصة التشكيلي منه.
كان مغرما بزرقة السماء وهي في أبهى حلتها وانعكاسها على مياه بحر الجديدة، حيث كان يجد ضالته تتفتق سجيته، لدرجة أنه كان يسمي اللون الأزرق باللون اللامتناهي والقصي، لقد كانت نظرته لهذا الكون نظرة المتفائل والعاشق لكل ما هو جميل. شارك في عدد من المعارض أهمها معرض بدكار 1968 و بكوبا في 1969 ثم وارسو وميونيخ وطهران وتونس وبالجديدة، فيما كان أول معرض فردي له سنة 1968 بباب الرواح بالرباط و 1970 بتونس.
تتموقع أعمال المرحوم الفاطمي في خانة التشخيصي والتجريدي المخففة المشبعة بالإنسانية والدعوة للسلم والحرية. يقول عنه جون لوكونت « مسحاته اللونية غير الظاهرة طوعا تفتن على الشعور ولا تخدش، لا الفكر ولا العين، ذلك رغم تفضيله لدرجات الألوان الداكنة، لكن مع إدماج انفلاتات فاتحة، يقول عنه عبد الرحمان عريس المدير الإقليمي لوزارة الثقافة بالجديدة «مسار الفنان الراحل كان متألقا بقدر ما كان قصيرا زمنيا وقد وقع الفاطيمي محمد الفاطمي خلال أربعين سنة، حوالي مائة عمل ستظل مسجلة بمداد الفخر في رحاب مجمع كبار المبدعين في تاريخ المغرب الفني … منجز هذا الفنان ذي الرمزية الشامخة ضمن ساحة التشكيلية الوطنية يستلزم أبحاثا معمقة حوله لم تنجز إلى حد الآن .»
امتاز الفنان الفاطيمي محمد الفاطمي بقدرته العالية على التعبير عما يتخيله أو ما يستمده من الواقع بأسلوبه الخاص، حيث جعل كل عمل فني أنتجه يعطي معاني متعددة مما يحدث نوعا من الإثارة للمشاهد، ليتجول مع معان تعطي للحياة بعدا تسمو به عن المنطق وتعلو بالروح على الواقع، ففي لوحاته نجده قد تمكن من تقديم مجموعة من المعطيات التخيلية التي تمنح العمل نوعا من السحر، والتعايش مع عالم خيالي بعيد عن التقليدية التي كانت سائدة آنذاك « الانطباعية والواقعية «، مما منحها بعدا جماليا راقيا له مدلولات فكرية داخل خياله الحسي عن مثالية العالم يسعى من ورائها لطرح هذا الواقع ومساءلته.


الكاتب : إعداد : محمد الصفى

  

بتاريخ : 28/12/2022