كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
إن فن وهندسة الرسائلية معرفة مشفرة، حيث أن شروط استعمال كل رسالة، وكل عبارة من العبارات اللائقة، وكل مضمون، وكل نوع من أنواع الكلام أو الخواتم..يتم تحديدها تحديدا دقيقا…وعلى غرار كل الطقوس الملكية نعي متى يجب اللجوء إلى اللغة العتيقة أو استعمال لغة العملاء أو العامية، وضع خاتم صغير أو آخر كبير… لكن إذا كانت العديد من العبارات مسكوكة، ومعروفة مسبقا فإن التعبير الرسائلي يتيح عددا لا نهائيا من التنويعات مما يترك المكان متاحا للتميز الفردي في الأداء، وبالتالي للبراعة والمهارة. ونجد أن بعض المنطوقات البروتوكولية، واللعب على الكلمات وبعض الرموز والعلامات ترسم بوضوح كبير نبرة الرسائل.. ولعل صيغ الكتابة المتبعة في التوجه نحو المرسل وخلاصات الرسالة، مرنة بشكل تام، وعليه فإن البدء بـ”صديقنا” أو “ خادمنا” لا تقولان نفس الشيء. وموازاة مع ذلك، نجد أن هذه اللغة الرسائلية هي أيضا معرفة مشفرة، حيث تلعب على ما لا يقال وعلى الممرات بفنية تامة، هكذا، عندما يرفض السلطان طلبا ما فهو لا يقول ذلك بطريقة واضحة أبدا بل يؤشر إلى الرسالة بحرف الصاد، وهو ما يعني في القاموس المخزني المتعارف عليه” صار بالبال”(او صار بعلمنا) أما عبارة” سنرى أو سننظر” فهي طريقة في تأجيل القرار.(انظر بن زيدان).. ويمكنه أيضا استعمال صيغ لغوية قاسية لتوبيخ الرعايا واللعب بمهارة اللغة وبتدقيقاتها لترجمة موازين القوة والمواقع الاجتماعية أو المناخ السياسي….
فن الرسائل هذا الذي نجده في فن الخطب الملكية اليوم ـ ليس معرفة حكرا على الدولة: وهو بهذا المعنى ليس معرفةَ دولةٍ حتى وإن كان مركزيا في فن الحكم لاسيما عند التنقل باعتبار أن البريد يرافق السلطان في حركته دوما، فهو معرفة مكثفة ومشتركة.. وهو من شروط ومميزات السلطة في كل مستويات المجتمع حيث يكون على القبائل أن تملك هذه الكفاءة تماما كما هو حال السلطة المركزية والجميع يلجأ إلى خدمات شخص مختص حتى وإن كان المخزن يحتكر لنفسه أفضل المختصين.. ويعتبر عبد الرحمان المودن أحد أول المؤرخين الذين اقتفوا آثار هؤلاء الكتبة المميزين المبحوث عنهم بفضل ما عرفوا به من تمكن من أركان الكتابة المخزنية، عبر طوافهم عبر القبائل.. وهذا التمكن ليس فقط نتاج بيروقراطية ممركزة، بل يسلط الضوء على تعدد قنوات نشر ممارسة سياسية واجتماعية، تترجم الطابع غير الممركز، غير التراتبي وغير الموحد للسلط..