ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
حسب الوثيقة التي تحمل رقم 3350/ مؤرخة في 13 ذي القعدة 1283/19 مارس 1867، وهي مراسلة موجهة من بهى حزان مدينة الصويرة إلى أمين الأمناء محمد بن المدني بنيس يطلب فيها عدم التضييق على صهره التاجر اليهودي إسحاق قرياط بسبب عدم قدرته على تسديد ديونه لفائدة المخزن نظرا للخسران الذي طال تجارته، والجدير بالذكر أن التاجر سبق له وأن راسل المخزن بهذا الصدد غير أنه لم يتلقى جوابا شافيا وربما هذا بسبب وضعه ضمن خانة « المشاهرين بهم» مما يعني أنه تماطل و تهاون في تسديد الدين، مما جعله يوظف وساطة صهره الحزان؛ ربما يشفع له لدى المخزن. ومما جاء في الرسالة: « …فبكريم علم سيدنا أن صهرنا التاجر إسحاق فرياط طلب منا الكتب لحضرتكم العالية بالله في شان ما كتب به لسيدنا نصره الله. وللوزير الطيب في شأن مشاهرته الموظفة عليه. فإنه قد وقف في تجارته وانعكس الأمر عليه وضاق أسبابه لما لقاه من الخسارات في هذا العام ولم يكن له شيء موفر يدفع منه ذلك. وطلب من سيدنا أن يسقط عليه المشاهرة أيما حتى تعود تجارته فإنه مدة من عشرة أعوام سلفت يدفع ما وضف عليه ولم يعجز حتى وصله ضرر ولحقه الخسران. وكتبنا إليك ولوجه الله والمحبة أن تباشر أمره وترى من حاله من عند سيدي الفقيه فإننا كتبنا إليه ورغبناه عنه. ولعل الله يسره على يديه فإنه منا وإلينا وصهرنا ونحن أشفقنا من حاله لما أننا اطلعنا على أحواله. ولا تقصر في شأنه كما هو الظن بك جميل بارك الله فيك والسلام.»
نزاع بين التاجر الذمي حييم بن بخاش و شلمو بن جبو تفضي باحتماء الثاني بالإنجليز:
سبق وأن أشرنا إلى أن المغاربة ذميين ومسلمين وجدوا ضالتهم في الحماية القنصلية كملجأ تجعلهم فوق الشرع وتسقط عنهم الضرائب وهذا حال اليهودي المغربي شلمو بن جبو الذي دخل في نزاع مع خصمه الذمي حييم بن بخاش مما جعل الأول يحتمي بدولة الانجليز في شخص أحد تجارها يدعى أكريش. وحسب الرسالة الموجهة من القائد المهدي بن المشاوري إلى وزير الخارجية محمد بركاش؛ فإن حييم بن بخاش هو دائن لشلمو بن جبو بما مقدراره 11260ريال ثمن سلعة مكونة من» اللوز والعلك وأطرن مختلفة» ولكي يتخلص المدين من الدين سارع للاحتماء بأحد التجار الأجانب ويتعلق الأمر بالتاجر الإنجليزي أكريش . وحسب الرسالة فإن هذه القضية تطرح إشكالا قانونيا ما إذا كان السلطان هو من سيقضي فيها أم دولة الإنجليز في شخص قنصلها العام جون دريمند هاي المستقر بمدينة طنجة. ولما احتمى التاجر شلمو بن جبو بالانجليز فإن قنصل إنجلترا في الصويرة رأى أن الوحيد الذي يمكنه الفصل في مثل هذه الدعوى هو قنصل دولة إنجلترا وليس السلطان لأن المدعى عليه محمي من طرف التاجر الإنجليزي، وبالتالي فإن الأحكام القضائية في مثل هذه الدعاوي يصدرها القنصل وليس المخزن مما يعني أن استفحال الحماية القنصلية مس بالسيادة المغربية ورموزها وهو ما يؤكده القائد المهدي بن المشاوري في رسالته هاته للوزير محمد بركاش قائلا « … لكون دعواه مع خصمه مشغبة وأظن واللهه يعلم».