محمد بهجاجي يحاور ويجاور أفق السؤال في المسرح المغربي

بعد آخر إصدارته “كتاب السفر” منذ سنتين، يحط الكاتب محمد بهجاجي رحال أسئلته على خشبة المسرح المغربي بإصداره الجديد “المسرح في المغرب، أفق السؤال: قراءات في النقد والإبداع” الصادر عن المركز الدولي لدراسات الفرجة، مستقرئا بعين الناقد والمبدع محطات فاصلة في تاريخ المسرح المغربي، راصدا انتقالاته إن على مستوى التقنيات أو المرجعيات أو محاولات التأسيس لفكرة “المشروع” في شموليتها، والتي تنهض على الأبعاد المعرفية كما الجمالية، مجترحة لنفسها آفاقا أوسع، بدءا من النص إلى إشكالات التلقي وتحقيق مفهوم الفرجة.
يؤطر بهجاجي مجال اشتغاله في هذا الكتاب بأسئلة تتمحور حول قضايا النقد والإبداع ، وهو ما نستشفه من مقدمة الكتاب التي طرح فيها الأسئلة الإشكالية التالية: 
“هل كان عبد الله العروي محقا حين أكد في “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” أننا أضعنا الموعد مع الرواية والمسرح لتظل “الأقصوصة هي الشكل الأدبي المطابق لمجتمعنا”؟ وما هي دلالات اعتماد حسن المنيعي مصطلح “ما قبل المسرح” مفتاحا لأطروحته الأولى حول المسرح المغربي، ومصطلح “ما بعد الدراما” في ختام مشروعه النقدي؟ ثم لماذا نعتبر اجتهادات خالد أمين، ضمن مشروع دراسات الفرجة، مرافعات من أجل الحوار والحق في التنوع؟ وهل قدم “مسرح المرحلة” لحوري الحسين صورة ملائمة حول فكرة راهنية برشت اليوم؟”.

 

سعى محمد بهجاجي إلى قراءة النص المسرحي “رجل الذكرى” للمفكر والروائي عبد الله العروي، والذي اعتبره اختيارا دراماتورجيا طليعيا، شكل نواة لكل ما كتبه العروي في ما بعد، سواء في الشق الإبداعي أو الفكري، سعى الى قراءته على ضوء ما كان يطرحه العروي حينها من تصورات وأفكار حول المسرح والتاريخ والمجتمع ، خاصة ما ورد في كتاب” الإيديولوجية العربية المعاصرة”، وحديثه عن إمكانية “كتابة مأساة حقيقية في مجتمع يحارب الوعي المأساوي”، وهو النص الذي أخضعه بهجاجي للتشريح، مستحضرا فكر العروي كما أسسه على مستوى التحليل ونقد المفاهيم.
في السياق ذاته، أي مقاربة العلاقة بين الفكر والإبداع والمجتمع، تطرق الكتاب إلى بعض معالم مشروع النقدي للراحل حسن المنيعي، انطلاقا من المصطلح الذي أطر تجربته في بداياته وهو مصطلح “ما قبل المسرح”، وصولا إلى مصطلح “ما بعد الدراما” الذي وسم آخر إنتاجاته، متوقفا عند دراسة خلفيات توظيف هذين المصطلحين ودلالاتهما في مجال التداول النقدي، مغربيا وعربيا. كما تطرق إلى مشروع دراسات الفرجة الذي انخرط فيه الدكتور خالد أمين، وربطه بين التحولات التي يعرفها مسرح الفرجة وبين المنجز الفكري في المغرب والعالم العربي. هذا المشروع يرى بهجاجي أنه يستمد تميزه من كونه يمثل أطروحة تقترح رؤية للفن تتقاطع مع قضايا المعرفة والإبداع من جهة، وأيضا من تبنيه لمبدأ النقد الذاتي وتجديد زوايا النظر، والمراجعة المستمرة لبعض التصورات كلما اعتراها نقص أو لبس أو قصور.
الكتاب يقارب أيضا بعض ملامح الكتابة المسرحية عند محمد قاوتي من خلال نصيه المميزين ” نومانس لاند” و”الرينك”، وهي التجربة التي اعتبرها عابرة لمجرات إبداعية، متعددة الروافد وقائمة على محاورة الموروث الشعبي ومرجعيات التصوف العربي الإسلامي، ومتون الكتابة الشعرية العربية والفرنسية. كما أنها قامت على ثلاثة اختيارات: النص كمنجز حواري وطبقات نصوص، النص كفضاء حاضن للشخصيات، ثم النص كمشروع عرض.
يعرج بهجاجي في هذا النبش، على التجربة الإخراجية لمخرج “مسرح اليوم” عبد الواحد عوزري والتي شكل مؤلف الكتاب محمد بهجاجي أحد أعمدتها الرئيسة رفقة عوزري والراحلة ثريا جبران. وقد اختار بهجاجي مقاربة هذه التجربة، اعتمادا على خط بياني ينطلق من مرحلة البدايات في مسرحية “حكايات بلا حدود” ومسرحية “بوغابة”، وصولا إلى بحث عوزري عن “أفق سيميائي” لأعماله كما في مسرحية “نركبو لهبال” و”أربع ساعات في شاتيلا”.
يتوقف كتاب”المسرح في المغرب: أفق السؤال” أيضا عند مرحلة مسرح حوري الحسين أو ما يصطلح عليه بـ”مسرح المرحلة”، مبرزا الإطار المرجعي لهذه المرحلة، وتفاعل المسرحيين المغاربة في تلك الفترة مع تراث”برتولد برشت خاصة في الستينات والسبعينات في شرط اجتماعي وسياسي موسوم بشد الحبل بين الدولة والمجتمع، وما رافق ذلك من أحداث الدار البيضاء1965 وهزيمة يونيو 1967 وأحداث ماي 1968 بفرنسا، وهو الاحتكاك الذي أفرز انخراط المسرحيين المغاربة في بناء مسرح طلائعي يربط بين الاختيار الثقافي(ممثلا في المسرح والاختيار السياسي)، قبل أن تظهر الأطروحة التي تنتصر للمسرح الاحتفالي والتي دشنها عبد الكريم برشيد.
يخلص الكتاب إلى الحديث عما يعتبره جزءا من الدينامية الجديدة التي تؤشر على توهج ونفس التجديد في التجارب المسرحية الجديدة خاصة بعد سنة 2000، وهي التجارب التي سعت إلى إيجاد حل لمعضلة الفرجة والجمهور بالاشتغال على نوع من الإبداع المفكر فيه شعريا عبر تناول التصدع الهوياتي الذي يعيشه الفرد المغربي كما في تجارب محمد الحر وأمين ناسور التي تشتغل وفق منظور دراماتورجي يمنحنا تفردا في الأسلوب، وتفاعلا مع الأدب المغربي والعربي والعالمي بما يمنح إمكانيات الإسهام في شعريات جديدة تقوم على محاورة بناء القصيدة والفيلم، وعلى استثمار الأشكال الفرجوية العريقة واقتحام الفضاءات العمومية وتوظيف الوسائط الجديدة”.
هذه الدينامية الجديدة تتعزز بتواصل الحفر في المتخيل المسرحي بهدف اختراق مناطق جديدة في النص والخشبة وضمن أفق التلقي.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 23/02/2023