الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -31- كيف ينتج السلطان الأوضاع الاعتبارية للأفراد والمجموعات ويحكم بها؟

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

جزء مهم من الوثائق التاريخية يتكون من نصوص تخبرنا عن الإعفاءات الضريبية، وسير الأعيان المحليين حول حضور أو غياب الدولة.. والكثير منها وثائق رسمية للاعتراف بنبوغ خاص يتم اللجوء إليها من طرف الفاعلين في المنافسات السياسية، وعموما في خضم نزاعاتهم، ومضمونها كما الشخصيات التي تثريها، متنوع يبدأ من الطالب الصغير المحلي إلى العائلات المرموقة للشرفاء وإلى السلالات المحلية التي لا تُدين ببقائها حية إلا بعمل هذا النوع من التمييز، مرورا بشرفاء الزوايا والصناع المميزين أو أهل أغُراَّم ( ناس الخير ).. وبالرغم من استغلالها المحدود، حتى من لدن التاريخ المغربي، فإن هذه المصادر الوثائقية ذات أهمية خاصة لأنها تشير إلى وجود فعالية معينة، وهي المعرفة الجيدة الدقيقة للنسيج الاجتماعي وتشبيكه الحميمي، وشخصياته الرفيعة، والتحالفات الممكنة، وعليه إلى القدرة على الاعتراف بمجموعة من الأوضاع الاعتبارية وإنتاجها أيضا، وذلك بجعل الاعتراف من طرف السلطان ممكنا بحد ذاته، وإن كان الاعتراف، في سوسيولوجيا القداسة، وبالتالي في التميز، يكون (الاعتراف ) من طرف المجموعة أولوية دوما.
تشير المراسلات والكتابات إلى أنماط خلق هذه الأوضاع الاعتبارية: الإعفاءات الضريبية والهدايا والهبات والتعامل المميز عند استقبالات القصر والمكانة في المحلة أو الحركة.. والامتيازات بكل أنواعها، تحدد الوضع الاعتباري والظهائر تسجلها، وتجددها على فترات غير منتظمة، وتشكل خلق الأوضاع الاعتبارية التراتبية ـ الذي يمثل في الهندسة الدولة الوطنية نتيجة نظام حكم “شرعي عقلاني” ـ يشكل هذا الخلق في الوضعية الإمبراطورية نمطا قائما بذاته ومركزيا في الحكم عبر تعدد متزامن من الأوضاع الاعتبارية المختلفة ( ليس كما في الدولة الوطنية حيث هناك تراتبية قارة للأوضاع الاعتبارية).
يتعايش نمطان من الوضع الاعتباري : هناك الوضع الذي تتمتع به المجموعات بالقانون والامتيازات، على غرار التجمعات المهنية، والمجموعات الدينية أو الزوايا الخاضعة لأنظمة خاصة بها في التنظيم، والتي تحدد سلطة السلطان في حدود الاعتراف بها، والأخذ بعين الاعتبار بميزان القوة.. وهناك الأوضاع الاعتبارية المشخصنة بواسطة التمييز، وهي فعل السلطان عبر مراسيم التوقير، وتضم مستويات من الأوضاع الاعتبارية التي تتيح الامتيازات الضريبية حسب المقامات. وهي حالة التمييز التي تتم داخل الكتاب عبر الصيغ المستعملة في المبادلات الرسائلية، أو عبر «الطُّلبة» الذي يجدون أنفسهم على قدم المساواة مع القضاة بدون أي تخصص بينهم، بدون أن يقوم تنميط للوضع الاعتباري أو التراتبية الاجتماعية.. فالسلطان هو الذي يخلق التراتبية بواسطة مضمون طلباته، وبواسطة طبيعة الامتيازات التي يمنحها، ومن هنا تأتي الهشاشة الكبرى لهذا الوضع الاعتباري…


الكاتب : عرض وترجمة عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 29/04/2023