صدر حديثا عن دار النشر “باب الحكمة” كتاب أنجزه الباحث المغربي يوسف أكمير بعنوان: الأصول السياسية والاجتماعية للعلاقات المغربية الإسبانية 1875 – 1912. الكتاب يتبني فيه صاحبه طرحا جديدا حاول من خلاله التركيز على ما كان للمغرب من تأثير في البنيات الدخلية بإسبانيا من سياسية واجتماعية وثقافية ناهيك عن التحكم في ديناميتها. فإلى جانب مواقف وزارة الخارجية الإسبانية تجاه المسألة المغربية تعين على يوسف أكمير الاطلاع على مواقف مؤسسات الدولة والقوى السياسية الرسمية و غير الرسمية، وكذا ردود فعل هيئات المجتمع المدني، و مؤسسات أخرى اختلط فيها السياسي بالاجتماعي و الديني (كالجيش و الكنيسة) قصد معرفة حقيقة المواقف التي تبنتها إسبانيا تجاه المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين 1875 – 1912.
وحسب يوسف أكمير ، فإن الثقل الدولي والوطني الذي كانت تكتسيه سياسة إسبانيا التوسعية تجــاه الجار الجنوبي، يمـكـن اعــتبـاره بمـثابــة مــسألـة مــبدئـيـة لمـعـرفة أسباب التطـورات والتـحـولات التي عاشها كل من النظام القائم والرأي العام. فالتنافس على استعمار المغرب والطرق التي نهجتها الحكومات الإسبانية لتحقيق حلم الاحتلال ظلا يعكسان بشكل دقيق وبارز أسباب الاضطرابات التي عانى منها النظام الملكي الإسباني، ثم إن اختلاف المواقف وتباينها تجاه مسألة التدخل العسكري بمنطقة الريف هو في واقع الأمر نتاج تنوع الفكر السياسي الإسباني خلال هذه المرحلة. والحكم ذاته يطال الجيش الذي جعل من قضية المغرب وسيلة لاكتساب الحصانة والمكانة الاجتماعية المرموقة وإحياء الروح الحربية الوطنية التي لطختها هزيمة 1898 بخليج كوبا ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
يتناول الكتاب أيضا ثنائية الأحاسيس/المشاعر والانطباعات التي كانت تحوم حول ملف احتلال إسبانيا العسكري للمغرب – ثنائية (التمجيد والرعب) – و كيف كانت تعبر في واقع الأمر عن الاضطراب الذي عانى منه الحس الشعبي بإسبانيا خلال هذه المرحلة. فالحماس الوطني الذي أسهم في بلورته انتصار تطوان سنة 1860 لازال حاضرا في المخيال الاجتماعي الإسباني، ولكن ما كان يحد من قيمته هو استحضار ذكريات أولئك المجنّدين الذين حْشدوا و أْرسلوا مجبرين إلى كوبا والفلبين للدفاع عن “سيادة” إسبانيا لينتهي بهم الأمر قتلى على يد المقاومة التحريرية بهذه الأراضي. ففي الوقت الذي كانت فيه الأزمة الاقتصادية الخانقة تغزو جهة الأندلس “أندلثيا” (Andalucía) والمجاعات تطرد سكان “اكستريمادورا”(Extremadura) من أراضيهم لم تبخل الحكومات الإسبانية عن صرف مئات الملايين في حملتها لاستعمار المغرب.
و حسب يوسف أكميىر، إذا كان الهدف من هذا العمل هو دراسة أزمة الهوية الوطنية بإسبانيا وعلاقتها بالمصالح الاستعمارية في مغرب ما قبل الحماية؛ فان كلا القضيتين أثّرتا بشكل مباشر على مجرى الأحداث، ثم إن دراسة البرامج السياسية والقاعدة الإيديولوجية للأحزاب الإسبانية الحاكمة وانسجامها مع طرح التدخل الاستعماري في المغرب، مكنه من الكشف عن الأوضاع التي كانت تُطور فيها هذه الأحزاب مخططاتها المتعلقة بالتدخل العسكري في البلد الجار. وأما بالنسبة لأحزاب اليسار غير الحكومية (بما فيها من جمهوريين، واشتراكيين، وأنركيين- فوضويين)، فقد خصص صاحب الكتاب دراسة للظرفيات التاريخية التي ربطت فيها هذه الأحزاب العلاقة بين التصعيد في رفضها ومعارضتها للنظام الملكي السائـد بـإسبـانيـا، وإدانـتـها للاحتـلال الـعـسكري للمـغـرب. وخـلـص إلى أن هـدف الـيــسـار اللاحـكـومـي الإسـبـاني لم يـكـن هـو الـدفـاع عـن استـقـلال المـغـرب وسـيـادتـه عـلى أراضيه، وإنما هو استعمال موضوع الاحتلال للضغط على الحكومة الملكية الإسبانية والمساهمة في إثارة رأي عام مناهض لها.
و في محور اخر تناول يوسف أكمير موضوع مؤتمر الجزيرة الخضراء، مفصلا السياقات العامة المحيطة به، وما تخلله من معارك سياسية بين المؤتمرين، والتدافع الدبلوماسي بين القوى الاستعمارية الأوروبية في سبيل الوصول إلى مصالحها في المغرب. وقد خص الكاتب حضور الوفد المغربي بتحليل عميق غاص في أدائه الدبلوماسي، وشخصياته المشاركة والأهداف التي دافعت عنها.
وقد ختم الكاتب كتابه بمحور خاص بالصحراء المغربية في الأرشيف الإسباني مابين 1911 و 1912 حلل فيه منطلقات الأطماع الإسبانية فيها، والتنافس الاستعماري الأوروبي عليها، مبرزا استماتة الجانب الإسباني في الدفاع عن مصالحه الاستعاارية، خاصة في السواحل المقابلة للأرخبيل الكاناري والتي تعتبرها إسبانيا كمجال جيواسترايجيي و اقتصاديي حيويي بالنسبة لهذه الجزر.
الأصول السياسية والاجتماعية للعلاقات المغربية – الإسبانية إصدار جديد للباحث المغربي يوسف أكمير
بتاريخ : 27/04/2023