تقرير: «تصاعد الفساد» يؤجج الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أعلنت «منظمة الشفافية الدولية» في تقريرها لسنة 2022، في الركن الذي يخص منطقة «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، عن انخفاض متوسط «مدركات الفساد» في المنطقة من حيث المؤشر الذي يخصه، مواصلا الاستقرار عند معدل (38/100) منذ ما يزيد عن 10 سنوات، لكون المنطقة لا تزال تكافح «الاستبداد» حتى مع «التغييرات القيادية» التي أثارتها «انتفاضات الربيع العربي» منذ أكثر من عقد من الزمان، والتي فشلت في نهاية المطاف في «تفكيك هياكل السلطة» التي تسمح ل»من هم في القمة بالاحتفاظ بالسيطرة وإعاقة النزاهة السياسية» متسببا في «انتشار «الاضطرابات المدنية» و»الصراعات العنيفة» وحيث «يقاتل» الناس من أجل «أن تسمع حقوقهم وأصواتهم»..
في ما يخص «مؤشر مدركات الفساد»، فإنه يصنف «180 دولة و منطقة» على مقياس يتراوح من صفر (0 = «فساد مرتفع») إلى 100 (100 = «لا فساد»)، بناء على درجة الفساد المتصور في القطاع العام (استمر التنقيط الدولي على 43/100 منذ عقد من الزمن، 50 دولة لم تحقق النتيجة المطلوبة و 26 دولة كانت خارج اللائحة، على أن 155 دولة بقيت في نفس المرتبة منذ سنة 2012) منذ إنشائه في عام 1995، باستخدام بيانات من 13 مصدرا خارجيا، بما في ذلك «البنك الدولي» و»المنتدى الاقتصادي العالمي» و«شركات الاستشارات و»إدارة المخاطر الخاصة والمراكز الفكرية» وغيرها…

حلقة «الصراع والفساد والأمن» المفرغة!

تشهد منطقة « الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» غرقها في حلقة «الصراع والفساد والأمن» المفرغة والمتشابكة بعمق، إذ لا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الجو الغريب أكثر من «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» باعتبارها المنطقة «الأقل سلاما» في العالم وفقا ل»مؤشر السلام العالمي»، أي أنها تجسد الطرق التي لا تعد ولا تحصى التي يغذي بها كل من الفساد والعنف بعضهما البعض.
لقد بنيت العديد من الدول على «أنظمة فاسدة» تمكن «القلة وتوظف الواسطة» (المحسوبية) والرشاوى، ناهيك عن «تقسيم المجتمعات لطبقات» و«اختلاق المظالم» التي تؤدي إلى الصراعات وسفك الدماء. في ليبيا (على سبيل المثال لا الحصر)، أشعلت جوانب «عدم المساواة» و»الفقر» و»الفساد» موجة «احتجاجات الربيع العربي».. بعدها، عندما فشل القادة في «إقامة دولة ديمقراطية» بعد الإطاحة ب»نظام القذافي»، اندلعت «حرب أهلية» أخرى بين مختلف الجماعات المسلحة، حيث «فشل» «وقف إطلاق النار» الأخير في عام 2020 في «كبح» العنف بين الفصائل، وبما أن الدولة «عاجزة»، تصاعد تصارع النخب مع بعضها البعض على «الموارد النفطية» الغنية في البلاد، ما خدم مصالح «المسؤولين العموميين الفاسدين» بدلا من «الشعب الليبي».
في «المنطقة الغربية» (على طول الحدود الجنوبية) على وجه الخصوص، تشعل «الجماعات المسلحة» التوترات مع قيادة الجمهور للمظاهرات التي تدعو إلى تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية.. كل هذا، «يغذي المزيد من الصراع بين الفصائل» و «عدم الاستقرار المستمر». وبالتالي، لم تتمكن البلاد من إجراء انتخابات، وادعت «الأمم المتحدة» أن «اللاعبين المؤسسيين الرئيسيين لا يزالون يعيقون التقدم».. وإلى أن يوقف القادة هذه «الدورة الفاسدة»، لن تكون البلاد قادرة على المضي قدما.
في جميع أنحاء المنطقة، يسمح «انعدام الشفافية» في «ميزانيات أمن الدول» ب»إنفاق الأموال دون مساهمة عامة»، أو حتى «إعادة توجيهها من قبل الجهات الفاعلة» (وإن كانت فاسدة) في منطقة تشهد الكثير من الصراعات، فإن مثل هذه «الميزانيات مهمة» حيث تقدم «مكاسب كبيرة» للجهات الفاعلة الفاسدة. على «مؤشر الدفاع الحكومي» ل»مكافحة الفساد» الصادر عن «منظمة الشفافية الدولية»، لم تتراجع أي دولة في المنطقة عن مرتبة المخاطر «العالية»، حيث صنفت معظمها على أنها «عالية جدا» حتى في البلدان التي «لا تشارك بنشاط في الصراع»، كما أن «ميزانيات الدفاع الكبيرة» تستهدف اقتصاديات أخرى في المنطقة (مثل إنفاق دول الخليج في اليمن).
في قاع المنطقة عموما (والعالم خصوصا)، يظهر في دول ك»اليمن» و«سوريا» «التأثير المأساوي» للصراع الذي طال أمده. في ظل «الأنظمة الضعيفة» أصلا التي تعاني من هذا الصراع «يسلب» الفساد موارد الدولة، مما يزيد من «إضعاف قدرة الحكومات على الوفاء بمسؤولياتها المتمثلة في حماية الشعب وتطبيق سيادة القانون»، هذا بدوره يزيد من وقع المظالم ويطيل الصراعات الداخلية.. كان الفساد، أحد «الانتقادات الرئيسية» للحكومة عندما بدأت «الحرب الأهلية» قبل 8 سنوات.
والآن، نرى الدولة (كلاهما) منهارة وتواجه «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم، حيث أن ثلثي ساكنتها في حاجة «ماسة» إلى الغذاء. في «سوريا»، يحتفظ النظام الحالي بقبضته على السلطة، لكن الحكومة لم تفعل شيئا يذكر لتوجيه الموارد لدعم الشعب، ما أدى ل»قتال مستمر» منذ 12 عاما إلى «انهيار البنية التحتية» – تاركا الكثير من السكان محرومين من «المياه النظيفة» و»الرعاية الصحية» و»الغذاء» وتواجه الآن تفشي «الكوليرا».

