أمينة برحو، مؤسسة الأكاديمية الجامعية لطب العيون، ورئيسة قسم طب العيون بمستشفى الاختصاصات بالرباط، والأستاذة بكلية الطب، والباحثة ذات الكفاءة العالية والمؤلفة لكتاب» زرع القرنية «والناشرة لعدة مقالات علمية بأمهات المجلات الطبية المحلية والدولية. إنها مكونة الشباب المتعطش للمزيد من الخبرة والتقنية! إنها صاحبة التجربة الواسعة والمثمرة في مجال تخصصها، إنها قبلة صحية يقبل عليها المرضى من كل أنحاء المملكة بل وحتى خارج الحدود.
عطاء الأستاذة أمينة خلقي أولا، لأنها تكرس القيم الجميلة من أناقة فكرية وجسدية، من رقي في التعامل والسلوك، من إخلاص وتفان في العمل بدافع حسها الفطري المطبوع على الخير، نفعها ذوقها المرهف الرقيق والدقيق، فاستفادت منه في كل مرحلة من مراحل حياتها، إذ يظهر، جليا، أنها تتذوق من كل شيء أحسنه، لأنها ترعرعت في أسرة التعليم والتربية (كان أبوها من رواد هذا المجال في فجر الاستقلال) فتفتحت نفسها للتحليق في أعالي سماء العلم والمعرفة .
وشاء القدر أن يكون مجال تخصصها الطب، والذي يتطلب أولا مواصفات إنسانية معينة ودقيقة، كما ألهمتها الإرادة الإلهية باختيار مجال طب العيون، وهو فن الفنون، كما تقول الأستاذة .
اختيار الأستاذة التخصص في طب العيون نابع من حسها الجمالي، ورقة ذوقها وميولها للدقة، فكانت الطبيبة المذهلة والملهمة، بعشقها الملفت لعملها وإتقانه، مما قادها للريادة في حقل طب العيون بصفة عامة، وزرع القرنية بصفة خاصة.
أكثر من 2000عملية أنجزنها كللت بالنجاح، وإذا كان الفنان يبدع ليحلق بنا في عوالم النشوة والطرب، فهي حقا، فنانة تبدع فتمتع بإسعاد القلوب وإعادة البسمة والأمل لشبه اليائسين، ولن أبالغ إن قلت إنها نجمة لامعة في سماء طب العيون.
حوالي 4 مرات بالسنة تتطوع بخبرتها وتجند طاقمها بعد ترتيب الإجراءات اللازمة مع السلطات المعنية للقيام بفحوصات وعمليات جراحية لصالح الطبقات الهشة بالمناطق النائية، يستفيد منها الآلاف والآلاف من المعوزين الذين لا يتوفرون على إمكانيات كافية لاستشارة طبيب العيون، أما عطاؤها في المجال العلمي، فهي الباحثة الحثيثة والمثابرة لأنها لا تكف عن طلب العلم، هذه الرغبة الملحة التي نمت معها حتى تطبعت بها ومع الوقت أصبح التطبع طبعا، فأقبلت على الاستزادة من الخبرة، شعورا منها أن العلم لا حدود له، وهي التي تؤيد فكرة الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي قال»: كلما ازددت علما زادني علما بجهلي»، فهي طالبة علم، تحسبا لما قد تكشف من أمراض يصعب علاجها . لكن، بالاجتهاد ومواكبة التطور العلمي من خلال حضورها ومشاركتها بالمؤتمرات العلمية وطنيا ودوليا، وتنظيمها لندوات علمية بانتظام، وانخراطها بأمهات المجلات العلمية الوطنية والعالمية، تزداد معرفة ومهارة في تخصصها لإغناء رصيد خبرتها وخبرة زملائها، كما تتبادل التقنيات والمستجدات بالميدان، وهكذا يسهل عليها القيام بالتشخيص الصائب لداء المرضى والتخفيف من آلامهم، ولن أبالغ إن قلت إنها شبه عاكفة في محراب طب العيون، وهي التي أولت عناية خاصة»للحق في البصر» : المحور الأساسي لمنظمة الصحة العالمية»، وكانت الأستاذة ضمن الأطباء المهتمين بهذه القضية ليكون المغرب ضمن الدول الموقعين على مشروع «محاربة العمى» (القابل للعلاج)؛ ولحفظ البصر وجب التفكير في زرع القرنية، وهي عملية معقدة تتطلب تدخل عدة فاعلين في تناغم تام لإنجاحها، والأستاذة قامت بإنجاز دراسة ميدانية لتسليط الضوء على المشاكل واقتراح حلول أكثر ملاءمة مع الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والديني لتصميم خطة ناجعة للتكفل بالمرضى المعنيين بزرع القرنية، وشهادة بعض مرضاها بكتابها خير دليل على كفاءتها العالية بهذا المجال.
