المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية -28- الحسن الأول يوبخ عامل الغرب على إثر نزاع بين مسلم ويهودي

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

حسب وثيقة مؤرخة في 26 من رمضان1297 الموافق ل4 شتنبر 1890 راسل السلطان وزيره في الشؤون الخارجية “محمد بركاش” في موضوع طغيان اليهود وجرأهم على المسلمين، ويتضح من الرسالة أن أحد اليهود المدعو “يعقوب القصري” والذي دخل في نزاع بالضرب والجرح مع المدعو “الطاهر بن محمد المجذوبي” وكيل “الجيلالي بن عزوز السباعي” حيث أن هذا الأخير كان قد اتهم باطلا من طرف الذمي الذي ادعى انه أقرضه مائتي ريالا وفق ما ينص عليه مضمون الرسم المزورمما جعله ينهال عليه بوابل من السب والشتم والضرب المبرح، واحتجازه لمدة يوم تم نقله إلى عامل منطقة الغرب، وهو ما جعل السلطان يثور غضبا منبها إلى ضرورة إقامة العدل والقطع مع مثل هذه التصرفات ناعتا عامل الغرب وحاشيته بأبشع النعوت. كما طلب منهم احضار اليهودي المتورط والمتعاونين معه مكبلين إلى الحضرة العالية بالله .
*نزاعات بين المغاربة اليهود رعايا المخزن، والمغاربة اليهود المجنسين:
حسب مراسلة مخزنية تحت رقم رقم 1239، (مجلة الوثائق، مديرية الوثائق الملكية،ع 10،ط، 2000، ص،306ـ 308). فإن الأمر يتعلق ب”جاك ولد الرومية” الذمي المحمي بالإنجليز و” حيِّيم بن خباش” ذمي من رعايا السلطان. لقد تطور النزاع ومخافة من تدويله سارعت السلطات المغربية الزمن في شخص عامل أسفي “الطيب بن هيمة” الذي راسل على عجلة عامل مراكش “أحمد بن مالك البوخاري” الذي طلبه بعرض القضية على قنصل بريطانيا بأسفي، وإجراء العقوبة لسد الذريعة و إخماد الفتنة لأنه لا يستطيع معاقبته إلا بإذن حاميه. ولقد أجاب عامل أسفي بأن القضية لابد أن يفصل فيها السلطان بنفسه بعد عرضها على وزيره في الخارجية محمد بركاش.
يهود خرجوا عن طاعة المخزن:
*التخابر ضد السيادة المغربية من خلال إقحام الجمعية اليهودية في نزاعات مفتعلة:
استغل بعض اليهود المغاربة الحماية القنصلية لتنفيذ أغراضهم الشخصية، والخروج عن طاعة المخزن. و انعكس ذلك بشكل خطير على علاقتهم مع جيرانهم المسلمين، كما ساهم ذلك في إضعاف هيبة المخزن الذي أصبح عاجزا عن إخضاع المحميين للقانون المغربي. وتوضح وثيقة أصيلة(مجلة الوثائق، مديرية الوثائق الملكية، العدد 5، الوثيقة 647، ص، 94.) بعثها عامل الصويرة عمارة بن عبد الصادق البوخاري إلى الحاجب السلطاني موسى بن أحمد البوخاري؛ تتعلق بتجبر ثلاث يهود مغاربة كانوا قد احتموا بدولة إسبانيا من بينهم يهودي كان يسعى لخلق الفتن بين القنصل والمخزن، ومما جاء فيها «كما أن الثالث ترجمانهم، يقال له سعدي أَكْهُون فهو أشدهم تجبرا وجسارة، وهو الذي يُقَوِّي جانبهم، ويدخل في أسواق ليست له وينسب ذلك للقُونْصُ وفي كل وقت ليس لنا شغل سوى دعاويه».
ومن جهة أخرى سارع بعض اليهود المغاربة الزمن لكسب عطف دولة إنجلترا، وفي هذا السياق راسلت الجمعية اليهودية الإنجليزية في شخص (أ. لوي) القنصل العام البريطاني بالمغرب (جون دريموند هاي) جاء فيها ما يلي: « أيها السير العزيز : إنني لعلى يقين من أن اللجنة التنفيذية لهذه الجمعية لتقدر حق التقدير لطفكم وعطفكم بإعطائنا الفرصة لكي نعبر بشكل تام على رغباتنا التي كانت موضوع الحديث الذي تبادلته معكم شفهيا. إن رئيس الجمعية الذي يعاني من وعكة خفيفة لم يعد إلى لندن بعد، مما أوجد صعوبات في برنامجنا، وحيث أنه ليس بمقدوري أن أدعو إلى عقد اجتماع خاص بسبب الأعياد اليهودية، فإننا سنفقد الشرف في إيفاد وفد عنا في الوقت الذي حددتم ومع أولئك الذين يهتمون بمصلحة إخوانهم اليهود اهتماما قلبيا؛ سيأسفون عليه لعدم تمكنهم من عرض رغباتهم عليكم، فإنهم مقتنعون بأنكم ـــــ كما هو الحال دائما ــ ستمنحون أعظم الاهتمام للدعاوي التي قد يقدمونها بخصوص اليهود المقيمين بالأراضي المغربية . مع جزيل شكري على مذكرتكم الودية» ( مجلة الوثائق، مديرية الوثائق الملكية، ع5، الوثائق 91،92،693، ص، 354.). إن مثل هذه التصرفات المستفزة هي التي جعلت الدول الأجنبية تتكابل على استغلال نظام الحماية القنصلية لبسط نفوذها متخذة العنصر اليهودي المغربي مطية للتذرع دائما بالدفاع عنهم باعتبارهم أقلية مضطهدة. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نتوقف عند الحالة الأميركية، والتي كان يظن أنها بعيدة كل البعد عن الأطماع في المغرب آنذاك، إلا أن قنصلها العام (فليكس ماثيوس) توسع في سنة( 1872 ) في منح الحماية القنصلية لليهود حتى أن كل الرعايا الأميركيين بالمغرب كانوا يهودا باستثناء أميركيين اثنين. وخلال فترة الحماية تفاقمت مشكلة اليهود المحميين وهي الشهادة التي يقدمها المقيم العام الفرنسي «الجنرال ليوطي» الذي اشتكى فيها من سلوكيات السكان اليهود تجاه جيرانهم المسلمين مما خلق مشاكل للسلطات الاستعمارية، وهذه الشهادة مؤرخة في 28 مايو 1925 وهي في أصلها مراسلة إلى وزارة الخارجية الفرنسية ومحفوظة بأرشيفاتها:»فالجالية اليهودية التي هي اليوم مدينة للحماية الفرنسية بتحررها من وضعية العبودية التي عاشت فيها منذ قرون، تُعَقِّدُ مهمة السلطات لأنها جالية لا تعامل رجال المراقبة باللياقة اللازمة، وتتصرف بوقاحة تجاه المسلمين الذين لم تعد تخاف تحديهم محتمية في ذلك بوجودنا»


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 27/04/2023