مقدمة في الذكاء الاصطناعي.. – 2 – تاريخ الذكاء الإصطناعي.. وكيف تقدم على مر السنين؟

«.. بات الكثير من الناس حول العالم، مدركين للحضور الوازن للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في حياتهم، التي أضحت موجودة في كل مكان حولنا.. مع هذا الانتشار الواسع، يخطر على بال الأفراد أسئلة متعددة تخص هذه التقنية من قبيل: «كيف بدأ كل هذا؟»، «في أية مجالات يمكن أن يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي؟»، «ماذا يعني ذلك حقا؟»، «ما أخلاقيات عمل وتطبيق الذكاء الاصطناعي؟» وغيرها من التساؤلات التي سنتطرق لها في هذه السلسلة من المقالات حول «الذكاء الإصطناعي»، منطلقين من كونه كان موضوعا للخيال العلمي إلى جزء لا يتجزء من حياتنا اليوم، مرورا بتطور هذا المجال على مر السنين و ما ساهم به في حياتنا، وصولا إلى ما قد يشكله من خطر علينا الآن أو مستقبلا..»..

مع الكثير من الإهتمام بالذكاء الاصطناعي (بشكله الحديث) بات من السهل أن ننسى أن المجال ليس جديدا تماما، لكونه مر لفترات و متغيرات كثيرة و مختلفة، تميزت بمدى التركيز على إثبات النظريات المنطقية أو محاولة تقليد الفكر البشري عبر «إستنساخ» نظامه العصبي. يعود تاريخ الذكاء الإصطناعي، إلى أواخر عام 1940 عندما بدأ رواد الكمبيوتر مثل «آلان تورينج» و «جون فون نيومان» لأول مرة في دراسة كيف يمكن للآلات «التفكير». ومع ذلك، كان «الحدث المعلم» في عالم الذكاء الإصطناعي في عام 1956 عندما أثبت الباحثون أن «الآلة يمكنها حل أي مشكلة إذا سمح لها بإستخدام كمية غير محدودة من الذاكرة».
على مدى العقدين التاليين، ركزت الجهود البحثية العلمية على تطبيق الذكاء الإصطناعي على مشاكل العالم الحقيقي. أدى هذا التطور إلى تطوير أنظمة تسمح للآلات بالتعلم من التجربة و إجراء تنبؤات بناء على البيانات التي تم جمعها. صحيح أنها ليست معقدة مثل الأدمغة البشرية، لكن يمكن تدريبها على تحديد الأنماط و إتخاذ القرارات بناء على تلك البيانات التي يشيع إستخدامها في «الطب» و «التصنيع» اليوم. كان ثاني حدث مهم في تاريخ «الذكاء الإصطناعي» ما حدث في عام 1965 مع تطوير برامج «الروبوتات» أو «البوتات» (Bots) مثل «شاكي» (Shakey) و «إيليزا» (ELIZA) التي تعمل على «أتمتة المحادثات البسيطة بين البشر والآلات»، و مهدت هذه البرامج الطريق ل»تقنية التعرف على الكلام» الأكثر تقدما المتواجدة في المساعدات الصوتية ك»سيري» (Siri) و «أليكسا» (Alexa).
أدى كل هذا و ذلك، إلى تقدم كبير في تصميم «لغات البرمجة» و»إثبات النظريات العلمية» و «الروبوتات».. بعد عقد من الزمان، و قلة التمويل المالي، و الانحصار دون تقدم كبير، إنتعش الإهتمام في أواخر 1980. كان هذا الإنتعاش، مدفوعا في المقام الأول بالتقارير التي تفيد بأن الآلات أصبحت أفضل من البشر في المهام «الضيقة» مثل لعب لعبة «الداما» أو «الشطرنج» و»التقدم في التعرف على الكلام»، كما كان التركيز على بناء أنظمة يمكنها فهم بيانات العالم الحقيقي و التعلم منها بتدخل بشري أقل. إستمرت هذه التطورات ببطء حتى عام 1992، عندما بدأ الاهتمام في الزيادة مرة أخرى، خاصة وعندما ساعد التقدم التكنولوجي في قوة الحوسبة وتخزين المعلومات على تعزيز الاهتمام بالبحوث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
شهدت السنوات الأولى من القرن 21، فترة من التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي، أبرزها تطوير أو «شبكة عصبية» (Neural Network) ذاتية التعلم، التي وبحلول عام 2001 تجاوز أداؤها بالفعل البشر في العديد من المجالات المحددة مثل «تصنيف الأشياء» و»الترجمة الآلية». على مدى السنوات القليلة التالية، قام الباحثون بتحسين أدائها عبر مجموعة من المهام مستعينين بالتحسينات في التقنيات الأساسية. كان الطفرة الثانية المهمة في هذه الفترة، هي تطوير خوارزميات التعلم المعزز القائمة على «النماذج التوليدية» الجديدة بحسب كل فئة، مما يساعد على تعلم «السلوكيات المعقدة» حتى وإن كانت البيانات الأساسية قليلة جدا.
بالإضافة إلى هاتين الثورتين، كانت هناك العديد من التطورات الهامة الأخرى في الذكاء الإصطناعي على مدى العقد الماضي، من بينها التركيز متزايد على استخدام الشبكات العصبية العميقة في التعرف على الأشياء و فهم المشاهد، والتركيز المتزايد على استخدام أدوات التعلم الآلي لمهام معالجة اللغة مثل «استخراج المعلومات» و»الإجابة على الأسئلة».
(يتبع)


الكاتب : ت : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 01/05/2023