قدراتها المتعددة، وإرادتها القوية لتطوير الذات بالتحصيل العلمي المتواصل شعورا منها بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها، وإدراكا منها بالتطور السريع للعلم، جعلها في مستوى تطلعات مرضاها بتقديم الأفضل لهم ولهن، يخصونها بحفاوة بالغة، ويكنون لها التقدير والمحبة، لأنها حريصة على شفائهم وشفائهن، فهي لا تبخل بأي جهد يؤمن لهم ولهن الراحة والسلامة من المرض ويبعث فيهم وفيهن الأمل في التخلص من الألم.
وقد يكون الطبيب صبوحا ودمثا محبوبا، ولا يكون له من ثقة الناس نصيب كبير، لكن الطبيبة المحنكة جمعت بين المحبة والثقة، وعرفت بصدقها وأمانتها !
إيمان الطبيبة القديرة بقدسية رسالتها قادها لتكريس معظم أوقاتها للبحث العلمي بمواكبة التقدم المذهل، حتى يستفيد مرضاها من آخر مستجدات تقنيات طب العيون، وكانت نتيجة هذا الجهد، ذلك الإقبال غير المسبوق، وفي ظرف وجيز، أصبح اسمها ساطعا وأداؤها لامعا ملء الأسماع والأبصار ؛ لا يقبل المرضى إلا باستشارتها ورعايتها الطبية المباركة بالمشيئة الإلهية، لأن الله يعلم حيث يجعل رسالته، كما تقوم بالمتابعة المنتظمة لمراقبة أحوال مرضاها عن قرب أو عبر الوسائل التكنولوجية نظرا لبعد المسافة أحيانا .
أما عطاؤها في مجال التكوين فله بعد آخر، وهي التي كونت أكثر من 300 مختص في ظرف 3 عقود ، إنه عمل وطني نبيل يهدف إلى تعدد الخبراء وصقل مواهبهم وتطوير ميلهم إلى هذا التخصص الدقيق، كي تعم الفائدة وتمنع الاحتكار لتفادي المضاربة بصحة الإنسان؛ فمجال التعليم يعنى بالعقل والروح، ومجال الطب يعنى بالجسم ولا يجوز التلاعب أو المتاجرة بهما، وانطلاقا من هذه القناعة، فهي توظف كل طاقتها لتكوين جيل صالح، كفؤ ونافع، قادر على مواجهة تحديات العصر لا سيما المساس بقداسة رسالة التعليم وممارسة الطب، بحكم طغيان المادة في أيامنا هذه، والذي حط من شأن القيم الإنسانية.
إن كتابة هذا المقال في حق هذه الأسطورة المتعددة الأبعاد ما هو إلا اعتراف جزئي بفضلها على طلبتها ومرضاها في جميع أنحاء المملكة، فضلا عن الجوائز العلمية التي حصلت عليها، وطنيا ودوليا، أذكر منها لا على سبيل الحصر: جائزة «فاطمة الفهرية» من طرف المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وجائزة «أفرويس» وجائزة «الشريط الطبي «… ولا أزعم أني استوفيت حقها بسرد إنجازاتها ودراساتها الميدانية، كما أني لا أدعي الكفاءة اللازمة للحديث عن عطائها المتميز لمدة 30 سنة، والذي خلف بصمة فارقة في حياة طلبتها ومرضاها، وبما أنني لست مؤهلة للكتابة عنها بصفة شاملة، فإني آمل أن يوفق بعض طلبتها بكلية الطب فرع العيون في أطروحة علمية تتناول سيرتها ومسارها العلمي بالتفحيص والتمحيص، لأنها قدوة صالحة للأجيال الحاضرة والقادمة، إذن خدمة لهذا الوطن، أناشد الأيادي البيضاء تسليط الضوء على خيرة أبنائه كالأستاذة وأمثالها، فالله أطلب لها أولا الصحة والعافية والمزيد من الإلهام والتوفيق والتألق لأداء رسالتها ذات الأهمية القصوى.
(*)المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد الوطني
تدريس إنجليزية علمية
الرباط