ماكرون: استراتيجية جديدة، بعقلية قديمة

نوفل البعمري
خطاب ماكرون الذي وجهه من قصر الإليزيه، مؤخرا، قام خلاله بتأطير رحلته التي ستقوده لعدة دول إفريقية كانت أولاها الغابون، التي كان سجل رئيسها في الندوة الصحفية، التي جمعته بماكرون، مواقف واضحة من سياسة فرنسا ماكرون تجاه دولته وتجاه إفريقيا، وهي تقريبا نفس المواقف والملاحظات التي تحملها غالبية الدول الإفريقية تجاه ماكرون وتجاه سياسته التي وجهها لهذه القارة طيلة فترة حكمه، وهي سياسة انتهت بطرد فرنسا من عدة دول إفريقية وأعلنت العديد منها رفض كل أشكال التواجد العسكري الفرنسي فوق ترابها، في نكسة فرنسية لم تعشها منذ سنوات، وهي نكسة تسبب فيها الرئيس الحالي ماكرون الذي لم يستطع أن يفهم كيف تطورت إفريقيا وكيف أن قياداتها الحالية بدءا من المغرب ترفض أن يتم التعامل معها بمنطق استعلائي، وبخلفية فوقية تعيد للأذهان فترة الحماية والاستعمار الفرنسيين بالقارة الإفريقية، وهي فترة يبدو أن ماكرون لم يستطع أن يتخلص منها ومازال يريد التعاطي مع إفريقيا وحكامها بنفس المنطق القديم، ولو استعمل لغة تبدو أنها جديدة أو ادعى أن له استراتيجية جديدة يريد توجيهها لهذه القارة حسب خطابه بقصر الإليزيه قبل أسبوع، وهي استراتيجية يريدها أن تكون متمحورة حوله بشكل خاص، لا ترى في إفريقيا غير خيراتها ومقدراتها التي تم استنزافها لسنوات.
ماكرون الذي وجه خطابه لإفريقيا متحدثا عن بعض الأزمات التي تسببت فيها اختياراته الخارجية جاء على ذكر المغرب محاولا التهرب من مسؤوليته تجاه المغرب وتجاه كل المناورات التي يتم القيام بها لضرب المغرب إعلامياً وسياسياً سواء داخل فرنسا أو خارجها، ولا يمكن له أن يتذرع بأن الإعلام الفرنسي مستقل وألا سلطة له عليه لأن هذه السلطة هي نفسها التي حركها لمنع قائد حركة «الماك» من المرور في قناة فرنسية، وهي نفسها الأيادي التي تحركت لطرد صحفي فرنسي من أصول مغربية عندما وصف الصحراء بالمغربية، وكأن استعمال هذا الوصف أصبح يتعارض مع السياسة الرسمية للدولة الفرنسية!!!
وقد حاول ماكرون أن يتنكر للحملة العدائية التي شُنت على المغرب من البرلمان الأوروبي رغم أنه بعودة سريعة للاسم الذي كان يتحرك داخل البرلمان الأوروبي للضغط من أجل استصدار ذلك القرار الهامشي نكتشف أنه البرلماني الفرنسي ستيفان سيكورني المعروف بقربه من قصر الإليزيه، وهو البرلماني الذي قاد هذه الحملة ولولا الضوء الأخضر الذي مُنح له لما تحرك بذلك الشكل!!
ماكرون لم يفهم المغرب كما لم يفهم إفريقيا، لم يستوعب بعد أن المصالح الاستراتيجية لا يمكن أن تُبنى بقول شيء وفعل نقيضه، وبعدم الوضوح في المواقف وباستغلال النزاعات للضغط والابتزاز واستغلال الإعلام لضرب الدول وقياداتها، عدم فهمه هذا كان ثمنه غاليا دفعته كل فرنسا ومازالت ستدفعه مادام أن ماكرون مصر على سياسة الهروب للأمام في سياسة تقليدية لا يمكن أن تستمر فرنسا ماكرون في نهجها تجاه المغرب وإفريقيا، هي سياسة تنتمي لمرحلة قطعت معها كل الدول الإفريقية التي اختارت التحرر من الماضي الاستعماري والانطلاق نحو بناء قارة قوية، ديموقراطية، مستقلة لا تتلقى التعليمات من فوق، كما ترفض التدخل في شؤونها الداخلية.
ماكرون خسر المغرب كما خسر دولا إفريقية لها وزنها، وهي خسارة لا تعني القطيعة الأبدية بل هي رفض لاعتماد سياسة فرنسية موجهة لإفريقيا ولدولها بعقلية ماضوية تنتمي للعهد الاستعماري البائد، ورفض لعدم احترام دول الجنوب وعدم احترام اختياراتها الدبلوماسية الخارجية التي لا يجب بالضرورة أن تمر من قصر الإليزيه، كما يعتقد ماكرون، فهذه الدول على رأسها المغرب دول مستقلة لها كياناتها الخاصة ومصالحها الاستراتيجية، وهي حرة في بناء علاقاتها الخارجية بما يتلاءم ومصالحها الداخلية، هذه الخسارة كلما تأخرت فرنسا في تداركها إلا وستزداد تكلفتها وفاتورتها التي ستكون على حساب المصالح الفرنسية في إفريقيا، خاصة بعد أن فقدت شركاء تقليديين كانوا بالأمس يعتبرون من أصدقاء فرنسا.
خطاب ماكرون كان يُنتظر منه أن يقدم شيئاً جديداً لإفريقيا، ويعكس من خلاله فهمه لطبيعة الأزمة التي يعيشها مع القارة، لكنه اتجه نحو تبني خطاب بدون أي توجه استراتيجي حقيقي، مفتقد لأي إشارة إيجابية تجاه إفريقيا ودولها الفاعلة على رأسها المغرب، الذي يعد بوابة أوروبا نحو القارة ولا يمكن القفز عليه أو تجاوز قيادته من أجل ترميم ما تكسر في علاقة فرنسا بإفريقيا، وأن أي سياسة جديدة لفرنسا ماكرون موجهة لإفريقيا إذا لم يكن المغرب بوابتها ستنتهي بالفشل.
إن أي توجه فرنسي للقارة دون الوعي بأن هناك قارة جديدة تشكلت بوعي جديد، وذلك منذ عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، سيكون مجرد تكريس لعزلة فرنسا ماكرون بإفريقيا، وبداية نهاية التواجد الفرنسي الكلي داخل القارة.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 06/03/2023