هل تتصاعد الإسلاموفوبيا في إسبانيا بعد حادثة الجزيرة الخضراء؟

أحمد نورالدين

بعد حادثة اغتيال راهب إسباني في الجزيرة الخضراء من قبل مهاجر في وضعية غير قانونية من جنسية مغربية، لم يكن اليمين المتطرف ليترك الفرصة تمر دون الركوب على موجتها وصب مزيد من الزيت على نار خطابه العنصري المطالب بطرد كل المهاجرين من إسبانيا وتحميلهم كعادته دائما كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها المملكة الإيبيرية.
وهذا ما قامت به فعلا أحزاب متطرفة دأبت على الاصطياد في الماء العكر لزيادة شعبيتها، مثل حزب «فوكس» الذي استغل هذه الحادثة لإطلاق تصريحات معادية للإسلام والمهاجرين عموما. كما سارعت جهات متطرفة أخرى، لم تكشف السلطات عن هويتها، إلى كتابة عبارات «الموت للإسلام» و»الموت للمغاربة» على جدران مساجد في مناطق إسبانية متفرقة منها برشلونة بعد الحادثة مباشرة.
ومن المتوقع أن تكون هناك ردود فعل شخصية لدى فئات إسبانية تحمل في مخيالها الجمعي ما يكفي من «الكليشيهات» والأحكام الجاهزة ضد «المورو» منذ عهد حروب الاسترداد ووصية الملكة إيزابيلا الكاثوليكية ضد المغاربة في القرن الخامس عشر، إلى الحرب الإسبانية الأهلية في القرن العشرين، والتي تم إقحام المغاربة فيها من طرف الجنرال فرانكو دون أن تكون لهم فيها ناقة ولا جمل. وإذا أضفنا إلى هذه الخلطة السحرية عامل التوتر الدائم الذي يخلقه استمرار احتلال سبتة ومليلية وبقية الجزر الإحدى عشرة، فإننا سنكون أمام كوكتيل «مولوتوف» قابل للانفجار في كل وقت وحين.
من هذه الزاوية يمكن أن نؤكد أن هناك تزايدا للإسلاموفوبيا التي تختلط في أذهان فئات معينة عن قصد أو غير قصد بكراهية المهاجرين وخصوصا «المورو» منهم، لما يمثلونه من إسقاطات تاريخية وحضارية.
ومن مظاهر هذه الظاهرة المحزنة تزايد الاعتداءات  العنصرية على المساجد والمصليات مثل ما وقع سنة 2021 في مسجد “كابيزو دي توريس”، الذي دنست جدرانه وألقى المهاجمون بجانبه رأس خنزير. وفي يونيو 2021، اغتيل المهاجر المغربي يونس بلال وعمره لم يتجاوز 35 ربيعا عبر إطلاق رصاصات عليه في مورسيا بدوافع عنصرية. وخلال الشهر نفسه، تعرض مؤمن قتيبي، مغربي آخر، لهجوم بشع من قبل إسباني عنصري هشم راسه بقضيب حديدي. وهذا فيض من غيض، فقد أحصت منظمات مناهضة للعنصرية في إسبانيا وحدها أزيد من 500 حادثة اعتداء على المسلمين في سنة 2017. وتشمل الاعتداءات اللفظية والبدنية في الشارع العام، وتدنيس المقدسات وغيرها. وهي أعمال عنصرية بغيضة لا تختص بها إسبانيا بل أصبحت تشكل عدوى أصابت معظم البلدان الأوربية، وما حوادث إحراق القرآن الكريم في هولندا والسويد عنا ببعيدة، وكلها جرائم بدافع الإسلاموفوبيا والعنصرية، ولا تقبل أي تأويل آخر.
