حفيظة الفارسي تخوض حروب الذات : بـ «خوذة بنصف رأس»

احتضنت المكتبة الوسائطية بمدينة الدار البيضاء، يوم السبت 11 مارس 2023، حفل توقيع ديوان «خوذة بنصف رأس» للشاعرة حفيظة الفارسي، الصادر عن منشورات بيت الشعر في المغرب سنة 2022.
الحفل الذي عرف حضور ثلة من الوجوه الثقافية المغربية التي احتفت بالشاعرة وبديوانها الجديد، نظمته جامعة المبدعين المغاربة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة وأداره الشاعر محمد اللغافي، وبعد نبذة مقتضبة عن مسار الشاعرة المهني والثقافي قرأتها أمام الحضور شمس الضحى نجار، قدم كل من الكاتب عبد العزيز كوكاس، الكاتب والقاص والإعلامي سعيد منتسب والناقد محمد علوط، قراءات نقدية للديوان.
«تفاجئنا حفيظة الفارسي في ديوانها البكر «خوذة بنصف رأس» بالإعلان عن ذاتها كشاعرة مكتملة النصاب والأهلية «، بهذه العبارات استهل الكاتب عبد العزيز كوكاس مداخلته، بالمناسبة، متسائلا «هل يأتي الشاعر إلى الوجود قبل ديوانه أم برفقته ليعلنا ميلاد بعضهما البعض ؟ هاهنا ولادة شاعرة وهناك قصيدة ممتلئة كما «خوذة بنصف رأس».
وأضاف كوكاس أن العبارات الشعرية في الديوان طازجة، ممتلئة بنفس إيقاعي مبهر جعلها ذات كثافة شعرية لا تخطئها العين ولا الأذن. ومضى كوكاس في سبر أغوار هذا العمل الشعري بدءا بالعنوان كعتبة أولى في النص الشعري ببعده الغرائبي «خوذة بنصف رأس»، فالخوذة واق لكامل الرأس لكن نحن أمام نصف رأس، متسائلا أين ذهب النصف الآخر، وماهذه الخوذة التي لا تحفظ كامل الرأس وتكون واقية لنصفه فقط، ليخلص إلى أن العنوان يحيلنا إلى حرب الذات ضد ذاتها.موردا عدة أمثلة لعناوين قصائد من ذات الديوان يؤثث كلماتها الشعرية معجم حربي( الجندي –الزناد –الرصاص –الشظايا- نياشين….) مثل قصيدة «هدنة قبل الرصاص» و»في انتظار الطلقة» و»خوذة محشوة بنصف رأس».
نحن أمام عبارات شفيفة، يقول المتحدث، تختارها حفيظة الفارسي هدنة للبوح لقول السر المحتفظ به فتعيد ترتيبها واحدة واحدة…
الكتابة في «خوذة بنصف رأس»، بالنسبة لكوكاس، هي بوح بالانكسارات، ويغدو البوح والعوالم العالمة مثل تجربة بحث عن الذات المحتجبة أو المشمولة بالغياب والتيه.
الكاتب والقاص سعيد منتسب فضل من جانبه أن يخترق عوالم الشاعرة من مستوى الجسد في الديوان معنونا مداخلته بـ «ديوان خوذة بنصف رأس للشاعرة حفيظة الفارسي، حساء الوجود في قدر الظلال»، فالجسد في الديوان يتخذ «صورا شتى وتحولات رمزية وصوفية وسوريالية لاحدود لها. وتبعا لذلك تضعنا الشاعرة في ذروة شعرية جسدية تتوزع بين الرغبة والاستحالة. فالجسد، على امتداد كل النصوص تقريبا، حالات متغيرة غير منفصلة عن الإيقاع والمعنى والكلمات والأشياء بل إنه هو تحديدا ما يمنحها نوعا من الديناميكية التي تأخذ النصوص نحو الحركة: الحب، الجوع، الحرب، الارتفاع…».