المنطقة العربية عن كثب!

بعد ركود دام 5 سنوات، يظهر «الأردن» علامات «مقلقة» (2- نقط) وسط القيود المتزايدة التي تفرضها الحكومة على «الفضاء المدني» وعدم «ثقة الجمهور» المتزايدة في الحكومة، تزامنا مع «حالة الطوارئ» المعلنة (استجابة لوباء كوفيد-)19، حيث اتخذت الدولة المزيد من الإجراءات ضد «المجتمع المدني» و»الصحفيين» الذين ينتقدون أفعالها، ما أدى لهذه «القيود المشددة» و»إعاقة الرقابة العامة» و»انتهاكات عملية التحقيق» إلى قيام المسؤولين عن التقرير بتخفيض تصنيف البلد.
بالنسبة لدول «مجلس التعاون الخليجي»، وهي اتحاد سياسي واقتصادي، فقد جاءت «الإمارات العربية المتحدة» في المرتبة الأولى عربيا (67 نقطة) ثم «قطر» (نقطة 58) و»المملكة العربية السعودية» (51 نقطة) و»البحرين» (44 نقطة) و»عمان» (44 نقطة)، «الكويت» (42 نقطة). بعد «الربيع العربي»، تحولت بعض من «دول الخليج» إلى «القومية المفرطة» والمزيد من القمع للفضاء المدني، وبدون «قنوات للمشاركة المدنية» و»سهولة الوصول إلى المعلومات»، ما يترك الجمهور خارج «عملية صنع القرار» وبدون سبل لدفع التغيير الاجتماعي صوب الأمام.
إلى الشمال في الشرق الأوسط، وقع «لبنان» في «دوامة» من «الكوارث الاقتصادية» و«السياسية» و»الاجتماعية» منذ انهيار قطاعه المالي نتيجة «الإفراط في الانفاق» و»الفساد» في عام 2019، والتي تفاقمت بسبب انفجار «مرفأ بيروت» المدمر في العام التالي.. لم تتمكن الدولة اللبنانية من دفع رواتب موظفي «الخدمة المدنية» و»الجنود»، أو توفير «الخدمات الأساسية» مثل «الرعاية الصحية» و «المياه» و «الغذاء» و«الكهرباء»، وهذا «أمر مثير للقلق» بشكل خاص حيث تم جر 4 من كل 5 مواطنين إلى الفقر خلال الأزمة، بينما ارتفع التضخم ب»شكل كبير» في عام 2022، تزامنا مع ما تثيره بنوك البلاد (المتواطئة في تحويل ثروات اللبنانيين الأقوياء في الخارج) غضب «المحتجين» غير القادرين على الوصول إلى مدخراتهم المالية. ومما زاد الطين بلة، أن البلاد كانت «بدون حكومة «عاملة منذ نهاية أكتوبر، مما أدى إلى مزيد من «التأخير في الإصلاحات الحاسمة» لـ»تحسين الحوكمة الاقتصادية والنقدية».
بالنسبة لشمال إفريقيا (دول المغرب الكبير خاصة)، نرى في التقرير تراجعا لترتيب «تونس» ب4 نقاط عن العام الماضي (احتلت تونس المرتبة 85 عالميا) مع استمرار البلاد في السير على «طريق الاستبداد» في عهد الرئيس «قيس سعيد»، الذي يسعى «جاهدا» لـ»تركيز السلطة في أيدي السلطة التنفيذية»، وبعد أن أقال عشرات القضاة ب»حجة التطهير» و»مكافحة الفساد» عبر «وضع النظام القضائي تحت سلطته» ومتجاهلا «قرارات المحكمة الإدارية» التي تحاول عكس أفعاله، كما لم تستأنف «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، التي أغلقت في عام 2021، عملها بعد، تاركة «المبلغين» عن المخالفات دون مكان يلجأون إليه ومهاجمة (الحكومة التونسية) «منظمات المجتمع المدني» و»الصحافيين» و»أرهبتهم علنا»، مما ساهم في «انعدام الثقة» الاجتماعية والتوترات الجماهيرية.
بناء على أداء تونس العام، وضعها التقرير في المرتبة 8 في «منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، لكنها تتقدم على «المغرب» (المرتبة 94) و»تركيا» (المرتبة 101) و»مصر» (المرتبة 130) و«ليبيا» (المرتبة 171).