ومع كل ذلك لا يمكننا في الحالة الإسبانية أن نعمم الأحكام ونتهم غالبية الإسبان برد فعل جماعي أو شعبي بعد حادث اغتيال الراهب، يؤدي إلى تأزيم وضعية المهاجرين المغاربة والمسلمين. بل أزعم أن هذا الأمر مستبعد بناء على مؤشرين رئيسيين:  الأول هو أن أكبر عملية إرهابية تعرضت لها إسبانيا كانت سنة 2004 في عهد حكومة اشتراكية، وراح ضحيتها حوالي 190 قتيلا، ورغم ذلك فإن نتائج التصويت في الانتخابات التشريعية الموالية سنة 2008 أبقت الاشتراكيين في سدة الحكم لفترة انتدابية ثانية. ونحن نعلم أن اليسار إلى جانب الخضر هما الأقل تشددا مع المهاجرين في أوربا كلها، ولو كان للعملية الإرهابية تأثير جماعي مباشر لكان التصويت لليمين أو اليمين المتطرف.
ثانيا: في 2017 شهدت برشلونة عملية إرهابية مدوية راح ضحيتها 13 قتيلا، وكان اليمين في السلطة، ولكن نتائج الانتخابات التشريعية بعد أقل من سنة كانت عقابية حيث جاءت إلى الحكم باليسار سنة 2018، ولم تأت بأحزاب تروج لأيديولوجيا كراهية الأجانب أو كراهية المهاجرين، عكس ما كان متوقعا في مثل هذه الحالات.
بناء على ذلك، وبكثير من التحفظ لأن العلوم الإنسانية ليست علوما دقيقة كالرياضيات أو الفيزياء بل تتعاطى مع ظاهرة معقدة هي الإنسان، يمكننا أن نقول إن الشعب الإسباني نسبيا ليست له ردود فعل جماعية متطرفة إزاء العمليات الإرهابية وربما لديه نوع من الحصانة الجماعية تكفي للتميبز بين الأغلبية الساحقة من الجالية المغربية أو المسلمة التي تحترم قوانين بلد الاستقبال وثقافته، وبين أقلية أو حالات شاذة من الأفراد الذين يتم تجنيدهم لخدمة إيديولوجيات متطرفة أكثر ضحاياها من المسلمين أنفسهم، حيث تؤكد مراكز الإحصاء عبر العالم أن 90% من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين.
وبالنسبة للعملية الأخيرة، وإن كان القضاء هو من سيحسم الأمر، لا يبدو أن لها علاقة مباشرة بإيديولوجيا الإرهاب بل هي أقرب إلى عمل فردي بدوافع شخصية، ربما تكون مجرد ردة فعل يائسة من مهاجر في وضعية غير قانونية كانت السلطات الإسبانية بصدد إجراءات ترحيله.
وأيا كانت ردود فعل الشارع الإسباني، في هذا الاتجاه أو ذاك، فإنه لم يعد مقبولا من النخب السياسية الأوربية كلها وليس الأيبيرية وحدها، أن تتعايش مع ظاهرة الإسلاموفوبيا التي وثقتها منظمات أوروبية محايدة أحصت آلاف الاعتداءات على المسلمين وعلى أماكن عبادتهم خلال عام واحد في عدة دول أوروبية. وعليه فقد أصبح من واجب الحكومات والبرلمانات الأوربية سن قوانين مناهضة للعنصرية والإسلاموفوبيا كما فعلت من قبل لمواجهة ظاهرتي الإرهاب ومعاداة السامية. فهذه مسؤولية أخلاقية وسياسية للنخب الأوربية تجاه أزيد من عشرين مليون مسلم يعيشون في أوربا، من حقهم أن يعيشوا بسلام وأمن وفقا لمعتقداتهم، ومن حقهم أن يحظوا بالحماية القانونية في الدول التي يعيشون فيها كمواطنين أو كمهاجرين يؤدون واجباتهم الضريبية والمدنية والقانونية، ومن حقهم كذلك ألا يعاقبوا جماعيا بما ترتكبه الشاة القاصية أو بالأحرى الذئب المنفرد.
في الحالة المخالفة، ستكون النخب السياسية متواطئة بسكوتها عن التيارات العنصرية، وقد يزداد شعور المظلومية لدى تلك الجاليات المسلمة، مما سيجعلها أكثر عرضة للاستقطاب من طرف الإيديولوجيات المتطرفة، ولا أظن أحدا يرغب في وقوع هذا السيناريو الكارثي الذي تبشر به جماعات «هرماجدون «!

الكاتب : أحمد نورالدين - بتاريخ : 31/01/2023

التعليقات مغلقة.