«واحة تينونا أو سر الطائر على الكتف» لأحمد التوفيق

حين تبحث الأشجار عن تربتها

حين أنهيت قراءة الرواية الأخيرة للأستاذ والكاتب المؤرخ، سي أحمد التوفيق» واحة تينونا أو سر الطائر على الكتف» الصادرة مؤخرا، شعرت بالحاجة إلى ما يمكن أن تقدمه الرواية للتاريخ من إضافات، وما يمكن أن تملؤه من ثقوب وبياضات.حقلان مختلفان لكنهما يتكاملان، أحدهما يتحدى الآخر. أحمد التوفيق يعي هذا الرهان، بطريقته في التعبير، وفي صوغ الحدث.
سيخطئ من يناقش الرواية من زاوية الجنس الأدبي، أو من علمية التاريخ وأدبية الرواية. لأن المؤلف يعرف أن الأمر فيه اختلال ما. تنجح الرواية حين يكتبها كاتب مشارك، يعرف أن العالم يعيش أزمة تشبه إلى حد ما أزمة بدايات الحضارات الكبرى، وأن الاستمرارية والديمومة أهم أوهام التاريخ .
في نظري ليس التأهيل الروحي جوابا عن موت إيديولوجيا التقدم والحداثة، وغيرها مما أفرزه القرن 19م بخاصة، الذي أنتج فلسفات للتاريخ عظيمة في زمنها. ولكن الرواية كما تكشف بعض خيوطها، وتمفصلات أحداثها، وفي حبكتها، عن تجريب في كتابة عرفانية لملامسة الحقل الاجتماعي بأسئلة الحاضر، وبوعي التاريخ كانفصال في الزمن وبالشاهدة. كأنه إسراء خفي لإعادة صياغة السؤال الثقافي في مغرب الزمن الراهن.ربما!
وقد تُوسم خطأ الرواية بأنها جنس عاطفي ولكنها ليس كذلك دائما .إذ بالرغم من تمحورها حول علاقة الشيخ أحمد بالجارية أروى، أو علاقة شيخ الواحة بزوجته أروى، وهي جارية قدمت هدية له في الرحلات التجارية»اكابار» القادمة من السودان الغربي في اتجاه الواحة ومنها إلى فاس ثم إلى البحر الأبيض المتوسط شمالا.
إلا أن الرواية سواء من خلال شخوصها، أو من خلال سرودها، فهي تعالج قضايا اجتماعية، في مجالات كانت ولاتزال ترتبط تاريخيا بالمغرب تهم بالأساس قضية العبودية في بلاد السودان والتي مازالت بعض بلدان جنوب الصحراء والساحل تعرفها، وتعاني من آثارها الاجتماعية. كما تطرح إشكال السلطة في المجتمعات الواحية بالصحراء، بالإضافة إلى أهمية تجارة القوافل الصحراوية ودورها في العيش والكسب، وفي الفروقات الاجتماعية بين الأعيان والفئات الهشة، وعلى رأسها العبيد والجواري.
كما أن أهم قضية تثيرها الرواية، كما سبق التنويه إلى ذلك ، ويدافع عنها التوفيق ويريد إبرازها، هي مسألة التطهير الروحي وأهميته في الخلاص من أردية السلطة والمال والتملك، إلى الصفاء الروحي والتشوف إلى حياة أخرى، تسود فيها قيم العدل والمساواة والتحرر.
وهذا نجده يتحقق من خلال سردية صوفية تألق فيها السارد/المؤلف في إبراز وضبط علاقة الشيخ بالمريد، والمراحل التي يقطعها المريد إلى مرحلة التأهيل الروحي،والوصول إلى «سر الطائر على الكتف» من خلال ما وقع للشيخ احمد، وانتهاء بابنه نور وعلاقة هذا الأخير بأمه وبالمجتمع، وانتصارا للقيم الروحية على القيم الدنيوية.
هل يمكن اعتبار الانثربولوجيا الثقافية تاريخا، تعالج من خلاله الرواية عالما متحركا، يستند إلى متخيل صوفي، ويسائل قضايا تاريخية جديدة، لها راهنيتها، ترتبط بسؤال العقليات في كبح أو تطور بنيات المجتمعات الواحية التقليدية؟
هل يريد أحمد التوفيق أن يكتب رواية مغربية، تعكس ثقافته الصوفية، انطلاقا من المرجعية المغربية، بمعجم صوفي عرفاني،غاية في المتعة والجمال تعكس ذوقه الفني والروحي، وثقافته الإسلامية المغربية؟
عادة ترمز الواحة إلى دور الماء في الحياة وفي الصحراء،انتعاش روحي لجفاف يسود باسم الاحتباس الحراري، في الطبيعة وفي العلاقات وربما في الفهم.
قد يكون الطائر الذي يحط على الكتف، كتابة عن حل لغز وسر الانتباه، ليس إلى الصورة،أو خوائها في مرآة الواقع، ولكن في إعادة الاعتبار إلى نور الباطن الذي يسكن الإنسان ولا ينتبه إليه، قد يحضن قلب عاشق، لا ينسى الحياة ولكنه يتجه اليها بالعودة إلى الجذور، حيث الأشجار تبحث عن تربتها في الاستحالة، مشكاتها امرأة جارية، مثل نهر المعرفة.


الكاتب : جمال أمّاش

  

بتاريخ : 03/02/2023