« موتشو» حسن أوريد و «أزمة» العروي !

 

بعد روايته الأخيرتين، «رباط المتنبي» و»ربيع قرطبة» يعود الكاتب والروائي والمفكر حسن أوريد برواية جديدة صدرت حديثا عن عن منشورات المتوسط -إيطاليا، بعنوان «الموتشو»، تقع في 432 صفحة من الحجم المتوسط.
يضعنا حسن أوريد في «الموتشو» حسب كلمة للناشر، « أمام مرافعة أدبية لما يعتري العالم العربي، وما يتوزَّعه، وعلاقته بالآخر، منذ الفترة المؤسِّسة، مع حُلْم الوحدة، وما رافقها من انكسار، إلى الربيع العربي، فالأصولية، حتَّى موجة التطبيع».
عقب توزيع النسخ الأولى من الرواية الجديدة عن دار الأمان بالرباط، تناقل منذ بداية هذا الأسبوع مجموعة من المثقفين والكتاب مقاطع من الرواية ، وهي المقاطع التي اعتبروها إطلاق نار عشوائي تجاه أشخاص أو جهات اعتبرها المؤلف مسؤولة عن تردي أوضاع العالم العربي على كافة الأصعدة، سياسيا واجتماعيا وفكريا.إلا أن أنظار الكتاب وردودهم ركزت بشكل كبير على مقطع واحد تضمنته الرواية، والذي اعتبروه إساءة لمفكر ورمز من رموز الثقافة والفكر المغربي والعربي، ويتعلق الأمر بالمفكر عبد الله العروي.
يورد حسن أوريد في هذا المقطع ما يلي:
« يتقنون اللغة التي يزعمون الرغبة في الارتقاء بها. كان مثقف مغربي قد كتب في السبعينات كتابا جيدا عن أزمة المثقفين العرب، والإيديولوجيا العربية المعاصرة، وكان بحق مثقفا جديا لا مكان عنده للمعرفة التقريبية، يتحلى بالصرامة العلمية، ولو أنه أضحى هو نفسه معبرا في خريف عمره، عن الأزمة، لأنه لم يعد يقول شيئا سوى أوان فارغة كما في تعبير الشاعر جبران خليل جبران».
الوصف يحيل على قولة الشاعر اللبناني الآنف الذكر:» لا شيء أثقل من أوان فارغة على رؤوس الجائعين» أو أن الأواني الفارغة هي ما تحدث ضجيجا أكثر.
وصف الإناء الفارغ الذي لا يقول شيئا، أو بلغة أدق الفكر المتجاوَز (تاريخانية العروي في مواجهة إشكالات العالم العربي )، لم يستسغه عدد من المثقفين والروائيين.
الناقد والروائي نور الدين صدوق يرى أن الغائب الأكبر في في ما يحدث من تنقيص أو إهمال أو تجاهل هو ثقافة الاعتراف بالرموز. وتعليقا ما ورد في الفقرة أعلاه ، يقول صدوق: « بما أني لم أقرأ الرواية، وأجهل السياق الذي ورد فيه الكلام عن المفكر المغربي الكبير الأستاذ عبد الله العروي، غير الفقرة المشار إليها أعلاه، أعتقد بأننا بتنا في حاجة لثقافة الاعتراف. هذه الحاجة تقتضي بناء أخلاق للحوار والنقاش متى أتيح ذلك. وأول ما يجدر تمثله في هذا السياق احترام الرموز الوطنية وعدم النيل منها في غياب أي وازع وتحكيم للضمير.»
واستعاد صدوق أنه «في لقاء ثقافي نظم بمدينة الجديدة عن رواية الأستاذ سعيد بن سعيد العلوي «ثورة المريدين»، وفي تدخل له، تمثلت كيف صاغ استشهادا له عن الأستاذ عبد الله العروي و قيمته الفكرية و الأدبية، وكيف عدّه من بين القلائل الذين بصموا اللحظة وخلدوا الاسم على امتداد خارطة الفكر العربي.»
من جهة أخرى أشار صدوق الى أن «الرواية، وكتابة الرواية، ينبغي أن لا تنخرط في مثل هذه التوجهات بحثا عن غايات وأهداف مجهولة. ذلك أن ما جاء به الأستاذ العروي سيظل حاضرا على امتداد الخمسين سنة القادمة. والدليل أن ما كتب لاحقا هنا وهنالك، بمثابة استلهام وتفكير في ما عبر عنه من طرفه. فما تحظى به كتاباته وإلى اليوم، الدليل الكافي لمن يجيد القراءة ويتعمقها بموضوعية وتبصر عميق».
