وضع الكاتب، فتح «الملحق الثقافي» لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» كعادته في كل مؤتمر، صفحاته،في عدد 27 نونبر ،1998 للكتاب والمثقفين لإبداء ملاحظاتهم وطرح اقتراحاتهم بخصوص محطة مؤتمر اتحاد كتاب المغرب 14، وهي فرصة ظلت دوما لحظة للوقوف على الهنات ومكامن الضعف، واجتراح البدائل والحلول التي تسمح بانطلاقة أقوى للمنظمة في كل محطة تنظيمية. هنا قراءة من بعض المثقفين والكتاب لوضع الاتحاد وآفاق عمله، وهو على أبواب مؤتمره 14.
صدوق نور الدين
في وضع الكاتب
إن التصور الذي أصدر عنه في هذه الورقة يرتبط أساسا بوضع الكاتب في المغرب في زمن معرفي يرتهن إلى صناعة الأفكار، وفي تحولات يتحكم فيها السوق بهدف تحقيق تنمية فاقت في حدودها كل المقاييس، وهو ما عمق الهوة بين شمال قاتل وجنوب قتيل.
هذا الوضع يستدعي لفت الاهتمام إلى المكانة الاعتبارية للكاتب في المغرب. فإذا كان المجتمع اليوم كما سلف مجتمع صناعة الفكرة . الافكار فإن منتج الفكر .معرفة وإبداعا. في المغرب خاصة، ومادمنا بصدد الحديث عن اتحاد كتاب المغرب باعتباره المؤسسة الممثلة والحاضنة. تقتضي وضعيته إعمال التفكير والنظر. وأعتقد بأن وزارة الشؤون الثقافية في ظل حكومة التناوب تمتلك تصورات من شأنها إكساب الكاتب والمثقف الصورة التي يحلم بها منذ أمد
إن وضع الكاتب في المغرب وضع كائن شبه ملغى على الهامش مادام فكره ورأيه وموقفه، لم يخلق السؤال الذي من شأنه تفعيل الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية. فكل ما ينتج لا يحرك رأيا ولا تتخلق من خلاله نقاشات فاعلة. فإلى اليوم يعرف المغرب تنامي وتيرة التأليف والنشر والإبداع. على قلة الكتاب المتداولة أسماؤهم، في مغرب يكاد يتخطى الثلاثين مليون نسمة يعاني الكاتب والكتاب فقر التداول. مما بات معه التأليف أشبه بمصارعة طواحين الهواء. إنه وضع أريد للفكر المغربي وللكاتب المغربي.. وللموضوعية والحقيقة، فإن المحصلات السلبية تقع على كاهل المغرب، حيث باتت نسبة الأمية مستفحلة، وحيث تراجع مسار التربية والتعليم بشكل فادح. إنها مسؤولية مؤسسة الدولة منذ عشرين عاما ويزيد.
على أنه وإلى فقر التداول، بل ومما يتعلق به ولا ينفصل عنه، الوضع الاجتماعي لهذا الكاتب، الوضع الذي يعامل فيه كأيها كائن. فليس ثمة مسالك اجتماعية يفيد منها هنا وهنالك، سواء على مستوى وظيفته ذاتها والأغلب في قطاع التعليم، أو في جانب المرافق الحياتية المتعامل معها بشكل يومي روتيني قاتل. إنه كائن حيثما تأتى له التعامل، عومل بلا مبالاة ، حتى إنه إعلاميا، الاذاعة والتلفزيون بالضبط. ينتظر منه أن يدافع عن صوته أو صورته، في الآن الذي يجب أن يدفع له في أجهزة مليئة بكل أنواع الدعاية.
إن فعل التأليف والكتابة واستصدار الرأي حق في مجتمع “يتحدثن” على كافة البنيات السياسية والحقوقية والقانونية، أم أن إشكال التحديث لايتمثل الجانب الفكري والثقافي والمعرفي.
لقد عدا التفكير في وضع الكاتب والكتابة بالضرورة من المهمات المطروحة على كل دورة من دورات مؤتمر اتحاد كتاب المغرب وأعتقدها اليوم تلح وبقوة في مجتمع المعنى وحدة الموضوعية.
لذلك يجب
1 – إيلاء وضع الكاتب أولوية التفكير
2 – ضرورة الا ينظر لهذا الوضع بشكل مختزل، وإنما متكامل على اعتبار أن شرط إنتاج الكتابة لايتحقق في ظل الأدبي وحده، وإنما الاجتماعي على السواء.
