تعود «الاتحاد الاشتراكي» من جديد لتحيي ذاكرة تاريخية لمنطقة عرفت عبر مراحل تاريخية جد مهمة أحداثا مازالت منقوشة من خلال الآثار الجغرافية أو ما تم تدوينه كإرث تاريخي لعصر اختلف فيه الباحثون، وحوله بعض المؤلفين إلى سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية، بل جعلوا منها أحداثا قابلة للفرجة، ولو كان ذلك على حساب تزييف مرحلة تاريخية مهمة .
نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..
لم يكن المولى هشام يمثل بالنسبة لعبد الرحمان العبدي إلا وسيلة من وسائل الضغط على المولى سليمان، إذ كان يتخده حجة للخروج عن طاعته، بدعوى وجود خليفة شرعي مبايع من طرف قبائل الحوز ودكالة وعبدة، لذلك كان يتعصب به كلما اعتزم المولى سليمان النهوض إلى مراكش فينزل بجيوشه على أم الربيع لمنعه، وإذا أحس بانشغاله في تمهيد مملكته بالغرب، عاد الى مقره بأسفي وعبدة، وترك المولى هشام مع أهل مراكش والبعض من قبائل الحوز، ولم يكن المولى سليمان يجهل هذه الحقيقة، وقد برزت واضحة في إحدى رسالاته. أما مولاي هشام فليسوا عند أمره ولا ينصتون لرأيه، وإنما يذكرونه عند إرادتهم قضاء غرض مثل هذا، ليتوصلوا إلى مرادهم من الفساد الذي هم عليه، وفرارا من الأحكام .
لذلك أحس المولى هشام بأنه ليس الا لعبة بيده، فقرر عزل نفسه، وسلم الأمر لعبد الرحمان العبدي الذي كان صاحب السلطةالفعلية بكل مناطق الحوز.
حاول عبد الرحمان العبدي إعادة اللعبة مع أحد أبناء سيدي محمد بن عبد الله، وهو المولى الحسين، وذلك بعد تنازل المولى هشام، وسماعه بعزم المولى سليمان النهوض إلى مراكش، فبادر إلى مبايعة المولى الحسين بمحضر قبائل عبدة ودكالة واحمر والشاوية وغيرهم، وذلك يوم عيد الفطر من سنة (1211 هحرية/ 1796 ميلادية) فمده بالمال والعدة والعساكر، وجمع حوله القبائل ما عدا الرحامنة ومراكش وأهل سوس الذين امتنعوا، وكاتبوا السلطان مولاي سليمان وأعلموه ببيعة عبدة ودكالة لأخيه المولى الحسين .
انحياز عبد الرحمان العبدي لطاعة المولى سليمان
شعر عبد الرحمان العبدي، بعمق تجربته واحساسه، أن الجو العام داخل الحوز لم يعد لصالحه، فقرر أن يتراجع خطوة الى الوراء لكي يحافظ على مركزه، فانحاز لجانب السكينة، وبدأ يراقب مجرى الأحداث دون أن يكون مؤثرا وفاعلا فيها. ويتضح ذلك أيضا من خلال تملصه من اقتراح الهاشمي العروسي، لما اعتزم مبايعة الطيب بن محمد بن عبد الله الذي استخلفه المولى سليمان، في البداية على الشاوية ثم فيما بعد على مراكش ونواحيها، فقد أجابه العبدي بقوله.. أنا أوافقكم. وكان هذا الموقف حيلة دبرها العبدي، ليوقع بهما معا، وبمجرد توصله ببيعتهم السرية أرسلها بدوره للمولى سليمان، فاغتض السلطان على أخيه مولاي الطيب وبعث له على أن يرحل عن مراكش ويأتي إلى مكناس .