الكوميدي والمخرج المغربي-اليهودي «جاد المالح» لـ « لوفيغارو».. «البابا فرانسيس بارك لي الإنجاز الكروي المبهر الذي حققه المنتخب المغربي»

في لقاء (إستثنائي) له مع بابا الفاتيكان، قدم الكوميدي و المخرج المغربي – اليهودي «جاد المالح»، نسخة من فلمه الاخير الذي يتحدث عن «العلاقة بين اليهود و النصارى» بين يدي «البابا فرانسوا»، يوم الجمعة 25 دجنبر ب»الفاتيكان»، و الذي يحمل عنوان «إبقى قليلا» (Reste un peu)، في لقاء ب»بابا الفاتيكان» تحدث غنه بشغف و بشكل حصري لجريدة «لوفيغارو» من قبل الصحافي «جون-ماري جينوا».

 كيف كان اللقاء؟

كان لقاءا مختلط المشاعر، و ذلك طبيعي أمام شخصية ذات حضور روحاني قوي و في مكان يعزز من ذلك، و مع شخص لا يخفي عفويته و مرحه بالرغم من قدسية المكان الذي يحتضن اللقاء.. تحدثنا مطولا في مواضيع متنوعة، عميقة في المجمل و سطحية من حين لآخر، في لقاء كان أشبه ب»خرجة مع صديق» و ليس بلقاء رسمي، و هذا واصح من حديثي «العفوي» معه (كنت أعددت و خططت لما سأقوله في حصرته، غير أنني نسيت كل شيء أمام شخصيته العفوية) و هذا ما يميزه، فكل القلق و التوتر يذهب في مهب الريح فور دخول ذلك المكان و التصادم مع هذا الجو الهادئ و الروحاني.

عن أية مواضيع تناقشتم؟

سأبدء من آخر طلب منه لي، قال لي : «أرجوا أن تدعوا من أجلي، بيد أن مهمتي ليست بالهينة»، و كان رجاءا مؤثرا بالنسبة لي.. تحدثنا عن «النور» (كانت رسالتي له تحتوي على هذه الكلمة)، النور الذي يتزامن مع «الحنوكا» و «عيد ميلاد المسيح». تحدثنا كذلك، عن الرغبة في «تعزيز علاقات الأخوة بين المسيحيين و اليهود»، و أيضا على «كرة القدم» حيث هنئته بفوز الأرجنتين (ادهشتني معلوماته عنها).. ليبادر بالحديث عن «المغرب»، و يبارك لي إنجاز المنتخب الوطني المغربي المبهر، و نعقب الحديث عن نهائي المونديال و فريق بلده الذي مثلهم احسن تمثيل (كما ذكر)، كما تحدث عن الفريق الفرنسي و عن مشاركته المتميزة في النهائيات.

 هل كان على علم بقصتكم؟

لقد كان على أتم الإطلاع بقصتي.. لقد ركزت على «الأخوة اليهودية – المغربية» في المغرب، و التي تعتبر «نموذجا فريدا» من نوعه سواء في البلدان العربية أو على الأراضي الإسلامية. لقد قال لي (البابا) ردا علي : «أن هذه الأخوة لا نختارها نحن.. و أن الرب يتجلى في هذه الأخوة و في قلبها تحديدا، و أنه ليس بتلك النجمة أو بالمفهوم البعيدين عنا حيث أنه يتجلى في هذه الأخوة، ليعقب بعدها (في جملة أدهشتني): «ولذلك، أنت اليوم هنا، لأن الرب يرغب في ذلك، في أن تكون جزءا من هذه الأخوة!»، في تلك اللحظة إختلطت المشاعر علي.

 هل شاهد الفيلم؟

إن هذه الفكرة تثيرني و تمدني بكثير من السعادة و القوة كذلك، كما أنها تريحني فيما يخص مجريات الحياة و تقبلي لما تجود علينا به.. إن إعترافه و رأيه سيحيلني إلى تغيير نظرتي حول الأخوة الحقيقية ما بين اليهود و النصارى و هذا الجسر الواجب المرور به و الذي لا يمكن إنكاره.. كل هذا الزخم، يمنحني المزيد من القوة لكي أتعرف أكثر على هذه الرابطة، لكوننا نحتاج اليوم إلى أشخاص منفتحين على هذه الأخوة، ما سيساعدنا على عيش إيماننا بإختلافه و كما نختار كذلك.

 هل ترون أنفسكم جزءا من هذا الإلتزام؟

بكل تأكيد! هذه الأخوة ليست بالمؤسسية و إنما هي شعار للعيش المشترك، و لهذا يطمح البابا برغبته في أن نكتشف بعضنا البعض و نناقش المواضيع الحقيقية، و كما قلت خلال لقائي به: «كوني يهوديا، فقد درست التوراة (الكتاب المقدس اليهودي) في الماضي.. واليوم أنظر أين أنا الآن، برفقة البابا و الفيلم الذي أخرجته»، ليجيبني قائلا: «نحن لا نختار!» لهذا ينبغي أن ننشر كثيرا من الرأفة و الإنفتاح و الحب بين المجتمعين، لكي نواصل السير صوب الأمام معا و يختار كل منا طريقه الأمثل ترافقه فيه الحميمية و إرتباطه بخالقه».

