شاهدت أمي تموت وأنا فوق حلبة النزال..بطلة الملاكمة خديجة المرضي من قساوة العيش إلى قمة الذهب العالمي

فاز المنتخب الوطني المغربي للملاكمة (سيدات ورجال) بميدالية ذهبية واحدة وثلاث فضيات في الدورة السادسة لكأس محمد السادس الدولية للملاكمة، التي اختتمت، فعالياتها، مساء يوم الجمعة الماضي، بالقاعة المغطاة متعددة الرياضات المحاميد بمراكش.
وكانت الميدالية الذهبية من نصيب الملاكمة خديجة المرضي، عقب فوزها في النزال النهائي في فئة (+ 81 كلغ) على الكازاخستانية كونغيباييفا لازات بـ (0 – 5).
في 2014 أيضا، كانت خديجة المرضي قد أحرزت الميدالية الذهبية في نفس المنافسة « كأس محمد السادس»، في تلك الدورة ستعيش البطلة الذهبية حدثا مأساويا سيطبع مسار حياتها للأبد، كما تحكي في حوار أجرته معها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أول أمس الاثنين.

 

تحكي خديجة المرضي:

«لن أنسى ما عشت الحدث المأساوي الذي طبع مساري الرياضي ويتعلق بحادث وفاة والدتي وهي تحضر أحد نزالاتي برسم دوري كأس محمد السادس الدولية الذي احتضنته مراكش سنة 2014. رحلت والدتي إلى دار البقاء وهي حاضرة تشجعني وسط الجمهور المغربي بمدرجات قاعة بن شقرون بدور النصف النهائي..
كنت في حلبة النزال عندما سمعت صراخا غير عادي وسط القاعة،كانت أمي تلفظ أنفاسها الأخيرة، كان يبدو أنها لم تكن لتستطع تحمل فرحة انتصاري في نزال تلك الليلة.. كان المشهد قاسيا بكل معاني الكلمة، حملت بسرعة ونقلت إلى المستشفى،كانت روحها قد صعدت لباريها.. أكيد لم أنم تلك الليلة، وفي الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي، كانت سيارة نقل الأموات تحملها متجهة إلى مدينة الدارالبيضاء لدفن جثمانها،فيما تسمرت جالسة فوق رصيف الشارع اتابع بنظراتي وأنا أكاد أسمع صوتها وهي تردد « بنتي المرضية،ستنتصرين، لا تتراجعي ولا تستسلمي،أريد منك الميدالية الذهبية،إنه حلمي كما هو حلمي أيضا أن أراك ماثلة أمام جلالة الملك محمد السادس..».
عاهدتها وعاهدت نفسي، لن أتراجع، سأواصل المعركة حتى النهاية، سأنال الميدالية الذهبية كما كانت تحلم بها والدتي.. مرت ساعات قليلة، وفي حدود الساعة الخامسة زوالا، كنت فوق الحلبة،خضت قتالا حقيقيا مع نفسي قبل أن يكون مع منافستي، واصلت المنافسات وأحرزت في النهاية الميدالية الذهبية وكانت هديتي لروح والدتي.
عانيت لفترة طويلة من تداعيات ذلك الحادث،لم أتحمل الصدمة،تأثرت بشكل كبير من رحيل والدتي، كانت ضربة قاضية أسقطتني في دوامة الحزن واستسلمت لحالة الاكتئاب،حيث اعتزلت الحياة، وانفصلت عن عالمي وعن حياتي الطبيعية، وكدت أنتهي وأفقد كل مقومات توازني،لولا مؤازرة أسرتي وتدخلات الطبيب النفسي..
عدت للحياة، للملاكمة، للتداريب وللمنافسات، لكن صورة والدتي لم تفارقني، عند كل نزال، وفوق أي حلبة، كنت أبحث عن الميدالية الذهبية إهداء لروحها.. أمي ثم أمي ثم أمي.

