دعا إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كل المشهد الحزبي الوطني، معارضة وأغلبية، لفتح حوار حقيقي حول الإصلاحات التي تخص قضية الأسرة والمرأة، لأنها قضية تهم الوطن بكامله، محملا المسؤولية في ذلك لرئيس الحكومة. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها في افتتاح المؤتمر الإقليمي الرابع للحزب بقلعة السراغنة، الذي انعقد يوم الأحد 19 مارس 2023 تحت شعار» تعبئة شاملة من أجل عدالة مجالية وتنمية إقليمية».
وأضاف لشكر أن الاتحاد الاشتراكي لا يقبل أن يقمع الحوار حول هذه القضية الحيوية بدعوى الدين الذي تستعمله بعض الجهات كفزاعة كلما تعلق الأمر بالإصلاحات، وقال في هذا الصدد « بخصوص قضية الأسرة والمرأة والمساواة، التي صدرت فيها توجيهات ملكية سامية، نشعر بأسف عميق لكون من يكون ضد هذا التوجه، يعمد إلى إخراج فزاعة الدين، للإبقاء على النساء مستعبدات وغير مستفيدات من حقوقهن، وهو ما لا يأمر به ديننا الحنيف ولا الله تعالى في القرآن الكريم ، ولا في الأحاديث النبوية، ولا في الاجتهاد ولا العقل. حيث أن كل اجتهادات علماء الإسلام الوسطي تصب في اتجاه تكريم المرأة والدفاع عن حقها في العيش الكريم ومساواتها بشقيقها الرجل، لأن الله لم يخلقنا في مراتب، بل خلقنا إنسانا متساويا سواء كان ذكرا أو أنثى. ومن يرفض المساواة فذلك لممارسة ذكوريته على نصف المجتمع.»
واستطرد قائلا « في خرجاتهم شبه الأسبوعية يلوحون بالدين كفزاعة مع العلم أن المغاربة مسلمون، واعون بما أحل الله وبما حرمه، لكن لن نقبل قمع الحوار بدعوى تحريك هذه الفزاعة.»
وأكد إدريس لشكر في السياق نفسه أن حزب القوات الشعبية اعتبر منذ تأسيسه أن القضية النسائية قضية مركزية، وأن المغرب لن يتقدم إذا ظل نصفه مشلولا، موضحا أن ملوك المغرب منذ محمد الخامس، من موقع إمارة المؤمنين، أعطوا المثال لما ينبغي أن تكون عليه المرأة، كما أنها في الواقع تتعهد مسؤوليات ومهام كبيرة في التسيير والتدبير وإصدار الأحكام في القضاء ومراقبة الحسابات العمومية، وفي كل مواقع العمل، ومع ذلك مازال القانون ينظر إليها كقاصر. وهو ما ينبغي تغييره.
وقال الكاتب الأول» نفس الشيء يحدث في ما يخص قضيتنا الوطنية، ففي الوقت الذي تحقق فيه بلادنا مكاسب كبرى في هذه القضية، وفي الوقت الذي تحقق فيه انتصارات في علاقتها الخارجية بفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك وإجماع الأمة الذي نفخر به، وهو ما قوانا وجعل كل مؤامرات الخصوم تتكسر، نجد نفس الجهة تستعمل فزاعتها. كيف لنا في هذا الوقت أن نشكك في عملنا، وأن نشكك في القرارات التي اتخذناها بالإجماع؟ ولذلك ندعو هؤلاء مرة أخرى إلى عدم استعمال فزاعتهم.»
وعبر إدريس لشكر عن أسفه لكون كل الإصلاحات المعلن عنها من قبل الحكومة في ما يتعلق بالقوانين، ما زالت إلى يومنا هذا وبعد مرور سنة ونصف، متعثرة بسبب غياب التجانس، منبها إلى أنه إذا وجد رئيس الحكومة أن ليس هناك تجانس في حكومته، فعليه أن يقوم بوقفة، لأن الزمن اليوم زمن أساسي، وهناك مسؤولية أمام التاريخ، والتحديات تتطلب أن يقوم بهذه الوقفة حالا لأن البلد لا يتحمل وفي حاجة لمعالجة مسيرته.
وقال لشكر في كلمته « اختار التغول أن يموقعنا في المعارضة، لذلك فمن خلال فريقنا البرلماني سواء في مجلس النواب أو مجلس المستشارين، نقوم بدورنا في المعارضة دفاعا عن المواطنات والمواطنين. وفي بعض الأحيان يدفعنا الحس الوطني والمسؤولية، وفوق هذا وذاك التوجيهات الملكية السامية واستراتيجيات جلالة الملك لإنقاذ هذا الوطن وتقدمه، يدفعنا كل هذا ألا نكون عدميين، وألا نؤدي دور المعارضة الشعبوية. واخترنا أن تكون معارضتنا معارضة مسؤولة، خاصة وأن الذين تحملوا المسؤولية الحكومية لما جاؤوا ببرنامجهم الحكومي، كان كما لو أنه برنامج للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ما يتعلق بالحماية الاجتماعية والتنمية. فاخترنا أن نكون معارضة مسؤولة ناصحة منبهة، لكن مع كامل الأسف نلاحظ يوما بعد يوم أنه حتى أدوار المؤسسات بدأت تتقلص مع هذا التغول.»
