الفيغارو، صفحتان من التلميح المغرض، والتلويح بالحرب والغمز في النظام 2-2

الهروب من مسؤولية فرنسا في توتير العلاقات والتهجم على المغرب في البرلمان الأوروبي

استصغار قضية الوحدة الترابية وتبخيس الشعور الوطني وتحويله إلى دراما نفسية

 

 

ردا على الفيغارو: هل تهدد فرنسا المغرب بحرب وكالة مع الجزائر ؟

مرت 3 أشهر على ما كتبناه من كون اللحظة الاسترجاعية التي يريدها إيمانويل ماكرون والدولة العميقة عنده، قد تتجه نحو تأجيج الصراع بين المغرب والجزائر، لضمان آخر قلاع النفوذ في القارة.
في يناير من السنة الجارية كتب العبد الفقير لرحمة ربه أن ماكرون يسترجع لحظة “حياد مزعوم لتشجيع الصراع بين المغرب والجزائر”!
واليوم تعنون الفيغارو ما يشبه التهديد بالحرب على لسان من تعتبر محللة مكلفة لدى الساسة والإعلاميين الفرنسيين السيدة خديجة محسن فنان.
فقد صرحت بأن اندلاع الحرب في المنطقة احتمال وارد، وبطبعة الحال عزت ذلك إلى”لشعور بالقوة” الذي يتملك المغرب، في تنكر واضح لكل العقيدة الحربية التي تغذيها الجزائر صباح مساء.
وكان حريا بها أن تعود إلى ما أوردته هي ذاتها من صراع بين أجنحة الدولة الشرقية، بين مجموعة الرئيس تبون ومجموعة قادة عسكريين، نجوا من وليمة الأهلية للنظام التي أكل فيها نصفه في ما بعد بوتفليقة وقايد صالح..
قبل الوصل إلى نقطة الحرب التقليدية، كانت الفيغارو قد مهدت الطريق بالعديد من النوايا الحية والجبهات المتنوعة.

بيغاسوس الاسم السري للحرب على الساحة الأوروبية

من واجهات الحرب على المغرب، تم اختيار كلمة السر “بيغاسوس”، وفي التحقيق الصحفي كما فهمه صاحبه، تم اعتباره حجر الزاوية في إحراج المغرب، لكن مجمل ما نصل إليه هو أن الحديث عنه بيَّن كما لو أن هناك من أثبت فعليا ما جاءت به “جمعية” من الصحافيين! ثم الإسراع بالإشارة بأصابع الاتهام إلى ياسين المنصوري وعبد اللطيف الحموشي!
وفي التفاصيل، نجد أن “ماكرون استدعى اجتماعا استثنائيا لمجلس الدفاع لم يتسرب عنه شيء”، ولكن لم تعتبر الأقلام التي دبجت كل ما كتب بأن الحدث كان سيكون هو الكشف عن ما دار في هذا الاجتماع الاستثنائي، أو يكون المقال هو ذاته الحدث لو كان مبررا لمطالبة الرئيس الفرنسي بقول الحقيقة لشعبه ونخبه حول ما جرى.
أما الاكتفاء بالمعاينة بدون أدنى تعليق من اليومية في حين تكتب بلا خجل أن “محمد السادس تشبث بالنفي” فهذا معناه الوقاحة ولا شك، وليس في الأمر أي احترام لرئيس دولة يفترض فيها أنها شريك عريق!
وفي قضية “بيغاسوس”، دوما، تقر الصحيفة أن الأزمة الفرنسية كانت ” مع المغرب وإسرائيل” غير أن ذات الأزمة “هدأت مع البائع”، والذي ثبت بيعه وامتلاكه لبرمجية التجسس “بيغاسوس”.
ولم تهدأ مع الشاري المفترض…. المفترض الذي لم يثبت عليه شيء!
فكيف نصف هذا السلوك إذا ما نحن تنازلنا وأخرجناه من خانة الوقاحة: أهو جبن أم ديبلوماسية كما تريدها خديجة محسن فنان، أي بلا مواقف؟
الأنسب هو التفسير الذي تقدمه الفيغارو التي تقول بأن إسرائيل استفادت من ظروف التخفيف لأنها نكأت الدمل، في حين أن المغرب، لم ينكئ الجرح!
ف”اسرائيل قامت بعمل مشرف بأن اعترفت، أما المغرب فلم يعترف وبهذا يكون المغرب قد أخطأ لأنه لم يعترف ….بشيء ظل ينفيه !
وقمة السكيزوفرينيا هو أن يعترف صاحب المقال مع ذلك بأن ” التحقيقات القضائية التي فتحت في فرنسا لم تثبت بحجج دامغة هوية من كان وراء انتهاك المراسلات والمكالمات…”.
يا إلهي، هل كان ديكارت وكانط من أصحاب المنطق…. فرنسيَيْن؟؟

