الابتزاز…

ذ. صلاح الدين الشنقيطي (*)

لم يجد البرلمان الأوروبي موضوعا لتوصيته المعلومة، من دون كل دول العالم، ولا سيما تلك الواقعة شمال إفريقيا، والتي تعيش وضعا حقوقيا متأزما وتراجعا عن الحريات وتكميما للأفواه، سوى المغرب، ولا حاجة للتفصيل، فكل شيء واضح…
لم يجد البرلمان الأوروبي لكي يتحدث عن بلادنا سوى موضوع كان محل نظر للقضاء وأصدر فيه أحكامه، ومُتع فيه المعنيون بكل مراحل التقاضي، مستفيدين من كل الضمانات القانونية، فهل بهذا التدخل لا يزال البرلمان الأوروبي يدعم استقلال القضاء وسلطته في إصدار الأحكام وفق القوانين المعمول بها؟
لم يجد البرلمان الأوروبي زمنا آخر لإصدار هذه التوصية، سوى هذا التوقيت الذي يتنامى فيه العداء لبلادنا داخل مكونات من أوساطه، بعد حلقات من التهجم، وادعاءات بتقديم منافع وهدايا، إلى سحب إمكانية تأسيس مجموعات للصداقة البرلمانية…
لم يجد البرلمان الأوروبي ما يعيب به مسارنا الديمقراطي والحقوقي، والذي تشهد به أجهزة ومؤسسات أخرى للاتحاد، بأن المغرب شريك استراتيجي، ملتزم، ويكفي أن نعيد التذكير بما صرح به بوريل خلال زيارته الأخيرة والعبارات له “شريكا موثوقا وقويا واستراتيجيا”، أم أن هذه الصفات هي التي تخيف، وتشكل الخلفية الحقيقية لمثل هذه التوصية؟
لم يجد البرلمان الأوروبي من جواب على تحذير وزير الخارجية ناصر بوريطة حين صرح “بأن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي تواجه هجمات إعلامية متكررة وهجمات داخل البرلمان»، سوى التأكيد على تخوفاته، بل ومنحها الكثير من الحجية والمصداقية…
لم يجد البرلمان الأوروبي ما يمكن أن يلوي به ذراعنا، ويذكرنا، بكثير من الاستعلاء، بحقبة الاستعمار، سوى موضوع تابعه المغاربة واختلفوا في تقييمه، لكنهم انتهوا إلى احترام قرار القضاء فيه حين نطق بكلمته الفصل…لا سيما وأن المتابعين في هذه الملفات لم يتابعوا على كلام صرحوا به أو كتابات حرروها أو موقف عبروا عنه أو تبنوه…لذلك، على البرلمان الأوروبي أن يبحث في بقعة جغرافية أخرى عن حرية الصحافة والتعبير، وعن إغلاق الجمعيات، والسيطرة على الإعلام، وتجييش كل شيء…فبلادنا قوية باختياراتها، ومؤسساتها، ومصداقية خطابها المقرون دائما بالالتزام بالفعل، فلم يعد اليوم مقبولا أن يكون خطاب الأوروبيين إلينا وحولنا مزدوجا، شق يشيد وشق يبحث عن شماعة…طرف يبحث عن المزايا الاقتصادية والشراكة الاستراتيجية، لكن ليس مستعدا لدعم قضايانا المصيرية والترابية !
لكل ذلك، استنكر المغاربة مضمون التوصية وتوقيتها والجهات الدافعة إليها، لقد فهموا الرسالة، وعرفوا من حررها، واستوعبوا غايتها، وبالمثل ردوا عليها عبر مؤسساتهم الدستورية، لأننا دولة تؤمن حقيقة بفصل السلط وسيادة القانون، وباستقلال القضاء…لقد تمت محاسبتنا في الماضي عن عدم توفير مكانة مستقلة للقضاء وعدم تمتيعه بوضعية السلطة المستقلة، وحين تداركنا ذلك، يسوغون لأنفسهم، دون أي احترام للسيادة وللدستور، التدخل في الشأن القضائي الوطني…
لقد عبثت رائحة الغاز، مع الأسف، بصواب البرلمان الأوروبي، والبحث عن بديل لطاقة روسيا أفقده بوصلة التمييز والتثبت، والحرارة التي دبت في أنابيب الغاز القادم من الضفة الجنوبية للمتوسط، أعمت الأبصار وكذا العقول…فتحول البرلمان الأوروبي إلى واجهة للابتزاز .وأي ابتزاز !

(*)عضو مجلس النواب

الكاتب : ذ. صلاح الدين الشنقيطي (*) - بتاريخ : 25/01/2023

التعليقات مغلقة.