لوران وغراسييه، الصحافيان اللذان ابتزا الملك «العار أحب إلينا من …السجن!»
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
الصحافة الحرة، شرف الروح الفرنسية »بلغة فيكتور هوغو»، وهو يلدغ «نابوليون الصغير» في كتيب له صدر عام (1852)، تلقت ضربة في مقتل وتم تلطيخها علنيا وقضائيا من طرف من ادعيا في فترة من فترات عمرنا الصحافي أنهما رواد صحافة التحري المجني عليها.
أولهما ايرك لوران، الصحافي الذي يتابع أمام محكمة باريسية منذ الاثنين بتهمة ابتزاز جلالة الملك، والذي لم يجد له من دفاع سوى أن يعترف… وعندما اعترف، لم يجد من وسيلة لتثبيت اعترافه وإقناع المحكمة به، سوى أن يتهم نفسه بارتكاب ….كارثة!
ما قاله هذا الصحافي ننقله عن وكالة فرانس بريس، أي وكالة بلاده حيث أقرَّ المراسل السابق في «راديو فرانس» و«لوفيغارو ماغازين» ومؤلف عدد من الكتب، البالغ من العمر 75 عاما، أمام محكمة باريس الجنائية بـ«خطأ أخلاقي» وبـ «كارثة!…»
هذا الصحافي حاور الملك الراحل ثم شرَّفه المرحوم الحسن الثاني بكتابة حوار ـ سيرة عبر مذكراته في 1993، والتي يحتفظ بها كل مغربي ومغربية مهتم أو مهتمة بالذاكرة، في مكتبة بيته أو مكتبه، ومع ذلك فهذا الحوار لم يدفعه إلى أرقى ما قد يحدث مع العهد الجديد، بل ارتكب جناية الابتزاز واعتبر بأن الاعتراف بالعجز الأخلاقي قد ينقذه، إذ أنه لم يفعل ذلك ليقظة الضمير، ولا أنه استطاع مغالبة شياطين جشعه.
هو فعل ذلك بعد أن تراءت له الزنزانة، من وراء تهمة «الجريمة الجنائية»، التي يطالب دفاع المغرب بمتابعته بها.
ويواجه المتهمان عقوبة السجن خمسة أعوام وغرامة قدرها 75 ألف أورو، لهذا ينكرها متوسلا بفشله في امتحان الأخلاق!
ويبدو أن ذلك خط دفاعهما هو وشريكته في النصب الموحى به، لأن زميلته في الابتزاز وقرينته في اللامسؤولية قد دافعت بنفس الشيء تقريبا عندما صرحت المتهمة كاترين غراسييه (48 عاما) مؤلفة كتب عن المغرب وليبيا، أن الموفد المغربي «أغواها» بعرضه المالي، وقد «تورطت ويؤسفني ذلك!»
الصحافيان اللذان كانا قد نشرا كتابا عن جلالة الملك محمد السادس في العام 2012 نشرا ادعاء، في حبكة مسلسل بوليسي¡ قالا فيه إنهما وقعا عقد نشر جديد مع دار النشر الفرنسية «لو سوي» لإعداد كتاب عن الموضوع نفسه…
غير أن دفاع الدولة المغربية، الأستاذ الناصري، أحرجهما بهذا الخصوص عندما قال «إن مشروع الكتاب لم يكن موجودا أبدا، ليس لديهم أي عنصر لكتابته… المعلومات التي ستهز المملكة المغربية: أين هي؟ لا يوجد شيء»، معتبرا أن الصحافيين رأيا في «محاولة الابتزاز فرصة لـتغيير حياتهما»! وبالعربية تاعرابت «انتهزا فرصة للاغتناء بالابتزاز، كما يحدث مع كل نصاب في العالم ومع كل محتال!…
بعد حالة التلبس المادي، والتي حدثت حالما أوقفا وبحوزة كل منهما 40 ألف يورو نقدا لدى خروجهما من الاجتماع مع موفد الملك الذي قام بتسجيل المقابلات، التي تم خلالها سقوطهما في الشرك بالتوقيع على عقد اتفاق بقيمة 2 مليون دولار لقاء التخلي عن الكتاب الافتراضي، الذي كانا يهددان به المملكة ورموزها، جاءت حالة التلبس الأخلاقية، والتي بينت الطينة التي ينتمي إليها الصحافيان، واللذان تم تقديمهما في حالة من حالات «التلبيس» القصوى باعتبارهما منارة الحرية والمهنية والأخلاق..
هنا الاعتراف بالسقوط الأخلاقي، والإقرار بالابتزاز الأخلاقي، مخافة السجن ومخافة العقوبة الجنائية لا تجاوبا مع صوت الضمير وأخلاق المهنة.
في لحظة من اللحظات والعبد الفقير لرحمة ربه يتابع هذه المحاكمة، تناهى إلي صوت من أعماق القرن الثامن عشر، صوت «روبير سوركوف»، الذي عمل في لحظة من لحظاته العسكرية في مراكب القراصنة، صوت يهمس لهما أيضا: «أنتم الفرنسيون تقاتلون من أجل المال، ونحن الإنجليز نقاتل من أجل الشرف، وكل منا يقاتل من أجل ما ينقصه»!.
القرصان، في لغة الشعراء، عنوان الخوارج العصريين، وهو هنا يدافع عن الشرف، معترفا بأنه… ينقصه، خلافا للصحافيين اللذين أنهكا الأخلاق الصحافية بحروب المال… طبعا بدون أن يعترفا بأنهما خسرا المال.. والشرف معا!
سيكون من بين المصفقين لهذا الانهيار الأخلاقي من سيتهم كل من ينتقد سقوطهما بالعمل «المخزني» ولربما بأن الأموال التي ستحجز في قضيتهما تم تسليمها «للعياشة الداخليين»… لم لا، فهذه كانت تجارة سائرة وسائدة.. حتى يقف العتاة المهنيون أمام محاكم… بلادهم!
ولو أنهما وقفا في قفص اتهام بباريس، لاتهم المغرب أنه يحاكمهما محاكمة غير عادلة ولربما وقع نواب برلمانيون أوروبيون عريضة أخرى دفاعا عن الحقوق الإعلامية!!!
لكن الرجل الذي كتب في مقدمة كتابه عن الحسن الثاني يعطي الدروس في «معني صحفي نزيه» و«الكتابة بموضوعية » قد انزلق في حقل ملغوم بمحض إرادته وبشاشته الأخلاقية والموضوعية التي جعلته يعترف بكارثة وفشل ..أخلاقي هربا من حكم بالسجن.
لقد نجح المغرب بلجوئه إلى القضاء الفرنسي ذاته، وكان من المتوقع أن يحصل نفس الشيء في قضية ما سمي ب «بيغاسوس»، التي ما زالت فرنسا العميقة تجترها، بالرغم من أنها فعلت المستحيل لكي لا تعرض على قضائها هي ذاتها… ولا يمكن أن يقبل المغرب أحكام المدعين والمبتزين، بل صار يجرهم إلى المحاكم، لكي يتم الفرز بين الصحافة الحرة النزيهة، والتي تستطيع فعلا أن تدعي الريادة والأسبقية، والصحافة التي تم تعميمها للترهيب والابتزاز و»البلطجة» المهنية…
أخيرا:
لو أن صحافيي الضفة الشمالية، على حق، لقالا: «ربي السجن أحب إلينا من العار»… لكنهما لا يفعلان…
و«قضي الأمر الذي فيه تستفتيان…»
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/01/2023