المجلس الأعلى للحسابات يوصي بالإصلاح القانوني للوكالات لإعادة تحديد مجال تدخلها في ضوء التنظيم الترابي الجديد

وثائق التعمير تفتقد إلى المرونة اللازمة اعتبارا لتجميدها لأحكام التعمير لمدة طويلة ولعدم إمكانية مراجعتها الوزارة الوصية لم تترجم التوجهات الترابية الجديدة المتعلقة بالتنمية الحضرية إلى رؤية رسمية موثقة

 

 

كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أن الميزانية الإجمالية للوكالات الحضرية التاسعة والعشرين الخاضعة لوصاية القطاع الحكومي المكلف بالتعمير، بلغت حوالي مليار درهم برسم السنة المالية 2020، في حين يبلغ عدد العاملين بهذه المؤسسات 1.982 مستخدما، وفي ما يخص التخطيط الحضري، بلغ متوسط إنتاج الوكالات الحضرية لوثائق التعمير، حوالي 120 وثيقة في السنة. أما في ما يتعلق بالتدبير الحضري، فتتم معالجة ما يقدر مجموعه ب 100.000 ملف سنويًا، تتعلق 80.000 منها بالمشاريع الصغيرة.
وعلى الرغم من مساهمتها في التطور المهم الذي حققته بلادنا في مجالي التعمير وإعداد التراب ومراكمتها لخبرة تتجاوز 30 سنة، فقد سجل المجلس أن ممارسة الوكالات الحضرية لمهامها لا تزال تتسم بمجموعة من أوجه القصور.
وفي ما يخص المهام المنوطة بالوكالات الحضرية، مكنت الجهود التي تبذلها هذه المؤسسات قصد تغطية التراب الوطني بوثائق التعمير، من إنتاج أكثر من 700 وثيقة تخطيط بين سنتي 2016 و2021، ويتعلق الجزء الرئيسي منها بتصاميم تهيئة، مما رفع
معدل التغطية الوطنية إلى 85% في سنة2021 ، غير أن دور الوكالات في ما يتعلق بإعداد وثائق التعمير قد تأثر بفعل العديد من المعيقات المرتبطة، من جهة، بالتركيز على مهمة التدبير الحضري لا سيما تلك المرتبطة بالمشاريع الصغرى (تمثل 80 % من الملفات المعروضة للترخيص على الوكالات) على حساب مهامها الأخرى، ومن جهة أخرى، رصد تقرير المجلس بطء الإجراءات وتعقيدها وتعدد الفاعلين المتدخلين في العملية وكذا صعوبة الوصول إلى المعلومة ونقص الموارد المالية والبشرية، لا سيما في ما يخص بعض الكفاءات المتخصصة والإكراهات المرتبطة بحدود اختصاصها الترابي، كما سجل المجلس أن وثائق التعمير تفتقد إلى المرونة اللازمة اعتبارا لتجميدها لأحكام التعمير لمدة طويلة ولعدم إمكانية مراجعتها إلا وفق نفس المسطرة المتبعة لإعدادها، وكذا البطء والتأخر في عملية إعدادها والمصادقة عليها، مما يحول دون قابليتها للتكيف مع الديناميات الجديدة والتعامل مع القضايا والخصوصيات الترابية والتطورات المستجدة والسريعة ويجعلها في بعض الأحيان غير متوافقة مع الواقع المحلي.
أما في ما يخص مهمة الدعم التقني المقدم من طرف الوكالات،  يرى المجلس الأعلى للحسابات أنها تفتقر إلى إطار مرجعي واضح كما أن ثلثي الدعم التقني المقدم يتم تنفيذه عمليا خارج أي إطار تعاقدي أو اتفاقي يحدد شروط والتزامات الأطراف المعنية.
وفي ما يتعلق بحكامة الوكالات الحضرية ومواردها البشرية والمالية، فقد سجل المجلس حاجة الوكالات إلى تطوير عمل مجالسها الإدارية من خلال خفض عدد أعضائها وإحداث وتفعيل لجان مختصة منبثقة عنها. كما ركز المجلس على أهمية تطوير مواردها المالية ومضاعفة المجهودات المبذولة من طرفها بهدف تحصيل المبالغ الباقي استخلاصها (89 مليون درهم حتى نهاية 2021)، كما أشار المجلس أيضا إلى أهمية تعزيز قدرة الوكالات الحضرية على جذب الكفاءات المناسبة من أجل مواكبة التحديات الجديدة.