وأضاف قائلا «ستتفاجأون كيف أن المعارضة تصوت لصالح قوانين الحماية الاجتماعية، ولصالح ميثاق الاستثمار. نقوم بذلك لأننا واعون أنها مشاريع في إطار التوجيهات الملكية التي نشعر في الاتحاد الاشتراكي أنها تتجاوب مع برنامجنا.»
وفي السياق نفسه قال لشكر إن البرلمان لم يعد يشرع وإنما يضع قواعد عامة، فسواء في ميثاق الاستثمار أو التغطية الصحية أو الحماية الاجتماعية يحيل في أغلب فصوله على المراسيم، في حين أن المراسيم تدخل في إطار السلطة التنظيمية، وما يخرج في هذه المراسيم يتعلق بقواعد قانونية دستورا هي من حق المشرع فقط، وليس من حق الحكومة أن تبت فيها. هناك نوع من التضليل تمارسه الحكومة عندما تجر المعارضة إلى مبادئ و قواعد عامة لا يمكن أن نختلف عليها، ونصوت عليها لكنها تحول جزءا أساسيا من التشريع ومن المهمة البرلمانية إلى الحكومة. مع كامل الأسف حتى نساء ورجال الحكومة، الذين تحدثوا عنهم ككفاءات وكنا ننتظر أن ينتجوا هذه القواعد في المراسيم، تنازلت عن حقها وتحدثت كحكومة، وعن نقل هذه القواعد والإجراءات القانونية من القانون إلى المراسيم التي أصبحت تتحدث عن قرارات وزارية. ومن ثمة فمن أصبح يتحكم في السياسة هو بنية تقنية أصبحت تحظى بالسلطة عوض الفاعل السياسي الذي صوت عليه المواطن سواء أكان في الأغلبية أو المعارضة، لأن من هو في المعارضة فرض التغول عليه هذا الأمر، ومن هو في الأغلبية تنازل عن حقه في التدبير والتسيير.»
وقال أيضا « نحن إذ ننتقد ونبين مكامن الخلل، فينبغي أن نفضي بحقيقة أن وضعنا ليس هو وضع جيراننا شرقا من الجزائر إلى العراق، فعندما نتحدث عن نصف الكأس الفارغ نستحضر النصف المملوء، وهو ما يجعلنا ندافع عن استقرار بلادنا وأمنها.»
وبخصوص المشاكل التي تعاني منها ساكنة قلعة السراغنة والعوائق الإدارية والتعقيدات التي تنتصب في وجه الاستثمار ومنع حفر الآبار في منطقة فلاحية تعاني من الجفاف البنيوي، أكد لشكر أن المشكل هو مشكل حكامة، إذ لا يمكن أن يكون هناك استثمار والماسكين بالترخيص له لا علاقة لهم بالاستثمار ولا بالأوراش التي يجب أن تفتح في هذا المجال.
وفي السياق نفسه قال لشكر « في إطار المسؤولية توجهنا للإدارة الترابية وطلبنا من السيد وزير الداخلية عقد لقاء لمناقشة مشاكلكم، ومازلنا إلى اليوم ننتظر الجواب. لكن إذا تعذر عقد هذا اللقاء، سنضطر إلى استعمال حقنا داخل البرلمان بالمطالبة بعقد اجتماع للجنة الداخلية لدراسة كل هذه المعوقات التي تعرفها الجماعات.»
وفي إطار المشاكل التي يعيشها الإقليم أكد لشكر أنه في ظل الجفاف الذي صار معطى بنيويا، فمطلب المناطق الصناعية يمكن أن يسعف في تنمية هذه المنطقة وتطويرها وخلق مناصب الشغل لأبنائها، مشددا على ضرورة الاهتمام بهذه الأقاليم التي تعيش هذه الوضعية، في ما يتعلق بالسجل الاجتماعي، وداعيا إلى التسريع بإتمام أشغال إنجاز المستشفى الإقليمي لضمان حق الساكنة في الصحة.
وتحدث الكاتب الأول عن الصعوبات التي يعانيها المواطن جراء إضعاف قدرته الشرائية بسبب غلاء الأسعار، خاصة في شهر رمضان. وقال في هذا الصدد» محنة المواطن ستكون أكبر إذا لم يُبذل مجهود من قبل الحكومة بتوفير المواد الاستهلاكية اللازمة للمعيشة ونقص الغلاء، بإيقاف السماسرة والمضاربين الذين يتسببون في إشعال الأسعار دون أن يستفيد الفلاح. وهذا واجب ينبغي أن تقوم به مصالح مراقبة الأسعار والعمالات والسلطة المحلية، وينبغي أن تقوم به الحكومة، وعلى رئيسها أن يتحمل مسؤوليته إلى جانب الوزراء.»
