تعود «الاتحاد الاشتراكي» من جديد لتحيي ذاكرة تاريخية لمنطقة عرفت عبر مراحل تاريخية جد مهمة أحداثا مازالت منقوشة من خلال الآثار الجغرافية أو ما تم تدوينه كإرث تاريخي لعصر اختلف فيه الباحثون، وحوله بعض المؤلفين إلى سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية، بل جعلوا منها أحداثا قابلة للفرجة، ولو كان ذلك على حساب تزييف مرحلة تاريخية مهمة .
نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..
بعث محمد بن عمر برسالة الى السلطان مولاي الحسن يبين فيها ظروفه الصحية التي لم تسمح له بالقيام بأعباء القيادة، ويلتمس منه تعيين أخيه عيسى بن عمر خليفة له على قيادة البحاترة وبعد مضي ستة أشهر على تقديم طلبه، وافق السلطان على تعيينه قائدا على قبيلة البحاترة، وذلك سنة 1279 هجرية/ 1879 ميلادية، وهي سنة وفاة أخيه، ومع توليته على قبيلة البحاترة كانت عبدة تعرف ثلاثة قواد هم: (القائد عيسى بن عمر البحتري على قبيلة البحاترة)، (القائد أحمد الحافظي على قبيلة الربيعة)، (القائد محمد الثمار على قبيلة العامر).
وكان ترشيح عيسى بن عمر لمنصب قيادة البحاترة مقبولا من طرف السلطان المولى الحسن، ولم يثر أي اعتراض من طرف أعيان القبيلة. فكان ظهير تعيينه تسجيلا لانتقاء رغبة الطرفين: المخزن من جهة وأعيان القبيلة من جهة أخرى. لهذا كان القائد يعتبر هو الوساطة المباشرة بين المخزن المركزي والقبائل التابعة له، أو هو المجسد لسلطتين سياستين. الأولى وهي محلية محضة تنبع من القاعدة ، والثانية وهي واردة من الخارج لمقابلتها ، فتصدر من المخزن أي الدولة، أما الاتحام بين السلطتين فيتم في شخص القائد. لذلك كان تعيين القائد عيسى بن عمر بمثابة اضفاء الشرعية على قوة محلية واقعة وسابقة في التعيبن تبرز قدرة المركز على التكيف مع الواقع المحلي ومسايرته وتضمن للمخزن المركزي إمكانية التأثير على القبيلة بواسطة القائد لتطبيق السياية المخزنية المركزبة .
والواقع أن القائد عيسى بن عمر، لم يحصل على منصب القيادة بواسطة الشراء أو الاغتصاب، ولم يعين قهرا ضد القبيلة، بل المركز الاجتماعي الذي كانت تحتله أسرته والتجربة التي اكتسبها خلال فترة الخلافة، ولمدة تزيد على خمسة عشر سنة، وامتلاكه لثروات أخيه حيث حاز جانبا مهما منها، وحافظ على باقي ممتلكاته بزواجه من أرملته أم هاني أوبلة أعطاه مركزا ونفوذا وسط قبيلته، فتوجه المخزن المركزي بظهير تعيينه قائدا ومجسدا فعليا لسلطة المخزن على المستوى المحلي .
إذا كان عهد السلطان المولى الحسن قد تميز بتفكيك القيادات الكبرى إلى قيادات صغرى وصل عددها ثلاث مائة وثلاثين قيادة على رأس كل منها قائد (هزيل) لا يمكنه الخروج عن الأوامر المخزنية، فإن ما نلاحظه من خلال نموذج عبدة، هو العكس، إذ بقيت محتفظة بقيادتها الثلاث، واحتفظ القائد.. عيسى بن عمر بقيادته على قبيلة البحاترة، وهذا ما يتناسب مع الطرح الذي يقول إن ذلك التفكيك في بعض الجهات كان من أجل تقريب السلطة المركزية من القبائل، فاختيار عيسى بن عمر وإبقاؤه على مجموع قببلة البحاترة كان بسبب تأكيد جدارته بتمتين علاقة القبيلة بالمخزن المركزي بإجرائه الأحكام والقيام بالخدمة المخزنية، فالقائد هو نائب الإمام في جباية ما جرت العادة أن تدفعه الرعية للسلطان.. فيردع الظالم، وينصر المظلوم بمزيد رهبته وفضل هيبته، وطالما أن القائد قادر على تحقيق هذا الغايات، فليس هناك أي مبرر لدى السلطة المركزية لإضعاف نفوذه باعتبار أن كل إضعاف لسلطته ونفوذه هو بالتالي إضعاف لسلطة المخزن وهيبته .
وقد كان القائد عيسى بن عمر يسعى إلى تثبيت مكانته لدى المخزن المركزي، وقد تمكن من التوصل إلى ذلك عن طريق المصاهرة.. فقد زوجه السلطان المولى الحسن إحدى أرامل أبيه سيدي محمد. وتذكر الرواية الشفوية، أن السيدة فاطنة أرملة السلطان سيدي محمد دخلت قصبة القائد زوجة له، حملت معها تقاليد مخزنية، نقلتها إلى زوجها القائد ، فأصبح بذلك يمتلك بعض هذه التقاليد والأعراف المخزنية، ويطبقها في حياته وممارساته، وتنسجم هذه الرواية مع مانقله المختار السوسي..