هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .
لم يكتب للفنان سامي المغربي أن يحقق حلمه لكي يتجاوز قرنا وخمس القرن من عمره. ليتوقف صوته عن الغناء في سن 86 سنة بموريال بكندا يوم 9 مارس 2008. هذه الأمنية التي دونها في آخر أغانيه وهو في عقده الثامن، حاول من خلالها رصد حياته الفنية، ويتذكر «معلميه» في الحرفة، وكذلك تعلقه بأصدقائه وأهله يقول الراحل سامي المغربي: »من صغري وأنا نغني، ونزهى ونزور لحباب، عمري عاشق فني، عشق الزين كان لي سباب نسمع لطيار تغني، من الحسن والمقني». وفي أغنيته التي تعتبر آخر عنقود من دالية الغناء التي أرخت للعديد من المراحل منذ عودة محمد الخامس من أرض المنفى إلى أرض الوطن، مرورا بالكارثة التي اهتزت لها أفئدة المغاربة جميعا، حين أرخى الموت بظلاله على مدينة أكادير في الزلزال الشهير. في نفس هذا المنحى، يشدد سامي المغربي على أن جل حياته قضاها في خدمة الفن الذي عشقه كما عشق تربة هذه البلاد التي ولد فيها سنة 1922 بمدينة آسفي، قبل أن ينتقل بمعية أسرته الى مدينة الرباط وهو لم يتجاوز ربيعه السابع، يقول سامي في أغنيته الأخيرة قبل رحيله: «80 سنة اليوم أنا ولد ثمانين سنة في الموسيقى 60 سنة. نتمنى ليك تعيش يا سامي تعيش حتى 120 سنة، حتى مائة وعشرين». ودائما، وهو يستحضر الأيام الخوالي، ويشحذ ذاكرته للتذكر، واستحضار الأوقات الجميلة التي قضاها مع أهل الفن أو «المعلمين» سواء كانوا يهودا أو مسلمين مغاربة، لكن الأساسي بالنسبة إليه أنهم جميعا في ميزان المحبة سواسية لا فرق بينهما أبدا، إلا بمحبتهم للمغرب ومدى إتقانهم وإيمانهم بالفن يقول: «أهل الفن لمعلمين كانوا عيشين قدامي منهم يهود ومسلمين عاشرتهم طول أيامي». ورغم أن «الكورال» في ذات الأغنية يتمنى لسامي المغربي عمرا مديدا ليبلغ المائة والعشرين، حتى يبقى طائرا صادحا بالغناء والحياة، إلا أنه في نفس الأغنية، لم ينس أبدا الترحم على أهل المغنى «المعلمين»، بعد أن أخذ به الفراق مأخذه يقول. »غابو علي اليوم، غابو علي سنين ارحمهم يا معين». إلا أن الموت لم يمهله سنوات طويلة ليحقق حلمه حتى: «نشوف أولاد أولادي» هم ربيع الحياة يزوروني ف اعيادي صبيان وفتيات» وكان فقيد المغرب الكبير، قد حل ضيفا على القناة الثانية من خلال برنامج شذى الألحان الذي يعده الباحث و الفنان عبد السلام الخلوفي وتقدمه الفنانة ماجدة اليحياوي سنة 2005، كما انضم صغيرا إلى مجموعة موسيقية بالحي اليهودي وهو في سن السابعة من عمره، وبدأ بإنشاد القصائد المشهورة في فن الملحون وأدى قصائد سيدي قدور العلمي وخاصة قصيدة بن سوسان لمؤلفها بنيشو. وأبدع العديد من الأغاني التي ستبقى خالدة مثل «فاض الوحش علي»، «شرع الله يا لحباب»، «من صاب مع لمليح ليله»، «اللي حبوه يا ويلو»،«ياربي الصحة وعمر طويل»، «نيويورك عاصمة المريكان»، «لازين إلا زين لفعال»، «قفطانك محلول يالالا»،«ليلة لخميس» إلى غير ذلك من الأغاني التي أغنت الربيورتوار المغربي. كما كان وراء أغنية «قولو على السلامة اسيدي محمد الخامس» سنة 1955، وقد نهل من التراث المغربي بكل تلاوينه، مما جعل إبداعاته مشرقة، وسيكتب لها الخلود، وتعمر لأكثر من 120 سنة، كما كان يتمنى أن يعيش. ورغم أنه قارب معظم المواضيع فنيا من الحب إلى القضايا التي تهم البلد، فإنه في نفس الآن تميزت أغانيه بالتصوف والإلتزام الديني بعد أن أصبح حاخاما بأحد المعابد اليهودية بكندا.