بحثاً عن كلمات

أمسِ سأستأنف حياتي
أمس سأستأنِف حياتي
سأستأنفُها بأغنية
بأغنيةٍ عذبة
أمسِ سأستأنِف حياتي
ببضع كلماتٍ، فقط.
بأخرى غير ما تبدّى منها
أمس سأستأنِف حياتي
حين يتوقف الزمنُ عن مجراه
ويتوقف الناسُ الزمن كله
عن العيش في الحاضر
حين سيكونون قد نَسُوا الماضي
ويكُفّ يعني لهم المستقبل.
أمس سأستأنف حياتي.
****
الآخر
يحدُث لي أن أنظرَ أحياناً من النافذة وأرى شخصاً يعبُر في رأسي يُشبه كأخٍ توأمٍ لي. هذا الآخر أنا نفسي الذي عبرَ الزقاق فأغلق النافذةَ وأَسدلَ الستارة وأطفأ الأضواءَ لكي لا أراه بعد هنا يَشرعُ في الكلام ويمتنعُ عن الصمت فأغلق أذنيّ وأترك غرفتي لأتفادى الاستماع إليه بتاتا لكن الشيءَ نفسه يتكرّر فحيثما تذهب ثمةَ نوافذُ وترى شخصاً عابراً في رأسك يشبه مثلَ أخٍ توأمٍ لهذا الآخرَ الذي هو أنت نفسُه الذي يعبرُ الزقاقَ ويُغلق الشبابيك فتحجُب الستائرَ وتطفئ الأضواءَ لئلاّ تراه عندئذ يأخذ في الكلام ويمتنع عن السكوت فتغلقُ أذنيكَ وتتركُ غرفتك كي تتوقفَ عن سماعه ويتكررُ الشيء ذاته في كل مكان…
****
الصّمت
ينبغي أن نُحسِن الاستماعَ إلى الصمت
إنه يقول الشيءَ الكثير الصمتُ
يتكلم بغرابة هو الصمتُ
يتكلم جميع اللغات الصمتُ
يتكلم إلى الجميع الصمتُ
استمعوا إليه الآن الصمتَ
يحكي لكم همس ينابيع الصمتِ
يكلّمكم عن تغريد العصافير الصمتُ
يوشوِش في الأذن كلمات الحبِّ
هذا الصمتُ
يقول لكم كلمات خالدة الصمتُ
إنما اسمعوا جيداً
لا تقولوا شيئا البتّة
وإلا سيصمت الصمتُ.
****
مَرْقَدُ كلمة
فجرَ اليوم شنقنا كلمة
وضعتُها في عربة نقل الموتى
شيّعها موكب غفير
دفنتُها في حفرة
وعلى قبرها كتبت:
هنا ترقد كلمة…
فجرَ هذا اليوم تمّ شنقُ كلمة
مثقوبةً بالرصاص حمراءَ بالدم هوت
فأخذتُها بين ذراعيّ
حملتُها إلى مقبرة على شاطئ البحر
تحت ستة أمتار دفنتُها
وكتبت على قبرها:
هنا ترقدُ كلمة…
فجرّ اليوم سحقت كلمة
فُتِّت عظمها ومِزَقاً صار لحمُها
جمعتُها قطعةً قطعة
وفوق مَجمر كبير حرقتُها
رميت نصفَ رمادِها
في أركان الأرض الأربعة
وأغلقت على النّصف الباقي في جرّة
وكتبت على الجرّة بحروف ذهبية:
هنا ترقد كلمة…
فجرَ هذا اليوم ذهبتُ لأرى
على القبر في المقبرة والجرّة
ما صارت عليه كلُّ هذه الكلمات
لكن لم أجد أيّاً منها
أصدقائي أرجوا أن تكتبوا على قبري
هنا يرقدُ ميِّتٌ لم يُفلح في العثور على كلماته
****
هؤلاء الذين
هؤلاء الذين لا يرون النجوم أبداً
لأنّهم بلا عيون كي يروْنها
هؤلاء الذين لا يسمعون أبداً أحداً
لأنهم بلا آذان كي يسمعوهم
هؤلاء الذين لا يشمّون الورودَ أبداً
لأنّهم بلا أنوفٍ كي يشُمّوا
هؤلاء الذين لا يرون أبداً مثنَى
لأنّهم بلا أقدام ليمشوا
هؤلاء الذين لا يربِتون على جسد
لأنهم بلا يدٍ لتلمسَه
هؤلاء الذين لا يُحبون أحداً أبداً
لأنهم بلا قلب ينبِض
هؤلاء الذين لا يؤمنون بشيء
لأنهم بلا روح يغذّونها
…..
هؤلاء كم أغبِطهم!
****
انتفاضة الكلمات
ذات يوم قررتِ الحروفُ والكلماتُ أن تنعتق من رِبق الفكر وتتمرّد. ذهبتْ في كلِّ اتجاه، اختلطت، تخفّت، انردمت، انبثقت، تعانقت، تمطّطت، اتّحدت، تساقطت من الكتب، تبعثرت في الطبيعة، ذهبت إلى أقصى الأرض، انطلقت في الفضاء وطافت في الكون، و..بعد تعب، وضنى جرّاء تيهٍ طويل، اختفت في حفرة سوداءَ لم تترك لها عنوانا. منذئذ والناس ضائعون ومرتبكون، تارةً يتمتمون، أخرى أصواتُهم محتبسة، يركضون خلفها يبحثون وعبثاً يجمعون.

مترجمةٌ عن الفرنسية، من ديوانه» En quête des mots «(بحثاً عن كلمات)
منشورات» ملتقى الطرق،
الدار البيضاء، 2020»ِ


الكاتب : إدريس العلوي المدغري ترجمة: أحمد المديني

  

بتاريخ : 28/04/2023