المغرب وإسبانيا: قمة لتجسيد مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البلدين

دخلت إسبانيا والمغرب، المرحلة الجديدة التي اتفقا عليها بشكل ثنائي في سابع أبريل من سنة 2022، وهي خطوة عملية في تدشين مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الدولتين، وهو ما يشكل بحد ذاته، عنوان برنامج متكامل لبلدين جارين يعيشان جوارا جغرافيا وتاريخيا وثقافيا وجيوستراتيجيا غير مألوف في العلاقات الدولية.
لقد أعلن الملكان، محمد السادس وفيليبي السادس، الانطلاقة في نداء وتصريح، في عمق الموجة الهائلة التي أطلقتها الأزمة، كان الملك محمد السادس قد وجه نداء التقطته القيادة الإسبانية بدورها وردت عليه بالسير جميعا نحو المستقبل.
ولعل المصادفة والتزامن يفيدان التاريخي والموضوعي، عندما تزامنت القمة مع رسالة الملك محمد السادس للعاهل الإسباني بمناسبة ذكرى عيد ميلاده، حيث كانت المناسبة سانحة وصالحة، من خلالها جدد جلالة الملك محمد السادس ما سماه في رسالته «مدى تقديري لأواصر الصداقة الراسخة التي تربطنا شخصيا وعائلتينا الملكيتين، وكذا لعلاقات التعاون المتميزة التي تجمع بلدينا والتي نحرص سويا على ترسيخها والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات شعبينا الصديقين».
ولم يكن في الأمر بلاغة بين صديقين ونظامين ملكيين يضمنان الوحدة والجوار، بل كان أيضا برنامج عمل يمكن التأشير عليه بأنه برنامج عملي، ينفذ بتدقيق يليق بالمرحلة غير المسبوقة…والعمق فيه، الديمومة والطموح.
العبارات منتقاة بدقة تتجاوز البلاغة الدبلوماسية التي تعقب عادة تجاوز الأزمات…
ولعل الأكثر أهمية هو أن الفترة التي تفصلنا عن بيان «بناء الثقة»، أي تسعة أشهر بالتمام والكمال، قد أفرزت مناخ الثقة الذي مكن من الانتقال إلى اللحظة الحالية.
وتعرضت الدولتان لضغوط كبيرة منها الإقليمي والثنائي، ومنها التجاري والديبلوماسي، بعضها من داخل منطقة أوروبا والبعض الآخر من محيط المغرب، ونذكر منها الموقف الجزائري الضاغط على حكومة بيدرو سانشيز، والتعبئة المؤسساتية والجماهيرية ضده، والتحرك الفرنسي الملغوم ضد المغرب وإسبانيا، محاولة تعبئة البرلمان الأوروبي ضد المغرب، وضرب الإسفين وتلغيم مهام رئيس الحكومة .. وفي كل ذلك لم تنصع إسبانيا، ولم يتردد بيدرو سانشيز والاشتراكيون الإسبان في الدفاع عن أهمية المغرب، كما حصل منذ أيام أمام الكونغريس الإسباني..
ويضاف إلى ذلك الاحترام الكامل للالتزامات، والحفاظ على التشاور والابتعاد عن أي قرارات أحادية الجانب..
بالنسبة للمغرب، كانت عتبة الانطلاقة هي أعز ما يطلبه، أي إقرار إسبانيا بأهمية قضية الصحراء بالنسبة لبلادنا، وهو ما يعني أنه لا أحد في مراكز القرار الإسباني سيضع حق المغرب موضع ميزان سياسي وتكتيكي، وأن الحكم الذاتي هو مركز التوجه.
النقطة الثانية أن خارطة الطريق تم إنجاز الكثير منها، ولاسيما ما ارتبط بالأزمة السابقة، وعلى سبيل الذكر: الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين الذي تم استئنافه والإعلان عنه من طرف فريق العبور المشترك، إطلاق الاستعدادات لعملية «مرحبا»…
وفي جانب آخر هناكم مواضيع تخضع للتقدير الاستراتيجي العميق الذي يشكل حجر الزاوية في تقدير الموقف الدبلوماسي لكل بلد، بما ينعكس على المستقبل.
بالنسبة للهجرة تضمنت الأجندة المتفق عليها في بلاغ 7 أبريل الماضي، بعض الترتيبات المرحلية تمت في الصيف …
ومن المفروض أن اجتماع القمة سيبت في العديد من التقارير في هذا الباب، تقوم بها فرق العمل واللجنة المحدثة في إطار تجاوز الأزمة…
ومن ذلك: النقطتان 10 و12 المرتبطتان بـ» إعادة تفعيل التعاون القطاعي في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، من بينها: الاقتصادي والتجاري والطاقي والصناعي والثقافي «، وما له علاقة بمجال التربية والتكوين المهني والتعليم العالي كأولوية خلال هذه المرحلة الجديدة، وما يرتبط بها من آليات منها «إحداث فريق عمل متخصص»…
وقد نعرف معطيات أخرى من خلال القمة، لاسيما عن عمل اللجنة المكلفة بالسهر على تنفيذ مضامين البيان المشترك، المعلن عنها في النقطة 16، والتي نصت على أن يقوم «صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة رئيس الحكومة الإسبانية السيد بيدرو سانشيز بتعيين لجنة مكلفة بالسهر على تنفيذ هذا البيان، في أجل 3 أشهر».