 بذكر «الإله»، كيف تحدثم عنه؟

لقد لمسته المشاهد التمثيلية لوالدي في الفيلم.. قبل لقائي به، دعا كلاهما من أجلي. راقبته و هو يشاهد جزءا من الفيلم حيث تخاطبني أمي: «هل تغير إلهك و دينك.. لما لا تبحث عن من يتبناك أيضا!». هنا، و أثناء عرض الصور، إقترب مني و همس في أذني قائلا: «نفس الإله…» في هذه اللحظة دمعت عيني.

 تحدثم مسبقا عن نجاح الفيلم، و عن أنه سيقفل عداد 500 ألف دخول، فما الذي يعنيه هذا لك؟

أي فيلم في العالم، سواء أكان مرفوضا أو مقبولا، له قاعدة جماهيرية أو لا، لا يمكننا أن ننكر أنه يحررنا بشكل أو بآخر. صحيح أن هذه التجربة أمكنتني من مواجهة أولئك المتشددين المتحفظين، فبغد كل شيء نحن نعيش في مجتمع مختلط عقائديا و فيه ما لا يحصى من المؤمنين و الملحدين. إن ما قدمه فيلمي كان أساسه «الإعترافات»، غير انني أراه الإعتراف النهائي الحقيقي، لكوني عشت برفقته و مع مروره من «التجربة الوثائقية المنعزلة» إلى «الفيلم الحقيقي» عندما تجاوزنا عتبة الإعتراف..
هذا الفيلم دفعني لإكتشاف هذا المجتمع المحب و المؤمن و الشغوف، و منه عدد من الكهنة الذين بعد مشاهدة الفيلم حيث علق أحدهم بالقول: «هذا الفيلم زاد من حماسي و جعلني أعيد إكتشاف مريم العذراء!». كل هذا الترحيب جيد، ما دمنا لا ننسى الكوميديا !.. بالحديث عنها، أخبرت البابا بأنني أسعى لرسم الإبتسامة على وجوه الناس، بيد أن الضحك مهم كما تعلم!.. دون سابق إنذار ضحكنا معا، لقد سعدت بإضحاكه لكوني أحسست برغبته في ذلك.

 بعض من الكاثوليك لم يحبوا الفيلم، حالهم كحال بعض اليهود.. فهل من رسالة لهم؟

لطالما تمسكت بمقولة الكاردينال «جون-ماري لوستيجر» (Jean-Marie Lustiger) التي تختتم الفيلم و سألخصها على هذا النحو: «في خضم خوصي في المسيحية، أعدت إكتشاف اليهودية و تعمقت فيها لدرجة أبعد من أن أنكرها»، غير أن بعض الأشخاص لا يرغبون في سماع هذا. لم يكن إنغماسي أكبر في التوراة إلا بعد إستكشافي للمسيحية و لحياة مريم العذراء..
من جهة اخرى، فبعض من الكاثوليك يرغبون في رؤيتي متخليا عن اليهودية، في حين أن بعض اليهود يرفضون ذلك، فقط لأنني أرى تجلي نور «الحنوكا» و «عيد الميلاد» معا و أستخدمه لأبرز ذلك الدرب، أقصد «درب الأخوة و الإحترام و الإنصات» الذي يخاطبني. لذلك، الآن، و أكثر من أي وقت مضى، أتمنى أن يحل النور (يقصد المباركة ربما) على إخوتي و أخواتي من الكاثوليك و اليهود و المسلمين، و أتمننى أن نحصل على مساحة مستنيرة نتبادل فيها الحديث و نتواصل فيها أكثر و أكثر.

 في الاخير.. هل من أمنية لسنة 2023؟ وهل طلب البابا منك إقتداءا بعنوان الفيلم أن «تبقى قليلا»؟

رسالتي ستكون قصة «شارلز دو فوكولط»، الذي عاش الإهتداء و تنكر في شكل يهودي ليزور المغرب، غير أنه أصبح متيما بصلوات المسلمين. لهذا، سأقول : «كونوا إخوة عالميين»، و هذه رسالتي!.. لقد جئنا من نفس الأرض المسلمة (بطل القصة و جاد)، إلا أنه رحل ليكتشف المسيحية و لتكون هذه هدية الرب إليه، في قصة مدهشة بالفعل.
بالنسبة لسنة 2023، فلايسعني إلا أن أذكر بكلمة واحدة و هي «النور» التي سنواجه بها هذه «الظلامية»، النور الذي يسلط على كل مهم في الكنيسة و ما يتشعب منها مما ينبغي أن أبادر إلى إظهاره برفقة النور على من يبتغي سبيلا له سواء من الشعوب أو ممن تسلط عليهم الأنوار، أو من النور على الأنوار.
– أجاب (متبسما) كان ينبغي أن تصدر من لدني.. لقد رغبت في أن أقول له: «فالتبادر بالبقاء قليلا».


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي عن: «لو فيغارو»

  

بتاريخ : 07/01/2023