الباحث والأكاديمي المتخصص في التاريخ، عبد الحكيم الزاوي في تعليقه على ما ورد بين ثنايا الرواية عن انحسار أفق التفكير عند الأستاذ عبد الله العروي وعجزه عن تقديم أجوبة لأسئلة الواقع المعاصر، علق قائلا:
«إن العروي ظل وفيا لمساره الفكري الذي بدأه منذ صدور كتابه «الإيديولوجيا العربية المعاصرة « و»العرب والفكر التاريخي». الكتابان في وقتهما كانا يبصمان بحق على ولادة تجربة فلسفية نقدية تعلن عن ميلاد مشروع فلسفي وضع من مسألة القطيعة مع التراث والأخذ بالتاريخانية مُحددين لتحقيق النهضة والتحديث والقطع مع الماضي…العروي وقتها كان عقلا يعقل عقله وعقل الآخرين…كل الإسهامات التي صدرت بعد الكتابين لم تكن سوى استئناف لنفس القول والرؤية، في التخييل الروائي أو التفكيك المفاهيمي أو حتى التحليل السياسي…
وأضاف الزاوي أن « أوريد يعيب على العروي تكرار نفس التحليلات على الرغم من تغير السياق وتحول الزمن…ثمة تحولات كبرى حسب أوريد اعترت بنى العالم العربي لم تسر في نفس الرؤية التي نافح عنها العروي. لا غرابة، أن يقرأ قارئ اليوم فيها نوعا من المحافظة في سياق مفعم بالتجاذبات.»
الناقد والشاعر الطيب هلو اعتبر أن النظر إلى السجال الدائر حول رواية «الموتشو» لحسن أوريد الصادرة مؤخرا يمر عبر مجموعة من الزوايا، منها:
1 ـ طبيعة العمل السردي ومنسوب المباشرة فيه، ذلك أن أفق توقع قارئ الأعمال السردية يجعله ينظر إلى الرواية باعتبارها عملا سرديا تخييليا موازيا للواقع وليس نقلا حرفيا له، كما أن العمل الروائي، بوصفه فنا، يمنح الكاتب فرصة تمرير المواقف والرسائل التي يريد لكن بطريقة فنية تحتاج إلى مجهود من القارئ لكشفها وفهمها، ولا يقدمها بطريقة مباشرة واضحة، كما في المقاطع القليلة التي قام ب»تسريبها» من تمكنوا من قراءة الرواية، خاصة الموقف المباشر الذي عبرت عنه رواية «الموتشو» من المفكر المغربي عبد الله العروي.
2 ـ المقطع الذي أثار الجدل كان حديثا مباشرا من جهة، حيث بدا بشكل واضح وبلا لبس أنه قصف مباشر لقامة فكرية يقدرها الكثير من المثقفين المغاربة هو عبد الله العروي، فلم يشك أحد أنه المقصود بتلك العبارات، حيث وصف بعبارات قاسية من قبيل أنه «صار معبرا في خريف عمره عن الأزمة» وأنه «لم يعد يقول شيئا سوى أوان فارغة» على الرغم مما يبدو من مدح ظاهري له في بداية المقطع بالقول إن العروي «كتب كتابا جيدا» وأنه «كان بحق مثقفا جديا»، حيث رأى الغاضبون فيه انتقاصا من قيمة فكرية كبيرة «قدمت خدمات جليلة للثقافة المغربية» وأنه «تنويري ومفكر كبير»، وأن منتقده لا يرقى إلى قيمته الفكرية.
3 ـ يلاحظ أيضا أن النقاش انحرف عن مناقشة الرواية إلى مناقشة بعض مواقف عبد الله العروي السياسية، بل إن منهم من ذهب ليقارن بين العروي ومحمد عبد الجابري، فصار الكلام الذي تم تسريبه مجرد ذريعة لتصفية حسابات فكرية وسياسية ومطية لها.
4 ـ هناك أمر جدير بالانتباه هو مدى صحة الحكم، من خلال مقطع بسيط لا يتجاوز خمسة أسطر، على رواية تقع في 430 صفحة، ولم يتم توزيعها على نطاق واسع بعد. فضلا عن أن المقطع يحتمل أنه ورد على لسان إحدى الشخصيات وأنه لا يعبر بالضرورة عن رأي المؤلف، كما قد يدافع كاتب الرواية عن نفسه.
لا يكترث صاحب» مفهوم الدولة» و «نقد المفاهيم « – الذي أنتج العديد من الكتب عن الحداثة في الفكر العربي، وسعى من خلال مشروعه الفكري إلى توجيه العقل العربي نحو استيعاب أسس الحداثة الغربية والشروط التاريخية التي أنتجتها، ومن ثم توجيه الفعل باتجاه تحقيق تلك الشروط التاريخية وسلك الأسباب المؤدية إلى استنبات حداثة عربية، تقطع مع المنهج التوفيقي الذي شوش على الفكر العربي منذ عصر النهضة، وعلى الزمن المعاصر وشروط الانتماء إليه عربيا- لا يكترث، كعادته، بما يثار حوله من انتقادات هو الذي عبر عن ذلك في كتابه «خواطر الصباح « بجملة بليغة:» لقد انعزلت لأنني تأذيت».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 21/01/2023