الصيدلية أو الفارماكون ، بلغة الإغريق ، ابتكار عجيب لمعالجة السم بالسم (الترياق) .السم قاتل و شاف في الآن نفسه .و بما إنه الأساس الوجودي لكل صيدلية ، تكون الصيدلية بحكم أسها ذاك مفارقة . مفارقة يكثفها شعارها أو طوطمها . الثعبان القاتل بسمه الشافي طوطم الصيدليات و الصيادلة .إنه الرمز و المفارقة المركبة للتضاد الملغز ، و العارضة للعبة المظهر و الحقيقة ، و المجسدة لاقتصاد المعنى المرسل .
صيدليتنا الرمضانية سنعرض فيها أفكار ملغومة بكل مواصفات المفارقة . أفكار صغيرة ، لكنها غائرة في المعيش الثقافي و اليومي « للمغاربة « . أفكار قاتلة بسمها لكنها في الآن ذاته ترياق جماعي لتدبير أمن و سلامة العيش في اليومي .
في دراسة ميدانية مطولة ، استهدف عالم الاجتماع المغربي المختص في الشأن القروي محمد مهدي، رفقة فريق من الباحثين ، تشكل و حضور فئة الأثرياء الجدد هته ضمن منطقة « هضبة سايس «.و بما ان هذا المقام لا يسمح بعرض موسع لمنطلقات و فرضيات و طريقة جمع المعلومات و عرض جميع الخلاصات المحصل عليها ، فسنكتفي بعرض سحنات الملاكين العقاريين الجدد الذين تخرجوا من «معاهد «المخطط الاخضر و الجيل الأخضر .
الأثرياء الجدد أو القرويون الجدد أو الفلاحون الحضريون ، كما تنعتهم الدراسة ، هم :
– فلاحون حضريون يقطنون بالمدن . لقد ميز الإحصاء الفلاحي لسنة 1996م بين أصحاب الاستغلاليات الفلاحية القاطنين بالقرى و القاطنين بالمدن أو بالخارج . و قد حدد الإحصاء عدد الفلاحين الحضريين في 126 612 فلاحا حضريا ، أي ما يشكل 8فاصلة 5 في المائة من مجموع الاستغلاليات الفلاحية بالمغرب . رقم يؤشر على قيمة طبيعة الظاهرة الجديدة المتولدة بالمغرب . في هضبة سايس توصلت الدراسة إلى أن عدد الملاكين العقاريين النيو –قرويين يشغل نسبة 37 في المائة من مجموع الاستغلاليات . و هي نسبة تتجاوز بثلاث مرات النسبة الوطنية .و تدق ناقوس تشكل طبقة الملاكين العقاريين الجدد على حساب تشكل طبقة وسطى قروية .
-إنهم مستثمرون مالكون للأراضي .يشكل هدف امتلاكهم للأراضي ، و ليس فقط اكتراؤها ، همهم الأساسي ، لأنه يضمن لاسثماراتهم نوعا من الاستقرار. فضمن منطقة الدراسة يوجد 650 فلاحا حضريا ، 192 منهم من أعلن عن مساحة ملكيته العقارية . و قد بلغت مساحات ضيعات هؤلاء 7141هكتارا ، ما يعادل 13 في المائة من مجمل المساحة العامة بالمنطقة . رقم يبرز حجم توسع الملاكين العقاريين الجدد.
– إنهم فلاحون حضريون متعددو الأنشطة . فهم يمارسون إلى جانب النشاط الفلاحي مهنا أخرى (التجارة، الإدارة ، مقاولات البناء ، الصيدلة ، الهندسة ، مهن حرة ..) . مهن تنتمي في جلها إلى الفئة العليا من الطبقة المتوسطة . مؤشر يبرز فعل الانحراف الذي أصاب عملية خلق طبقة متوسطة ، عبررفع فئتها العليا إلى مصاف الملاكين العقاريين الجدد و دفع فئتها الوسطى و كذا فئتها السفلى نحو الفقر .يتعلق الأمر بتمزيق نسيج الطبقة الوسطى الحضرية و القروية ، و من ثم إبطال فعلها المجتمعي .
– إنهم فلاحون حضريون متعلمون و أصحاب ضيعات فلاحية عصرية مخصصة للتصدير . أمر جعلهم المخاطب الرئيسي للسياسات العمومية القروية و المستفيد الأول من أنماط الدعم الوطنية و الأجنبية . مؤشر يؤكد أن الضيعات الكبرى العصرية شكلت النموذج المثالي الذي انبنت عليه سياسة و استراتيجية مخطط المغرب الأخضر و الجيل الأخضر .
-إنهم ملاكون عقاريون قرويون جدد موسومون بالتغيب عن ضيعاتهم و عدم تملكهم لخبرة فلاحية . تفرض عليهم مهنهم بالمدن الحضور المتقطع للقرية ، مثلما يفرض عليهم هذا الوضع نوعا من الاختفاء و الالتباس الاجتماعي . إنهم لا يرغبون في الظهور كملاكين عقاريين جدد متعددي الأنشطة . مؤشر برز في عدم رغبة الكل التصريح بمساحة ملكيته ، و يبرز نوعا من الإلتباس الحاصل في صلات الثروة بالسلطة بالمغرب .
من بين خلاصات الدراسة الميدانية ، كون الأثرياء الجدد ، خريجو مخطط المغرب الأخضر و الجيل الأخضر ، لا تجمعهم أفكار و تصورات تهم استراتيجيات تنمية العالم القروي ، بل فقط هاجس الربح و مراكمة الرأسمال. إنهم الملاكون العقاريون الجدد الذين يحملون بالقوة كل النزوعات لبيع الوطن إن كان الوطن يضمن لهن فائض قيمة ربحية جديدة .