أما بخصوص مكانة وتموقع الوكالات الحضرية، فقد أشار المجلس إلى ارتباط القطاع المكلف بالتعمير بكل وكالة خاضعة لإشرافه بعقود – أهداف سنوية دون الاعتماد على استراتيجية محددة أو عقود برامج حيث تقتصر عقود الأهداف هذه على أدوات التخطيط الحضري دون ربطها بإطار ميزانياتي مما لا يتيح الشروط المثلى لتتبع مؤشرات أداء هذه الوكالات، ومن جهة أخرى، أبرز المجلس أهمية تعزيز دور ومكانة الوكالات الحضرية أخذا بعين الاعتبار دور مختلف المتدخلين في القطاع (السلطات المحلية، الجماعات، المفتشيات الجهوية للتعمير.. إلخ)، وذلك في ظل وجود تداخل للاختصاصات في عدد من المجالات مع الجهات الفاعلة في مجال التخطيط وضعف تثمين خبرة الوكالات في مجال التنمية الترابية وغياب تقاسم الممارسات الفضلى في هذا الميدان.
وفي ما يتعلق بقدرة الوكالات الحضرية على الاستجابة للتحديات والتوجهات الترابية الجديدة، فقد سجل المجلس إكراهات أمام مواكبة الوكالات الحضرية للتوجهات الجديدة، ويرجع ذلك إلى عدم ترجمة الوزارة الوصية للتوجهات الترابية الجديدة المتعلقة بالتنمية الحضرية إلى رؤية رسمية موثقة، ومن جهة أخرى، إلى الإطار القانوني والتنظيمي الحالي (خاصة القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير والقانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والظهير الشريف
بمثابة قانون رقم 1.93.51 يتعلق بإحداث الوكالات الحضرية) الذي لم يعد يواكب التحديات الحالية التي تواجهها الوكالات.
ولاحظ المجلس في هذا الصدد، حاجة هذه المؤسسات إلى تعزيز مواردها البشرية وضرورة إرساء الهياكل التنظيمية اللازمة لإنجاح تحولها الرقمي تدريجيا ونزع الطابع المادي عن الخدمات المقدمة من طرفها.
ومن أجل تجاوز النقائص المسجلة، أوصى المجلس الأعلى للحسابات القطاع المكلف بالتعمير وكذا الوكالات الحضرية بضرورة تفعيل إصلاح شامل للإطار القانوني المتعلق بهذه الوكالات لإعادة تحديد مجال تدخلها في ضوء التنظيم الترابي الجديد، من خلال ملاءمة بنياتها وفقا لمخطط هرمي بمستويات تدخل ملائمة. وحث المجلس كذلك على تعزيز دور الوكالات الحضرية في ما يخص دعم فرص الاستثمار والتنمية من خلال إضفاء مرونة على أدوات التخطيط وقواعد التهيئة، وكذا نهج إصلاحات على مستوى عمل وتنظيم مجالس إدارة هذه الوكالات بما يتوافق مع الممارسات الفضلى في مجال الحكامة.
وأوصى المجلس، أيضا، بإعادة النظر في الإطار التعاقدي بين القطاع الوصي والوكالات الحضرية من خلال عقود – برامج متعددة السنوات بأهداف واضحة مرتبطة بموارد مالية ملائمة.
كما أوصى المجلس بضرورة تسريع، مع ضبطها، رقمنة خدمات الوكالات الحضرية بشكل يضمن توحيد جهود وأدوات عملها في هذا الاتجاه وإعادة هيكلة مهمة المراقبة التي تقوم بها هذه الوكالات بتشجيع اللجوء للتقنيات الحديثة لرصد مخالفات التعمير، ووضع مهمة المراقبة التي تمارسها الوكالات الحضرية لصالح اليقظة الترابية وتقييم وثائق التعمير.
وأوصى المجلس، أيضا، بضرورة وضع آليات ووسائل، لتحفيز مستخدمي هذه الوكالات، تكون قادرة على جذب الكفاءات وضمان الحفاظ عليها ووضع نظام دوري للحركية وفقا للممارسات الفضلى في هذا المجال، واستباق المخاطر والممارسات المرتبطة ببعض الوظائف والمهام.

 

 


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 11/03/2023