3 – ومن حق الكاتب أن يعيش حياته لا أن يلبث في الظل والانبياء. في مقدمات الصفوف.
إني أعتقد بأن مؤتمر اتحاد كتاب المغرب في دورتة الرابعة عشرة سيفيد من درس الموت الذي طاله ثلاث سنوات خلت.
نجيب الرفايف:
مقترحات من أجل اتحاد آخر
قد يكون من باب الفخر والاعتزاز القول بأن اتحاد كتاب المغرب بقي، منذ تأسيسه إلى اليوم، منظمة مستقلة عن آية جهة رسمية من شأنها أن تملي عليه آفاق اشتغاله واهتماماته. هذا في الوقت الذي نسجل أنه اتخذ، خلال العقود الثلاثة الماضية، موقفا غير مفهوم من الادب الذي يكتب باللغة الفرنسية أو أية لغة أخرى أجنبية: ورغم ذلك نسجل هنا كذلك أن الاتحاد ظل منبرا لشريحة هامة من المثقفين والمبدعين المدافعين عن حقوق الانسان وعن مبدأ حرية الرأي والتعبير: ولعل هذا الأمر. في اعتقادي هو ما جعل الاتحاد يختار مكانه الى جانب اليسار المغربي ماداما معا قد جبلا على ثقافة واحدة قوامها البحث عن ماهو أفضل لكافة أبناء الشعب المغربي، كل من زاويته الخاصة وبالنظر كذلك الى ترسخ القناعات الشخصية: غير أن الوضع، قد عرف بعض التغيير خلال الأشهر القليلة الماضية.
فأصدقاء أو حلفاء الأمس قد أصبحوا اليوم هم المتحكمين في القرار من خلال تطبيق مبدأ التناوب السياسي.
لقد وصلت أحزاب اليسار الى سلطة القرار. بل إن أحد رؤساء الاتحاد السابقين أصبح بموجب هذه المتغيرات وزيرا مكلفا بالشؤون الثقافية ببلادنا، وهو الأمر الذي يعيد الى أذهاننا طبيعة العلاقة المتقلبة أو المتوترة التي كانت تربط اتحاد كتاب المغرب بهذه الوزارة وبكافة التشكيلات الحكومية السابقة.
من هنا وجب على الاتحاد التأكيد، في اعتقادي، على مايلي: ضرورة صيانة مكسب الاستقلالية من أية علاقة، سواء كانت عضوية أو مؤسساتية مع أية حكومة كيفما كان توجهها السياسي. ضرورة استمرار الاتحاد في الاهتمام بكافة الملفات والقضايا التي تصب في جوهر العملية الابداعية والكتابة عامة، كما دأب على ذلك منذ تأسيسه. العمل على الحفاظ على كافة المكتسبات وعلى الشعبية التي حققها الاتحاد في السابق. تطوير آليات التعاطي مع القضايا التي تدعم دخول الاتحاد، ومعه المغرب، عتبة القرن الواحد والعشرين، بما يعنيه ذلك من انفتاح على باقي القارات والثقافات المتنوعة. ضرورة الخروج من شرنقة الالتزامات السياسية والايديولوجية الضيقة التي جعلت إشعاع الاتحاد، رغم قوته، عاجزا عن تجاوز المتوسط الى الضفة الثانية. ترك القضايا التي لا تفيد المبدع والكاتب عموما في شيء الى من هم معنيون بها بالأساس. ضرورة اقتناع الاتحاد وأعضائه بأن المبدع . وليس المثقف. ليس مطالبا بالاجابة عن كل القضايا اليومية التي يفرزها المجتمع بالضرورة.
وعليه، فإذا اقتنعنا مبدئيا بهذه الصياغة الجاري بها العمل لدى العديد من اتحادات الكتاب الغربية المستقلة بالاساس، فإن دور الاتحاد يصبح في النهاية مؤسسة تقوم بالدفاع عن حقوق الكاتب لدى دور النشر مثلا، وإنعاش الفكر الثقافي المتنور وحماية حقوق الكاتب المادية والمعنوية، تشجيع القراءة، وتنظيم اللقاءات والرحلات والإخبار بما يجري في عالم الكتابة والفن والابداع والنشر وحقوق التأليف. أي أنه سيصبح مثل ناد له وظيفتان في آن واحد، فمن جهة، هو نقابة تدافع عن الكتاب، ومن جهة أخرى، هو فضاء يوسع من هامش الحميمية بين أعضائه.
وكل ذلك ليس أمرا مستحيلا إذا توفرت النيات الحسنة والتدبير العقلاني والصحيح.