البعد الأوروبي للقمة المغربية الإسبانية

القمة المغربية الإسبانية التي انطلقت يوم 1 فبراير الجاري، ذات أهمية بالغة، باعتبارها أولا، أول قمة بعد سبع سنوات من الغياب، أي منذ حكومة اليميني ماريانو راخوي، وهي ثانيا، قمة بعد الأزمة التي عصفت بالعلاقة بين البلدين في 2021، وهي بالتالي قمة لبناء علاقة ثقة وطيدة تسير نحو المستقبل، من خلال صناعة نموذج رفيع من الجوار الأورومتوسطي البناء.. لبلدين يملكان معا واجهة أطلسية تميزهما عن باقي بلدان حوض المتوسط وشمال إفريقيا، وهو ما يجعلهما حارسين ملحميين لبوابة المتوسط في لحظة تحول جيوستراتيجية كبيرة…
في الجدول الدولي للعلاقات، التي تحظى بنقاشات مستفيضة في الأدبيات الجيوسياسية، تمثل إسبانيا جنوب الشمال، ويمثل المغرب شمال الجنوب…
لقد وضع بيدرو سانشيز المعادلة الأوروبية المغربية في قلب العلاقات الثنائية، ولهذا قال:
«إن مصلحتنا الحفاظ على أفضل العلاقات، ليس من أجل إسبانيا فحسب، ولكن أيضا من أجل الاتحاد الأوروبي‫…‬ والحقائق والواقع يؤكدان أهمية المغرب بالنسبة لإسبانيا وأوروبا». وأكد أنه «سيدافع دائما عن الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب». هذا الحرص الإسباني على البعد الأوروبي في العلاقات المغربية الإسبانية يأخذ قوته الدلالية من السياق الحالي، الذي ورطت فيه نخبة إيديولوجية وسياسات منافقة البرلمان الأوروبي، ورطة غير مألوفة نجمت عنها توصية غريبة عن المناخ العام الذي يربط الكيان الأوروبي بالمغرب‫.‬
كما أن الاشتراكيين الإسبان الذين يتولون رئاسة الاتحاد الأوروبي، ينطلقون من أهمية المغرب للقارة العجوز، بشكل جماعي أو بشكل فردي يهم كل دولة من الدول 27 المكونة للاتحاد الأوروبي‫.‬
البعد الاقتصادي وازن، وضاغط على الطبيعة الضاغطة للعلاقات بين أوروبا والمغرب، ‬باعتبار أنه في قلب العلاقات مع أوروبا، باعتبارها الشريك التجاري والمستثمر الأول للمغرب، علما أن 60 ٪ منها تعود لإسبانيا‫..‬
الإسبان يدركون أن هناك حاجة استعجال، عبر عنها الديبلوماسي الإسباني غوستافو دي اريستيغي، بوضوح كامل، وعنوانها السعي الحثيث نحو اندماج أورومغربي لاقتصاديات الطرفين، والمغرب في هذه الشبكة هو الدولة الشريكة التي تحظى بمرتبة عالية ورفيعة كدولة من خارج الاتحاد الأوروبي، أي أرفع وأعلى مستوى ممكن بدون أن يكون عضوا، ولعل ما يحسن بنا الختم به هو العبارة التي قالها الديبلوماسي أعلاه ومفادها : « هناك بطبيعة الحال دول، في سياق التنافس الحتمي الذي لا محيد عنه، ليست سعيدة للغاية بأن تكون إسبانيا، وما هي إلا القوة الرابعة في منطقة اليورو، أكثر أهمية في التبادل التجاري الثنائي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب‫..‬أكثر أهمية من دول اقتصادها أكبر من الاقتصاد الإسباني، مثل فرنسا وألمانيا أو إيطاليا».
من المناسب جدا للمغرب أن يكون له صديق يثق فيه، ويدافع بوضوح عن الصداقة، ويدفع ثمنها السياسي والأخلاقي الواجب دفعه‫..‬. ‬


بتاريخ : 03/02/2023