وتوجه الكاتب الأول إلى المؤتمرات اللواتي غصت بهن القاعة قائلا « سجلتم اليوم ونحن على بعد أيام من 8 مارس أن الاتحاد ذاهب في طريقه لتأكيد حضور المرأة ومشاركتها في سلطة القرار وصولا بها إلى المناصفة، وقد أكدتم ذلك بحضوركن الوازن في هذا المؤتمر.»
الدكتورة سلوى الجابري، رئيسة اللجنة التحضيرية، أكدت في الكلمة التي ألقتها في الجلسة الافتتاحية التي سيرها عبد الرحمن سوس، أن المؤتمر الإقليمي الرابع للحزب بقلعة السراغنة ينعقد في سياق استثنائي يتطلب بلورة تصورات جديدة قادرة على رفع التحديات المطروحة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وفي ظل تداعيات السياسة المعتمدة من قبل حكومة متغولة لا تأبه لمعاناة المواطن.
واعتبرت سلوى الجابري في كلمتها أن المؤتمر من الناحية التنظيمية ينعقد في سياق زخم نضالي مطبوع بدينامية قوية وإشعاع حزبي بالمجتمع وبالمجالس الترابية، محليا وجهويا، مؤكدة أن نساء الحزب راكمن تجربة نضالية كبيرة كانت لها ثمارها على مستوى ترسيخ قيم العدالة والمساواة والإنصاف.
أما الكاتب الإقليمي للحزب صالح بلكاضي فأكد بدوره أن المؤتمر الإقليمي ينعقد في ظل ظرفية جيوسياسية حادة، بما يطبعها من تداعيات تفشي الفيروس والحرب الروسية الأوكرانية. داعيا إلى مزيد من اليقظة والالتزام تجاه الوطن وقضية وحدته الترابية.
وأشار إلى أن إقليم قلعة السراغنة يعتبر مشتلا للنضال الوطني والديمقراطي، والشعلة الاتحادية ظلت فيه خلال هذه السنوات الطويلة صامدة، مثلما ظل مناضلوه متشبثين بحزبهم. مسجلا أن المؤتمر يأتي في ظل جهود المناضلين للمحافظة على حضور الحزب وترسيخ استمراريته.
وأكد بلكاضي أن الأوضاع التي يعرفها العالم وسياسة الحكومة المتغولة، انعكست على القدرة الشرائية للمواطن البسيط بالإقليم في ظل الجفاف وغلاء الأعلاف وغياب البرامج التنموية التي ظلت حبيسة الرفوف، إضافة إلى تعقيدات المساطر.
ومن جهته تحدث عبد السلام كريم، الكاتب الجهوي للحزب بجهة مراكش آسفي، عن مؤهلات الجهة، مسجلا أنها تفتقر للعدالة المجالية، وغياب الاستثمارات العمومية الكبرى. وهو غياب يؤثر على الاستثمار الخاص والأجنبي.
وقدم عبد السلام كريم عددا من المشاكل التي يعاني منها إقليم قلعة السراغنة كتراجع الفلاحة بسبب الجفاف، وضعف الخدمات الصحية بسبب توقف أشغال إنجاز المستشفى الإقليمي الجديد، وتعثر التصفية للوعاء العقاري للجامعة.
أما النائب البرلماني الاتحادي بإقليم قلعة السراغنة نور الدين آيت الحاج فشدد في كلمته على ضرورة معالجة المشاكل التي تتخبط فيها المنطقة والتي جعلت حياة المواطن شبه مستحيلة جراء التعقديات الإدارية والعوائق المفروضة، مؤكدا في هذا السياق، أن إقليم قلعة السراغنة الذي يعاني تبعات أزمة كوفيد 19 والجفاف، يصارع من أجل البقاء.
وقال في هذا السياق» الجفاف جوّع المنطقة، وعلى الدولة أن تكون حاضرة لحماية المواطن، ولا نستفيد من المخطط الأخضر، والسكان ممنوعون من حفر الآبار، والاستثمار محاصر بعوائق إدارية، ناهيك عن مشكل أراضي الجموع …» .
وعبر حسن الحمري منسق المستشارات والمستشارين الاتحاديين في الإقليم عن فخره بالانتماء للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مؤكدا أن الدماء الجديدة اندمجت في دماء الحزب بحيوية وحماس وحققت نتائج مهمة.
وعن أداء الاتحاد في المجلس الإقليمي قال إنه رغم محاولات يائسة للخصوم لتعطيل هذا الأداء، إلا أنهم لم يظفروا بأية نتيجة، والمجلس يقوم بمهامه باطمئنان.
وبعد مصادقة المؤتمرين على تقارير المؤتمر، انتخبوا بالإجماع نور الدين آيت الحاج كاتبا إقليميا جديدا للحزب بقلعة السراغنة، وعبد الرحيم بلفقيرة رئيسا للمجلس الإقليمي للحزب.
ويشار إلى أن الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي للحزب بقلعة السراغنة، عرفت حضور أعضاء المكتب السياسي محمد ملال وحنان رحاب والمهدي المزواري، كما عرفت حضور ممثلين عن الأحزاب الصديقة، والمجتمع المدني بالمنطقة.