الحرب الفعلية والتحليل النفسي ؟

الاسترجاع الذي تحدثنا عنه يتضح جليا في الحديث عن الصحراء الشرقية وعودتها إلى “واجهة اليومي” من خلال الكشف عن محتويات “الأرشيف الملكي”، في إشارة إلى اللقاء الذي تم في رحاب وكالة المغرب العربي للأنباء، والذي أستضاف مديرة الوثائق الملكية السيدة بهيجة سيمو، وما عرضته من وثائق عن امتدادات المغرب الترابية طوال تاريخه، ومنها اللحظة السابقة عن الاستعمار واللاحقة عليه.. وممارسات المارشال ليوطي، وحيثيات التقسيم الذي قام به الاستعمار للخريطة المغربية…
واعتبرت اليومية بأن هذا المنحى المغربي” استراتيجية على الطريقة التركية” : الشي الذي يستوجب التدقيق التالي :
ـ هذا الكلام يسلط أضواء التفسير على ما تسرب إلى الصحافة من أقوال المدير العام للأمن الخارجي الفرنسي (الاستخبارات الفرنسية الخارجية)، بيرنار إيمي، حول وقوف فرنسا في وجه تحول المغرب إلى قوة إقليمية ؟
– الكلام يتخذ نوعا من التهديد المبطن عندما يتم الحديث عن هذه الاستراتيجية باعتبارها “استراتيجية ذات حدين” ! ويتضح التهديد أكثر عندما يتم الحديث عن الحرب بلغة مباشرة واضحة، مصدرها… المغرب!
في الحرب المباشرة، يرد على لسان الباحثة خديجة محسن فنان ما يوحي بأن :
ـ المغرب صار قوة إقليمية بفعل صلابته الاقتصادية ونجاحاته الاستراتيجية.
ـ أن التعاون مع إسرائيل الفاعل الجديد يزيد من شعوره بالقوة .
ـ أن الصراع بين أجنحة النظام في الجزائر، الرئيس والجيش يقوي فرص المعركة.
ـ المغرب لا يقدر قوة خصمه الشرقي حق قدرها ..
وكل هذه العناصر تزيد من خطوط الحرب.
والواضح بأن المتهم هنا هو المغرب، والذي ترسم له الفيغارو بورتريه دولة في لحظة صعود … أمبريالي يحتاج إلى الغزو.
ويتم بالمطلق التغاضي عن ثقافة يومية وشحن إديولوجي يعود إلى غابر الأزمنة من أجل استعداء الشعب الجزائري ضد جاره الغربي، وتغاضي المحلل والديبلوماسي عن كل المواقف العدائية التي بنتها الآلة الديبلوماسية والعسكرية الجزائرية ضد المغرب، والاتهامات والتحركات والأموال التي تنفق منذ عقود، التي سبقت التعاون الإسرائيلي المغربي، وسبقت الاعتراف الأمريكي وسبقت التغلغل المغربي المشروع في إفريقيا، وغير ذلك مما يعاب عليه ويجعله في قفص الاتهام.
والواقع أن الحرب حسابها فرنسي محض !
وقد مرت 3 أشهر على ما كتبناه من كون اللحظة الاسترجاعية التي يريدها ايمانويل ماكرون والدولة العميقة عنده، قد تتجه نحو تأجيج الصراع بين المغرب والجزائر، لضمان آخر قلاع النفوذ في القارة، وللتحذير فإن هذا العبد الفقير لرحمة ربه، كتب يوم 26 يناير 2023 : ”
يقول هنري كيسنجر في كتابه الديبلوماسية، إن التاريخ هو ذاكرة الدولة.. والتاريخ المشترك، يفيدنا بأن اللحظة الدوغولية في علاقة فرنسا مع المغرب قد عادت مجددا، والمناخ مناخ حرب مع الجارة شرقا.
تفتخر فرنسا في الآونة الأخيرة بأنها وضعت أفضل قانون برمجة عسكرية في تاريخها منذ الفترة الديغولية في 1960، عندما قاد الجنرال التجارب النووية في صحراء المغرب الجزائرية!
وكان الإعلان الرسمي المفخم للرئيس إيمانويل ماكرون قد أفصح عن تخصيص 413 مليار يورو (قرابة 430 مليار دولار )، وهو أكبر ميزانية عسكرية منذ 1960.. وقت منحت فرنسا لنفسها القنبلة النووية.