الذهب.. من 2014 إلى 2023

«أنا سعيدة جدا بنجاحي في إحراز الميدالية الذهبية لدورة هذه السنة من كأس محمد السادس للملاكمة، وسعادتي أنها تختلف عن ذهبية 2014، فقيمتها في أنها تحتسب ضمن سلسلة الحزام الذهبي بكل إيجابيات هذه السلسلة العالمية خاصة على مستوى التصنيف والتنقيط. فذهبية هذه السنة منحتني 1900 نقطة جديدة ما جعلني أتمركز في صدارة الترتيب العالمي للملاكمات الذي يقرره الاتحاد الدولي للملاكمة،الأمر الذي يضعني كمرشحة فوق العادة للتأهل لبطولة العالم التي تحتضنها الهند في شهر مارس المقبل.
ماديا، تمنحني ذهبية كأس محمد السادس مكافأة مالية تبلغ قيمتها 4000 دولار. هو مبلغ مهم جدا سيساعدني بشكل مؤكد في التحضير الجيد لبطولة العالم القادمة، لم أتوصل بعد بالمكافأة،ولا أرعف الجهة التي ستتكلف بمنحها لي،هل هي الجامعة أم الاتحاد الدولي للملاكمة؟ لا أعلم.
من أجل الوصول إلى القمة ونيل تلك الميدالية الذهبية، كان علي أن أبذل جهودا جبارة في التداريب وفي نفس الوقت جهودا أخرى في رعاية أسرتي.
للوصول إلى النجاح وإلى القمة، تقول خديجة المرضي، هناك تضحيات، هناك تعب، هناك حياة تفرض على ملاكمة مثلي، مقاومة قساوة العيش ومحاولة التغلب على صعابها وهي كثيرة ومتنوعة.
أنا أم مسؤولة عن تربية ورعاية بناتي الثلاث،سلطانة (سنة ونصف)، فاطمة الزهراء (ست سنوات ونصف)، وإلهام (11 سنة ونصف).
برنامجي اليومي مرتبط أساسا برعاية بناتي،أستيقظ باكرا من أجل تحضيرهن ونقلهن للمدرسة، أنطلق بعد ذلك للحصة الأولى من التدريب وتكون عبارة عن الركض والجري.أعود بعدها لإعداد وجبة الغذاء، ثم أستأنف تداريبي في القاعة الرياضية. ومساء،وبعد أن تعود بناتي من المدارس،أتوجه مرة أخرى للقاعة من أجل الحصة التدريبية المسائية.
عندي أيضا،ككل النساء،التزامات نحو زوجي، وهو بالمناسبة،شريكي في كل ما يخص حياتي ومنها رعاية بناتنا،كما أنه،بالمناسبة أيضا،رجل بسيط بدخل محدود ويشتغل بائعا متجولا.
يعيش في بيتنا وبين أحضاننا والدي وزوجته، ويشكلان لنا دفئا خاصا وجميلا.
طبعا، حياة البيت تحتاج إلى مصاريف كثيرة تثقل حقا كاهلنا أنا وزوجي، لكننا نصارع ونتعارك من أجل تجاوز كل المعيقات وكل العراقيل.
أنا من مواليد فاتح فبراير من سنة 1991 بسيدي عثمان بمدينة الدار البيضاء ،عدد أفراد عائلتي ثمانية، نعيش حياة بسيطة جدا التميز الوحيد فيها هو أني كفرد منها أعتبر بطلة عالمية وإسمي مودن في سجلات كبار الرياضيات في العالم.
أجتهد وأتدرب بكل حماس رغم كل الصعوبات التي تضعها الحياة أمامي وأنا أم لثلاث بنات وزوجي رجل بسيط يشتغل بائعا متجولا، وأكيد مدخوله لن يكفي تغطية متطلبات البيت والبنات ومدارسهن وحاجياتهن بالإضافة إلى متطلباتي كرياضية من مستوى نخبة الرياضيين.
كنت ملزمة بمد يد العون لمساعدة زوجي على تحمل نفقات بيتنا، ولو أن ما أجنيه في الملاكمة لا يكفي بشكل كبير،صحيح أنا مرتبطة بالجامعة الملكية المغربية للملاكمة بعقد احترافي من المفروض أن اتقاضى بموجبه مبلغ 20 ألف درهم شهريا، إلا أني لم أتوصل أبدا من الجامعة بأي درهم. هذا في الوقت الذي أتوصل فيه بمبلغ 10 آلاف درهم كراتب شهري بموجب عقد يربطني بالاتحاد الإفريقي للملاكمة، وأتوصل به كل أربعة أشهر مجتمعة، أوزعها على أصحاب القروض والديون من مدارس ومحلات البقالة والجزارة والملابس وغيرها من الضروريات.
أعتبر نفسي بكل صدق،مناضلة رياضية أجتهد من أجل وطني أولا، ومن أجل روح والدتي،ففي كل ميدالية أحرزها،تحضر روحها كما تحضر في ذهني عند كل نزال الرغبة في الانتصار من أجل الوفاء بعهد قدمته لوالدتي.
يفصلني عن حضور بطولة العالم المقبلة في الهند،قرابة شهر من الأيام،هي فترة قصيرة لكني أثق في إمكانياتي وباستطاعتي أن أستعد جيدا لأكون جاهزة، فالرهان أولا التمثيل المشرف للعلم المغربي،وثانيا إحراز الميدالية الذهبية التي ستضمن لي مكافأة مالية كبيرة جدا «220 مليون سنتيما» وأظنه مبلغا سيمكنني من ضمان مستقبل جيد لأسرتي ولبناتي.
سأسعى بكل جهد لانتزاع الميدالية الذهبية وفي ذهني صورة أمي، وفي طموحي إهداءها لجلالة الملك محمد السادس.
أفتخر دائما من كوني أول ملاكمة مغربية تصعد لبوديوم بطولة العالم للملاكمة، وذلك عندما أحرزت في أكتوبر 2019 الميدالية البرونزية لبطولة العالم التي احتضنها مدينة أولان أودي الروسية، وذلك بعد فوزي في دور نصف النهائي لوزن أقل من 75 كيلوغرام على المصنفة الثانية في البطولة، الويلزية لورين برايس، التي سبق لها التتويج بالألعاب الأوروبية وألعاب الكومنولث (الألعاب البريطانية).


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 15/02/2023