شهادات الكتاب حول منظمتهم الثقافية
سياق التحولات -2/2-
ظل «الملحق الثقافي» لجريدة الاتحاد الاشتراكي، مواكبا لانشغالات ومحطات اتحاد كتاب المغرب التنظيمية منذ تأسيسيه، إيمانا منه بدور الثقافة ودور اتحاد الكتاب في التغيير، لذا ظلت محطة المؤتمرات مناسبة لفتح النقاش وتخصيبه حول واقع وآفاق هذه المنظمة ، وسبل الدفع بأفقها الى أقصاه خدمة للثقافة المغربية وإشعاعها جهويا وعالميا.
هكذا وفي أجواء التحضير للمؤتمر الثالث عشر يومي 26و27 أكتوبر بالرباط .
خصص الملحق الثقافي عدده ليوم الجمعة 25 اكتوبر لمساهمات الكتاب والمفكرين النقدية من أجل إغناء النقاش حول القضايا الثقافية الهامة في سياق التحولات، وهي السياقات التي توقفت عندها ورقة الدكتور عثمان اشقرا .
يمكن اعتبار انعقاد المؤتمر الثامن (نوفمبر 1983) محطة أساسية في هذا الصدد، مستدلين على ذلك انطلاقا من كلمة الافتتاح التي ألقاها الأستاذ م. برادة، حيث استحضر بإيجاز تجربة الاتحاد بعد مرور عشرين سنة على تأسيسه متوقفا بالخصوص عند جانب من جوانب المناقشات التي بدأت في مؤتمراتنا و عرفت امتدادات في الصحف واللقاءات وأعني العلاقة بين الثقافي والسياسي، ثم ينبه الرئيس السابق للاتحاد إلى ما اعتبره خلطا حاصلا لدى البعض بين من جهة،” السياسة و السياسي»، ومن جهة أخرى، الثقافة و الثقافي، مما يجعلهم يتكلمون عن السياسي والثقافي، وهم في الواقع يتكلمون «التحزب والثقافة» . وعليه فالمطروح حقيقة كإشكال هو مسألة «التحزب» وانعكاساتها على اتحاد كتاب المغرب بدون أن يعني ذلك مطلقا أن نصادر حق الاعضاء في الانتماء إلى الأحزاب أو الى اختيارات سياسية معينة مع ضرورة اعتماد الحوار الديمقراطي داخل الاتحاد والتعامل مع الأعضاء «بصفتهم كتابا أولا لا بصفتهم حزبيين».
وبدون جدال فهذه مبادرة توضيحية مهمة في مسار تدقيق وتعميق النقاش حول مسألة الثقافي والسياسي في منظور التحديث أكثر لدور الكاتب أصلا كفاعل ثقافي باعتبار الثقافة بؤرة وعامل دينامية مجتمع بأكمله وهيئة “اتحاد كتاب المغرب» إحدى مؤسسات هذا المجتمع الذي بدأ نعت المدني له يتردد أكثر في الساحة الثقافية والسياسية المغربية العامة.
لذا لاغرابة أن نجد الورقة الثقافية الخاصة بالمؤتمر الثاني عشر ( نوفمبر 1993 ) تستحضر باقتضاب، لكن بنفاذ مجمل هذه التحولات التي جعلت المطالبة بالديمقراطية وحقوق الانسان الشاملة أكثر اتساعا وعلانية وتنظيما، مما يطرح على اتحاد كتاب المغرب بكل أعضائه ضرورة بلورة مشروع ثقافي يستجيب لتحديات هذه التحولات المتسارعة استجابة للروح التي سار عليها في كل مؤتمراته وتطلعه لاستيعاب الحداثة في مختلف تجليات أشكال الكتابة وطرائق الإبداع وأنماط التفكير والتنظير.
فهل سيكون المؤتمر القادم لاتحاد كتاب المغرب في المستوى هذا المأمول ليطرح جانبا الخلافات الهامشية ويقبض على نبض التحولات العميقة الجارية وهو ـ أي الاتحاد ـ ومنذ مرحلة الإرهاصات وفترة التأسيس… إنما نشأ وتطور في خضم التفاعل مع التحولات في داخله ومن حوله؟
إن المقام ليس مقام التفصيل في عدد ونوعية التحولات التي يعرفها مغرب اليوم. وعليه سنكتفي بالإجمال والقول بأن سلسلتين من التحولات يلزم استحضارهما في هذا الصدد:
السلسلة الأولى مرتبطة بالتيارات التحتية العميقة التي تخترق مسطحات التشكيلة المغربية الأكثر غورا وتفعل فعلها في وعي ولا وعي الجماعات والأفراد. وهذه التحولات مرتبطة بدورها بسلسلة الأحداث السياسية والإيديولوجية الكبرى التي هزت العالم في العشرية الأخيرة من القرن العشرين ووسعت دائرة تأثيرها بشكل هائل وسائل الإعلام السمعية البصرية . وهذه التحولات التي فاجأت حتى أنبه وأنبغ الملاحظين وطوحت بإيديولوجيات وقوضت يوطوبيات وأعادت بمعنى من المعاني الفعل السياسي إلى حجمه ومضمونه الأصليين “فن الممكن”.
والممكن هو ما تسمح به قوانين السوق التي لاسبيل للقفز فوقها، والمبادرات الحرة التي يلزم عقلنتها وضبطها أكثر، ووقوع الإنسان كطاقة خلاقة ينبغي إطلاقها والاعتناء بها في بؤرة كل هذا. ومن هنا ما نلاحظه من إعادة شحن المثل العليا السابقة مثل التقدم والإشتراكية بمضامين الديمقراطية المحلية (وليس الديمقراطية المطلقة) والدفاع عن حقوق الإنسان( الواقعي وليس المجرد)، وبناء المجتمع المدني (وليس بناء الدولة الوطنية المتسلطة). وبالاجمال إن ثقافة سياسية جديدة هي في سبيلها الى التبلور والتشكيل، ومن الأهمية يمكن القبض على نبضها الحي والعميق حتى لا نبقى على هامش التحولات الحقيقية التي تجري فينا ومن حولنا.
السلسلة الثانية من التحولات مرتبطة بما نلاحظه في المغرب راهنا من انطلاق إرادة جديدة في طي صفحة ماض قريب وأليم، وإنجاز تراض واقعي بين مكونات البلاد الحقيقية والأصيلة: مؤسسة الملكية الدستورية، أحزاب الحركة الوطنية ، عناصر وفئات العمل والإنتاج الوطنية. وبالشجاعة السياسية المطلوبة في كل لحظة تحول تاريخية حاسمة، يمكن الرهان على أن هذا بدوره يشكل مؤشرا على بداية تبلور ثقافة سياسية محلية، جديدة مبنية أساسا على عنصر التراضي وقيمة الحوار. وهذا بدوره رهان من المطلوب تمام الانخراط فيه والعمل على توفير كل عناصر النجاح له.
وبالطبع فالتقويمات والمواقف بصدد هذه التحولات الاخيرة يمكن أن تختلف وحتى تتواجه . وليس هذا في تقديري هو ما ينبغي أن يشكل بؤرة النقاش، بل النقاش ينبغي أن ينصب أساسا على «بؤرة» أخرى أعمق: إذا كانت السياسة، في معناها الأصلي المتجدد الذي نلاحظ عودته وانبثاقه هي ممارسة فعل التمدن للحاضرة / المجتمع ، و الثقافة هي ثقافة التمدن / المجتمع المدني .. فهل يبقى معنى لطرح مسألة العلاقة بين السياسي والثقافي من طرف المثقف /الكاتب؟