وهي رمزية شدد الرئيس الفرنسي عليها..
يقول إيمانويل ماكرون، في حديثه لتبرير الرفع المهول من الميزانية العسكرية، إن على فرنسا” أن تكون متقدمة بحرب..”nous devons avoir une guerre d’avance كما يسبقك آخرون باعا. ولا أحد يعرف بأن الحرب هنا هي المقصودة في شرق أوروبا بين أوكرانيا والروس، لأن المجال الحيوي لفرنسا هو شمال إفريقيا وإفريقيا الغربية خصوصا، فهل هو هذا مجال التلميح الرئاسي؟
لا أحد يدرك المغزى إلا من مصادفات الرزنامة الديبلوماسية لباريس، وهي تعلي من نزعتها العسكرية وتستقبل في نفس الفترة رمزها الحي في الدولة الشرقية، سعيد شنقريحة.
إن فرنسا تهيئ جوا عدائيا للمغرب، وهي تسارع من أجل قلب الأجندة الأوروبية الإيجابية إزاءه .
فرنسا تواجه في هذه الفترة أصعب لحظاتها الاجتماعية ورأيها العام المجتمعي ينظر بغير قليل من السخط إلى هذا البذخ العسكري، في وقت يخرج ملايين الناس إلى الشارع، استنكارا لنقص ميزانية المدارس والمستشفيات مما يغذي التوترات الاجتماعية، لكن النزعة العسكرية استولت على الرئيس بعد فشل كل الوصفات السابقة للردع والتأثير على السلطة المرنة وصناعة النخب، ويبدو كما لو أنه اختار أن يكون الرد هو العسكرة المتزايدة..
الجميع يعرف أيضا أن الميزانية العسكرية تخضع في جزء منها للتدبير السري، أي تنقصها الشفافية والاطلاع الواسع لعموم الناس، كما في كل الميزانيات العسكرية.. وهنا يجتهد خطاب الرئيس في لغة الردع كمقولة ديغولية بحتة، بنت عليها فرنسا قوتها في العالم…
ومن النقط التي تحدث عنها الرئيس في علاقة مع إحياء فلسفة الردع،” إعادة تعريف الوضع الفرنسي في إفريقيا” …
في عز النفور الإفريقي من التواجد الفرنسي في القارة السمراء ما زالت فرنسا تسعى إلى لعب دورها المخاتل في شمال القارة.
والسؤال البديهي هو: لماذا تسعى إلى التفوق العسكري؟
تاريخيا كان ديغول قد علق على الحرب المغربية الجزائرية في 1963 بالعبارة الشهيرة “اتركوا العرب يتقاتلون بينهم” ! لقد قال بالحرف  ” سنساعد المغاربة بتمكينهم من الأسلحة، ونساعد الجزائريين بوضع مطار كولومب بشار رهن إشارتهم وهكذا نساعدهم على الاقتتال، وعلينا مع ذلك أن نتصرف كما لو أننا محايدون”، وقتها كان وزيره في الخارجية والناطق باسم الحكومة في ستينيات القرن الماضي آلان بييريفت، Alain Peyrefitte ، قد طلب منه إعلان الحياد رسميا فأجابه”لا يجب أن نعلن أي شيء، وعلى كل، هذا أمر غير صحيح (إعلان الحياد). ”
هذا الحياد المزعوم يعود من جديد أكثر بروزا، وهو تقوية الطرف الجزائري، في اعتقاد فرنسا، على حساب المغرب… ولماذا لا، تنفيذ الخطة التي دعت إليها أطراف ألمانية سابقا، والتي كانت تريد من الاتحاد الأوروبي أن يفرمل التقدم المغربي إلى حين أن تصبح الجزائر وتونس على نفس المستوى من الريادة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ماكرون يريد أن يتقدم على أقرانه بحرب، ماكرون يرفع الميزانية العسكرية إلى مدى غير مسبوق، ماكرون يفتخر باللحظة الديغولية، ماكرون يستقبل شنقريحة وماكرون يطلق مستشاره وقائد حملته في البرلمان الأوروبي ستيفان سيجورني لتلغيم الاتحاد الأوروبي…