الجسد في الديوان، حسب المتحدث، يحضر بأوجه مختلفة تتوافق مع ما تقتضيه المواجهة الضارية مع الزوال الذي ترتد إليه كل الأشياء، فهو يحضر من خلال الجسدية الإيحائية وجسدية الحرب ثم الجسدية الصوفية، كما يمكنه أن يحضر من خلال الجسدية الرمزية أو السوريالية أو الميتافيزيقية المتخيلة، وكلها تشتغل من أجل تحقيق اللذة عبر تحالف رباعي بين اللغة والحواس والعقل والروح….
من جانبه الناقد محمد علوط عنون مداخلته بـ «مجازات يقظة الكينونة في ديوان خوذة بنصف رأس»، قائلا: « إن قراءتنا الأولى للديوان أثبتت لنا التأكيد والرجحان الداعي للقول بأن أبرز مدخل لقراءة هذه التجربة الشعرية يكمن في فيض الاستعارة المؤسسة التي تأخذ شكل نسق نصي وبأن للحمة متخيلا إبداعيا ينهض على ارتكاز دلالي مهيمن لا يتوقف فيه الأنا الشعري وهو يطرح سؤال الذات عن تأسيس تمثلاته المجازية البانية والمؤسسة من خلال استعارة الغيرية لذات ووجود وواقع آخر مفارق واختلافي» .
محمد علوط وهو يسترسل في تفكيك بنية هذا العمل الشعري، توقف عند متلازمة الفقد والحلم موردا مثالا من الديوان ( ثمة نشيد مبحوح /في حاجة إلى شفاه/ثمة أشياء ضائعة /تحتاج إلى الترميم)ص 72.يقول «يختزل هذا النص في بنيته النووية مبدأ تأسيسيا بوقوفه عند متلازمة الفقد والحلم. ثمة في مشهد الحاضر الآن ذات في كمون الصمت- الغياب، تحلم بلغة ثانية وواقع يتشظى في الضياع والفقد، يحلم بإعادة البناء».
وبالنسبة لعلوط فهذا النص هو تجسيد للحظة طللية لكنها على خلاف النص الشعري الجاهلي ليست مقيدة الأوابد إلى زمن النسيان كمحو يصبو لاستعادة الماضي، بل هو نسيان من داخل النص يتمفصل مع ما يسميه «دريدا» بيقظة الكتابة.
وفي مداخلتها خلال هذا الحفل أكدت الشاعرة حفيظة الفارسي أن» اختيار الكتابة معناه أن تنزع جلدك الميت كلما شعرت بتورم الألم، تفعل ذلك وأنت تبتسم وكلما رممت جرحا تترك منفذا فيه كي يسيل من جديد .هي لا تكتب هي تتجمل، كما تقول، تتطهر تتخفف من ثقل ما حولها لتصبح بوزن الريشة تحتمل الجبال».
وعن تجربة الديوان الأول، تقول، إنها سكنتها بقلقها وهواجسها لسنوات مع أنها «تؤمن بأن الشاعر لا يولد بعد عملية النشر بل يولد قبلها حين يصر على المشي بين فخاخ العالم السائل»، مضيفة أن فخ التجربة الأولى، يدفعها اليوم الى التجاوز والبحث عن أراض شعرية أخرى للحفر والتنقيب عن شيء مختلف لأن الهاجس بعد الديوان الأو عند الشاعر يصبح هو:» بم سيملأ الجارور من جديد بعد أن يجد نفسه وقد تورط في عقوق منزله الأول باحثا عن أعشاش جديدة لبيض قصائده».
ديوان «خوذة بنصف رأس» هو أول ديوان لحفيظة الفارسي، في انتظار أن تجد الشاعرة تلك الأعشاش التي ستكون مرفأ لبوح جديد تتقاسمه مع قرائها ..


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 16/03/2023