تطور الجهاز المخزني المحلي داخل عبدة – عيسى بن عمر العبدي.. قائد عبدة 5

كما جاء في كتاب عيسى بن عمر قائد عبدة، انه بعد موت السلطان أحمد بن محمد الشيخ السعدي، وظهور الشبانات بمراكش، تحت زعامة القائد عبد الكريم بن ابي بكر الشباني ثم الحريزي كبير حي الشبانات بمراكش، ومبايعة أهل مراكش ونواحيه له سنة 1069هجرية/ 1658 ميلادية المشهورة، تطلع الى أسفي، باعتبارها تمثل منفدا بحريا قريبا، الا ان سكان أسفي وعبدة، رفضوا الدخول في طاعته. لذلك قام بغزوهما، لكنه رجع مفلولا، وكانت مجاعة 1070 هجرية/1659 ميلادية المشهورة حيث دب الضعف لجسم الشبانات.
ومع ظهور الدولة العلوية، تمكن المولى رشيد من دخول مراكش، فدخلت أسفي وعبدة في طاعته سنة 1081 هجرية، وأصبحت عبدة تشكل احدى القبائل التي اعتمدها المولى اسماعيل فيما بعد، رغم ما يذهب اليه (مشوبيلير) من أن التاريخ المحلي (لدكالة وضمنها عبدة)، لا يمثل أي اهمية في عهد السلطان مولاي اسماعيل، إلا أننا يضيف (مؤلف الكتاب) (المصطفى فنيتير) عثرنا على بعض الاشارات المتفرقة، التي تبرز مراحل ارتباط عبدة بالمخزن المركزي وبداية ظهور القيادة المحلية، بوصفها تمثل السلطة المركزية .
كان موقف عبدة من صراع المولى اسماعيل وحركة ابن محرز واضحا، حيث اغلقت أسفي ابوابها، بعد أن قاومت عبدة هذه الحركة. فولى المولى اسماعيل على عبدة وصيفه القائد علال المخزني… كان صاحب رياستهم في الدولة الاسماعيلية العلوية، ولعله ينتمي الى الجرامنة، إحدى بطون قبيلة أل عامر من عبدة، وفي نفس الفترة كان على دكالة وصيفه الباشا سعيد الخياط الذي عزله سنة 1123هجرية/1711 ميلادية، وولى مكانه الخياط بن منصور، ثم بعده الغازي بوحصرة، الذي امتد نفوده على كل من دكالة والشاوية.
وقد امتثلت عبدة لأوامر السلطان المولى اسماعيل، حينما أمر بجمع العبيد لتأسيس الجيش البخاري، فقدمت ألفي من العبيد، كما أمرها سنة 1123هجرية/1711 ميلادية، بالحركة إلى بلاد (القبلة)، للمساهمة في عملية تمهيد البلاد لسلطته، بل إن عبدة كانت تكون في عهده مدرسة لتعليم الفروسية، حيث كان السلطان المولى اسماعيل يرسل عبيده ليتعلموا الرماية عندهم، ومقابل هذه الخدمات، إسقاط عنهم جميع الوظائف إلا الزكاة والأعشار. وربما لا يعتبر هذا امتيازا بالنسبة لعبدة، إذ أن سياسة المولى اسماعيل اعتمدت على تجريد القبائل من السلاح والخيل. وبذلك لم يعد في استطاعة عبدة أن تقوم بوظائفها الأخرى في إطار ما ينوبها، بل هي تؤدي فقط ما ينوبها شرعا كالزكاة والأعشار .
بعد موت المولى اسماعيل، ومبايعة ولي عهده أحمد بن اسماعيل المعروف بالذهبي سنة 1139 هجرية/1727 ميلادية، الذي دشن بداية عهده بقتل عمال أبيه، واعتكف على لذاته وأهمل شؤون البلاد، فانحل نظام الملك لإهماله الرعية، وقتل رجال الدولة الذين كانوا قوائمها، واستخفت الرعية بأمر السلطان، فمدوا أيديهم للنهب في طرقات المسلمين، إذ لا وازع لهم. وبسبب ذلك عرف المغرب مرحلة اضطرابات ونزاعات بين أبناء المولى اسماعيل قضت على الكثير مما شرع في بنائه.
لقد حاول أبناء اسماعيل البحث عن سند لتحقيق طموحهم في الاستحواذ على السلطة، ورغم أن العبيد كان لهم دور في هذا المجال، إلا أن دور بعض القبائل كان حاسما في الصراع، وهكذا التجأ المولى المستضيئ بن اسماعيل إلى نواحي مراكش بعد أن بايعوه سنة 1152 هجرية/1739 ميلادية، فاستصرخ قبائل الحوز على قتال أخيه (المولى عبد الله)، وذلك لأن اخواله كانوا من دكالة، لهذا استجابت لدعوته. أما عبدة التي كانت ضمن عصبية دكالة وكذلك الرحامنة، فكانوا شيعة المولى عبد الله، وكان ذلك سببا في قيام حروب بين الطرفين، حيث غارت دكالة على عبدة وقتلوا منهم جمعا ونهبوا أموالهم. ولم تقف محاولاتهم عند هذا الحد، بل إن دكالة أوعزوا للمولى المستضيئ بضرورة استئصال دعامة المولى عبد الله عن طريق إضعاف قوة عبدة شيعة المولى عبد الله ، فان لم تتمكن منهم لا يستقيم لك عمل هذا الحوز، فاختار المولى المستضيئ أسلوب المناورة، وكتب لهم بالأمان بعد أن وجه لهم سبحته، ولما قدموا عليه بمائة من أعيان القلبيلة، وبكسوة الشيخ أبي محمد صالح وحفدته، ووقفوا بين يديه، أمر بقتلهم، وأعطى خيلهم وسلاحهم لأهل دكالة، وكانت نتيجة ذلك توالي الحروب بين قبائل الحوز عموما، ودكالة وعبدة على وجه التخصيص ، الى ان استقام الأمر للمولى عبد الله ، وبقيت عبدة وأسفي مخلصة له ولم نقف على أية اشارةللقواد الذين عينهم المولى عبد الله على عبدة أنذاك .


الكاتب : إعداد : محمد تامر

  

بتاريخ : 05/04/2023