هل تضرر المغاربة اليهود من سياسة المولى سليمان؟
ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
تظهر الوثائق الملكية أن المغاربة اليهود شملتهم قرارات السلطان مولاي سليمان وشأنهم في ذلك شأن جيرانهم المسلمين، بل أن وضعيتهم ظلت على المعهود كما جرت العادة في عهد سلاطين الدولة العلوية. يتضح كذلك أن بعض اليهود المغاربة أصبحوا يتخذون من قناصلة الدول الأجنبية وساطة لهم بينهم وبين سلطان المغرب من اجل إقامة تجارتهم أو حرفهم أو من أجل البناء؛ فهذا اليهودي المغربي داويد الزعفراني يطلب من خليفة القنصل العام البريطاني بالمغرب أن يتوسط له لدى المخزن من أجل بناء فوقي من ديار المخزن بعد إذن السلطان وهو ما تبرزه الوثيقة 3315 وهي عبارة عن مراسلة من ممثل السلطان بطنجة محمد بن عبد الرحمان بنونة نصها ما يلي:
« الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم
بعد أداء ما يجب من التعظيم والتبجيل لسيدنا المنصور بالله وتقبيل حاشيته البساط المعتز بالله.
ينهي لكريم علمكم سيدنا دام علاه أنه ورد علينا كتاب خليفة قونص النجليز بأن يهوديا بالصويرة اسمه:
داويد الزعفراني ورد عليه طالبا أن يبني له بين بفوقي دار من جملة ديار المخزن بستة في المائة على القانون المعلوم في ذلك ويطلب خليفة قنص النجليز المساعدة في ذلك واستئذان الحضرة الشريفة كما في كتابه طي هذا.
وعليه تعين إعلام سيدنا ليأمر بما اقتضاه النظر الشريف على ان المحل فارغ لائق لذالك ولا ضرر فيه، بل فيه زيادة النفع من جملة الأملاك على الخدمة، طالبين رضى سيدنا دام علاه.
والسلام
في 27ربيع الأول الانور عام 1207 (12 نونبر 1792)
محمد بن عبد الرحمن بنونة لطف الله به
العربي بن المهدي بنونة لطف الله به
خذيم سيدنا عبد الرحمن بن الحسن
يتضح من خلال المراسلة أن اليهودي المغربي داويد الزعفراني قصد خليفة القنصل الإنجليزي للتوسط؛ ليس من باب عدم الوثوق في المخزن، ولكن بحكم الأوضاع التي كان يعيشها المغاربة خلال فترة الصراع الأخوي ذلك أن الأوضاع العامة لم تهدأ بعد، ويتضح ذلك من خلال تاريخ المراسلة التي تثبت أن الحكم لم يستقر بعد لفائدة السلطان مولاي سليمان الذي ظل في صراع مع اخوته بمن فيهم اليزيد. كما يتضح أن ممثل المخزن رجح كفة اليهودي بدعوى أنه سيساهم بستة بالمائة من مداخيل العقار الممنوح له .
بعد استقرار الحكم لصالح المولى سليمان، وخلال الفترة الثانية من حكمه منح السلطان ليهود الصويرة الحرية الكاملة لممارسة حرفهم بدون تضييق، وهو ما تؤكده وثيقة عبارة عن ظهير سلطاني مؤرخة في 30 جمادى الأولى 1224/13 يوليوز 1809 مما يبرز أهمية فئة المغاربة اليهود لدى السلطان ونصها :
« الحمد لله وحده
(سليمان بن محمد غفر الله له بمنه)
أذنا للذمي شلوم بن مقنين أن يفتح الطاحونة التي كانت في ملك الطاهر بن سليمان واشتراها ممن اسندنا له امر بيع أصوله الكاينة بملاح ثغر السويرة صانها الله. الجديد ينتفع بها بأنواع الانتفاعات من كراء وغيره. وحينئذ فلا يمنعه أحد من التصرف فيها كان من كان حيث اشتراها من ماله الخاص به. فمن وقف عليه من ولاة أعمالنا يعمل بمقتضاه ولا يحيد عنه، إذنا تاما به صدر الامر الشريف وهو ثابت الأمر نافذ الحكم.
في متم جمادى الأولى عام 1224
إن لغة الخطاب التي كتب بها الظهير تظهر مدى حرص السلطان المغربي على أمن وسلامة اليهود المغاربة من خلال التنصيص والتأكيد على عدم الاعتراض على اليهودي شلوم بن مقنين، وهو من الأسر التي سيذيع سيطها داخل وخارج المغرب خلال فترة حكم هذا السلطان، وبداية حكم ابن أخيه عبد الرحمان بن هشام. ومن جهة أخرى ولأجل الاحسان إلى رعيته اليهود نهج السلطان سياسة اليسر من أجل تسديد اليهود المغاربة للديون المستحقة لفائدة المخزن حيث أمر السلطان مولاي سليمان القائد عبد الرحمان عشعاش بمنح اليهودي يهودا بن تليلة محلا تجاريا من أجل الانتفاع به لتسديد ما بذمته من ديون لفائدة المخزن وهي وثيقة مؤرخة في 8 جمادى الثانية 1235/23 مارس1820. كما توضح رسوم الإشهاد أن المعاملة كانت بالمثل من طرف المغاربة اليهود من خلال تحصيل الواجبات لفائدة بيت مال الدولة من طرف يهوديها؛ فهذا الذمي يعقوب ولد الحزان القاطن بالصويرة يعترف بما في ذمته من ديون محصلة لفائدة أمناء الصويرة وقدرها 9714.35 ريال وتؤكد الوثيقة ثبوتا تاما لتسديد اليهودي السالف الذكر لديونه المستحقة للمخزن وهذا نص رسم الإشهاد :
« الحمد لله وحده
اعترف لدينا التاجر يعقوب ولد الحزان من يهود السويرة القاطنين بها. أن قبله وفي ذمته لبيت المال عمره الله جميع ، تسعة الاف ريال دور وسبعماية ريال وأربعة عشر أريلة وخمسة وثلاثين جزءا من الريال (9714.35). اعترافا تاما لازما له على رسم الحلول. ترتب القدر المذكور عليه فيما وسقه ووضعه بمرسى ثغر السويرة حرسه الله بمنه بعد وقوع المحاسبة بينه وبين الأمناء بالمرسى المذكورة. شهد على التاجر المذكور بما فيه عنه بعد إشهاده وهو بأكمل أحوال التصرف.
في الخامس عشر من جمادى الثانية عام 1235.
محمد لطف به ءامين وعبيد ربه تعلى عبد القادر بن عبيد
لطف الله به ءامين
وعبد ربه تعلى أحمد بن محمد
وفقه الله ءامين
الحمد لله، أدوا فثبت واعلم به عبيد الله تعلى
محمد بن المروني
لطف الله به ءامين