ماكرون يريد أن يجرب حظه
مع الحرب!

ومن مستملحات التحقيق والحوار المصاحب له، هو أن التحليل العسكري والجيوستراتيجي عند الجامعية وعند المحقق الصحافي انتهى إلى … تحليل سيكولوجي ونفسي، يجمع بين الفردية واللاكانية.. تفسير الأحلام والتنمية الذاتية.
فقد وجدت التحليلات الطارئة بأن تفسير العلاقة التوترية بين المغرب وفرنسا لا يمكن فهمها بدون قاموس التحليل النفسي، والتداعيات الباثولوجيا، والبحث في اللاشعور ( ما هو لا شعور الأوطان يا ترى؟ ) عن “الجرح المغربي النرجسي”!
هذا الجرح النفسي هو الأهم، في التحليل عندهم، ويتضح ذلك من خلال جواب خديجة محسن فنان عن السؤال التالي: ” هل للنزاع بعد عاطفي؟” إذ تقول بأن “الجرح المغربي نرجسي. ذلك أن فرنسا لم تعوِّد المغرب على هذا التعامل”. أولا لنبدأ بمعنى الجرح النرجسي أوالضرر النرجسي كما وضعت توصيفاته ثقافة التحليل النفسية منذ سيغموند فرويد ، فهو يعني “الضرر الذي يمس الذات، ويسيء إلى التقدير الذاتي لدى الفرد، وهو في الوقت ذاته جرح يضع حدا لوهم المعني به، في ما يتعلق بقدرته وقوته المفترضتين”!! .. وهذا المعنى بالذات وارد في كلام خديجة فنان عندما تتحدث عن المغرب، وهو حسبها عرضة لـ” نوع من الثقة رأت النور منذ سنوات، ولا علاقة لها بعودة الروح الوطنيةnationalisme ، وقد تأكدت في دجنبر 2020 مع دونالد ترامب والتطبيع مع إسرائيل، ومنها شعر المغرب أنه قوي وصلب على المستوى الاقتصادي وبفعل انتصاراته الاستراتيجية..” هذا الشعور بالثقة في الذات أصيب في مقتل، حسب المحللة النفسوسياسية، لأن المغرب، “في هذا الوقت بالتحديد، شَعَر بتخلي شريكه المفضل عنه وتوجهه نحو الجزائر”…
هذا نوع من التحليل الذي سيزيد في غرور شنقريحه، ولكنه سيبعث على السخرية في الأوساط العلمية والأكاديمية وفي دوائر القرار .
فهو يضع المتتبع أمام تفسير مرضي لواقع سياسي سيوسيولوجي محكوم بقوانين العلوم السياسة والواقعية القاسية لموازين القوى.
هناك هذا النزوع “البسيكانليزي” في تأويل كل شيء يخص المغرب، ويستفاد منه أن المغرب “في حاجة إلى أن يتم الاعتراف به والعناية به عبر إظهار علامات حبه” كأي دولة ـ طفل!
وتواصل اليومية في السياق ذاته، وعلى نفس المنحى النفسي البسيكانليزي: من خلال الحديث عن علاقة “جاك شيراك ” العم أو الأب الآخر، بالمغرب، ولا تقف عند الحد الفردي في العلاقات النفسية في تفسير السياسة، بل إنها تضع البلاد كلها على سرير التحليل الفرويدي، وهو إنجاز لم يحصل بعد منذ صدور كتاب الدروس الخمسة للتحليل النفسي لصاحبه سيغموند فرويد !
وتتداعي الباحثة بالقول إنها “تفهم خيبة أمل المغاربة وهم يشاهدون فرنسا تتخذ مسافة إزاءهم، في لحظة تعرف فيها فرنسا انفراجا في علاقتها مع الجزائر«!!!..
ونفهم منه أن المغاربة كلهم يعيشون حبا مجروحا يعبر عن نفسه وينفس عن غضبه من خلال … السياسة والاستعداد للحرب!

ختاما :أسلوب الحكم الملغز والجد مغلق

في مقال مؤطر عن حكم الملك محمد السادس لم تجد اليومية غضاضة في الكتابة عن إشاعات مرت عليها خمس سنوات تخص”احتمال تنازل عن العرش” من طرف محمد السادس! تم كتبت بأن هذه الإشاعة خفت رويدا رويدا لأن “الحسن ولي العهد ليس مستعدا بعدُ للحكم “، وعندما سينهي تكوينه ستدخل البلاد في انتقال. ..سلالي يعني!
في الواقع لا داعي للتعليق، سوى بسؤال واحد: إذا كان الحكم مغلقا جدا، ولا تتسرب منه أدنى نأْمة أو شعاع، وإذا كان ملغزا جدا، كيف علمت الفيغارو وفرنسا العميقة بكل هذا المعطيات؟
لعل الجواب هو أن المخابرات الفرنسية علمت بالأمر؟
طيب ليكنْ ذلك: لماذا لم تحْمِ هشاشة رئيسها ماكرون من تنصت المغاربة وبيغاسوسهم يا ترى؟
وهل يكون نظام العسكر الصديق الجديد والحليف الطاريء أكثر شفافية يا ترى، حتى أن صديق الرئيس ماكرون في البرلمان الأوروبي، «سيجورني» قد دافع بكل ما يملك من قوة حتى لا يصدر قرارا يدين نظاما يزج بالمعارضين في السجون ؟
هو مجرد سؤال «طنزي» أما نفي التخرصات الإعلامية لدولة فرنسا المخابراتية من عدمه، فهو تمرين لا داعي له!!


بتاريخ : 15/04/2023