الخلاصة

يخلص التقرير، إلى أنه بغية وقف «دوامة العنف» و»الفساد»، على القادة في جميع أنحاء «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» عكس «اتجاه الاستبداد» وفتح المجال لجميع الناس للمشاركة في صنع القرار، كما يجب أن تكون «مؤسسات الدولة» موجودة ل»مكافحة الفساد» و»تقديم الدعم لمن هم في أمس الحاجة إليها»، بدلا من «استنزاف الموارد العامة» ل»تعزيز السلطة» لقلة من النخبة. فبعد سنوات من الركود، يجب أن تكون هذه الأرقام «بمثابة دعوة للاستيقاظ لإجراء إصلاحات عاجلة وحماية الحقوق والحريات الأساسية في جميع أنحاء المنطقة العربية».
لهذا، ينبغي على دول المنطقة، أن تسير على خطى الدول المحتلة للمراتب الأولى في قائمة محاربة الفساد والشفافية عالميا، وهي (بحسب التقرير) «الدانمارك» في المرتبة الأولى عالميا، تليها عن كثب «فنلندا» و»نيوزيلندا» بنتيجة (87/100) حيث تعتبر «المنظمة غير الحكومية» هذه البلدان مؤسسات «ديمقراطية قوية» و»ملتزمة باحترام حقوق الإنسان». بالنسبة لدول المنطقة العربية، يلاحظ التقرير تسجيل «الإمارات العربية المتحدة» ل»أعلى الدرجات» بين الدول العربية (67/100) تليها «قطر» ب(58/100) من حيث «الكفاءة في محاربة الفساد» و»الشفافية»..
في حين سجلت البلدان «الغارقة» في الصراعات ك»ليبيا» (17/100) «اليمن» (16/100) و»سوريا» و»جنوب السودان» (13/100) «الصومال» (المرتبة 180 عالميا بمعدل 12/100)، أسوأ المعدلات من حيث الترتيب العربي، لكونها متورطة في صراعات «طويلة الأمد»، في أسفل ترتيب «مؤشر مدركات الفساد»، وفقا ل»منظمة الشفافية الدولية» (CPI).

عن «منظمة الشفافية الدولية» (CPI)


الكاتب : ترجمة وإعداد: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 07/02/2023