شطارا …

شطارا…مسرح آخر ممكن، فرجة مركبة وحركية منسابة تحمل سمات قضايا وأشجان، يتسع المجال خلال العرض لبسط كل الحيثيات التي تحيل على سياق الحكي، دون حاجة إلى الكثير من التفاصيل. هي قواعد تثير في اختلافها أكثر من استفهام حول ما كان يندرج في مقومات النص المسرحي وأدواته التعبيرية التي تحيل على المداخل ودواعي النهايات. لم يعد في المتسع للمشاهد أن يخمن مآلات الحكي ولا أن يكتسب مقومات التفاعل أكثر من أن يواكب العرض باندهاش، أو أن يهتدي لما يستدرجه إليه المخرج بلمساته الفنية في تركيب المشاهد وفق جمالية شديدة الابهار….
شطارا… عمل فني ثلاثي الأبعاد، الأداء المسرحي يحتل فيه جزءا من جمالية التعبير، إلى جانب الموسيقى والشريط السنيمائي، في سرد جوانب من حيوات بشرية، تختلف في أعراقها وأسلوب عرض معاناتها، وتلتقي في سعيها للحد من تبعات ما تعانيه كنوع اجتماعي، من تهميش وغصب لحق العيش في الحياة الحرة الكريمة، ككائن بشري له كل مقومات الفعل الرصين لتحقيق التواصل وتثبيت الذات. لا حدود لمصدر المعاناة، هو الوالد أحيانا، والحبيب المأمول غالبا والغاصب المتربص دوما. لا وجهة تتسع لصد المعاناة وتكبح جنوح الاستهتار في تدمير نفوس بشرية،يجعلها نوع جنسها مرفأ لكل ما تنطوي عليه ذوات خصتها الأعراف بكل جبروت الاستعلاء، من تدمير وتحقير واستصغار.
شطارا…لحظة وعي بالذات وإذكاء لقدرات التحدي والمواجهة الكامنة في كل ذات بشرية. لحظة رفع كل ما ظل يذكي الخنوع والاستسلام. هي هبة اتسعت في كل الربوع لتعيد الأمور إلى نصابها. وتجلي حقيقة قدرات كل كائن بشري بعيدا عن نوع جنسه وقدراته الذاتية. هي لحظة لقاء إرادات من مشارب مختلفة، عقد العزم على تحطيم كل القيود التي تحد من طموح نبيل في تحقيق تكافؤ يتناسب والقدرات.
شطارا…. تجربة متميزة في الإخراج تجاوزت ما يسمح به النص من سعة المجال لعرض أحداث أو ترتيب مشاهد بما يساعد على تقريب فهم المعنى وإدراك الغايات. صاحب كل مشاهد العرض فرقة موسيقية من عازفين، لم يكن موقعهما محدودا في المواكبة وتسهيل سلاسة التلقي، بل كان جزءا من تطوير الفعل الدرامي وتبسيط ما يساعد على فهم بعض تفاصيله. فتحية تقدير وإعجاب للمخرج على كل اللمسات الفنية التي ساعدت في الانتصار لحق المرأة في أن تتبوأ المكانة التي انتزعتها بوعيها الذي اكتسبته من رحم المعاناة وبتقديم التضحيات الغالية للحد من جبروت الاقصاء. لكل ذلك استحق العمل الفني الذي شاهدناه مساء الخميس 12 يناير في إطار المهرجان العربي للمسرح المنعقد بالدارالبيضاء كل التنويه والاعتبار.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 17/01/2023